أيها الاخوة والاخوات المحترمين
السلام عليكم ورحمة الله،،
أولاً أود الاعتراض بكل مودة ومحبة على وصفى في الإعلان عن هذه المحاضرة بأنى باحث ومؤرخ. فأنا بحكم المهنة مهندس ومدير مشاريع وصاحب شركة مقاولات نفذت مشاريع في بلاد عديدة. ولكنى تركت هذا كله منذ سنوات عديدة لأنى "صاحب قضية". وصاحب القضية يسعى بكل قواه لكسب هذه القضية: قضية الوطن، قضية الأرض والبيت والهوية والتراث. فصاحب القضية يصبح مؤرخاً عندما يبحث في مكتبات العالم ليجد وثيقة تثبت حقه. وصاحب القضية يصبح جغرافياً عندما يرسم الخرائط لحدود أرضه. وصاحب القضية يصبح محامياً عندما يدرس القانون الدولي ويستعمله لاثبات حقه. وصاحب القضية يصبح سياسياً عندما يدعو ابناء وطنه للوحدة والدفاع عن الحقوق الثابتة. وصاحب القضية يصبح دبلوماسياً عندما يترافع في الأمم المتحدة أو برلمانات العالم.
ومن هذا المنطلق، فكلنا أصحاب قضية. وعلينا هذا الواجب المقدس. وأذكركم بأننا لو كنا في وطننا، لأدينا خدمة العَلَم 4 سنوات. وحيث أننا لسنا في وطننا، فإن خدمة العَلَم مفروضة علينا طول العمر.
ولكى نتحدث عن هذا الواجب، فإنه يسعدنى أن أكون بينكم اليوم، في برلين حيث توجد أكبر جالية فلسطينية في أوربا، لا تزال متعلقة بالوطن، لأن الوطن يسكن في صدورنا أينما كنا. والسؤال البسيط الذى يخطر على البال: لماذا أنتم هنا في برلين؟ الجواب البسيط أيضاً: لاننا فقدنا الوطن. فقدنا جغرافيتنا المحسوسة. ولذلك فإننا اليوم نجدد العهد على رابطتنا التى لا تنفصم بالوطن الأم، مهما طال الزمن ومهما زادت الصعاب.
لقد فقدنا الوطن، لاننا كنا، ولا نزال، ضحية أكبر وأشمل وأطول عملية تنظيف عرقى في التاريخ الحديث. ولم يشهد التاريخ جريمة أفظع من هذه الجريمة. لا جريمة احتلال بلد، ولا قيام النازية أو الفاشية، ولا سياسات العنصرية أو الفصل العنصري. ذلك لان جريمة التنظيف العرقي التى تمارسها الصهيونية هى كل هذه الجرائم مجتمعة. وهى ليست جريمة عارضة حدثت اثناء حمى حرب كبيرة. بل هى عملية منظمة تمارس منذ عقود في الحرب والسلام. وهى ليست جريمة اقترفتها جماعة صغيرة متعصبة، بل هى جريمة تمارسها دولة بموجب قوانين ومؤسسات ثابتة، وهى التى تمارس هذه الجرائم بشكل منظم، في داخل فلسطين، وفي البلاد العربية، وحتى في أوربا ضد رموز الشعب الفلسطينى، وتحظى هذه الجرائم بدعمٍ مستمر منذ وعد بلفور إلى يومنا هذا، دعم معلن ومستتر، بالمال والسلاح والسياسة، من نفس الدول الغربية التى ساعدت على خلق هذه الجريمة في المقام الأول.
يجب ألا ننسى أبداً أن أهداف الصهيونية ثلاثة أهداف متلازمة:
أولاً: الاستيلاء على الأرض العربية استيلاء كاملاً دون وجود صاحب الأرض لا كصاحب حق ولا حتى كساكن.
ثانياً: التخلص من أصحاب هذه الأرض بالمذابح والطرد والتشريد، والسيطرة على من بقى منهم إما بالاحتلال أو حشرهم داخل جيتو للأغيار.
ثالثاً: إزالة معالمهم الحضارية والدينية والتاريخية وتدمير قراهم وطمس تاريخهم واسماء جغرافيتهم واعتبارهم كما لو كانوا ذرة غبار في كتاب التاريخ.
ما العمل إذن؟ ها نحن الآن في السنة الثالثة والتسعين من أطول حرب في التاريخ شنتها الصهيونية ومؤازروها ضد شعب، وفي السنة الثانية والستين من تدمير فلسطين وجريمة النكبة والشتات.
ولكننا لم نستسلم ولن نستسلم أبداً.
وهذا يفرض علينا واجبات عديدة:
أولها بالطبع التمسك بالأرض، التمسك بحق العودة إليها. فحق العودة هو أم الحقوق الفلسطينية، وهو جوهر حقوقنا، وهو واسطة العقد لكياننا. كل الحقوق الأخرى ثانوية له. حتى الدولة، إن كانت حقيقية أم خداعاً، لا قيمة لها إلا إذا عاد كل فلسطينى لكى يعيش على الأرض أو في البيت الذى طرد أهله منه، بحرية وكرامة وحقوق كاملة. حتى القدس، فإنها تعود عربية عندما يعود أهلها إليها.
حق العودة هو حق غير قابل للتصرف، حق لا تجوز فيه الإنابة أو التمثيل، حق لا تجوز فيه المفاوضة أو الاستفتاء، حق لا تجوز فيه المقايضة بوطن بديل أو بالمال لبيع الوطن. وهو حق لا يتم تحقيقه إلا بعودة الشخص إلى البيت أو الأرض التى طرد منها الفلسطينى أو عائلته عام 1948، وليس إلى بقعة أخرى ولو على أرض فلسطين.
هو حق مقدس في كل وجدان، وهو حق قانونى أكده المجتمع الدولي أكثر من 100 مرة، أكثر من أى قرار في العالم، وهو حق ممكن تنفيذه جغرافياً وسكانياً وقانونياً. وواجب علينا تنفيذه على أرض الواقع مهما طال الزمن.
مجلس وطني جديد
وثانيها هو إعادة اللحمة إلى الشعب الفلسطينى، وتوحيد صفوفه عن طريق مجلس وطنى جديد منتخب لكافة فئات الشعب الفلسطينى في كل انحاء العالم الذى بلغ تعداده الآن 11 مليونا. لقد فقدنا البوصلة الآن. لو كان لدينا مجلس وطنى جديد منتخب لكان لدينا مرجعية موثوقة نعود إليها عندما نواجه الاخطار المحيقة بالوطن، وعندما نختلف نجد إجماع المجلس على رأى هو الذى يحدد مسيرتنا. أليس من العيب أن تحدد مسيرتنا الوطنية اليوم بضغط من دولة عربية وعقد اجتماع في أخرى، ومشروع اتفاق في ثالثة، أو بضغط معلن أو مستتر من جهة أجنبية تهدد باشعال حرب أو بقطع الأموال. نحن أصحاب القضية ولذلك يجب أن نكون أصحاب القرار.
نعم لقد تمت الانتخابات بالفعل في المناطق المحتلة في يناير 2006 ولكن هذا يمثل 30% من الشعب الفلسطينى، وأفرزت المجلس التشريعى الذى هو جزء من المجلس الوطنى.
لكن الشتات ليس له صوت. وأهلنا في فلسطين 1948 ليس لهم صوت.
والشباب الذين ولدوا بعد آخر اجتماع مجلس وطنى معترف به في الجزائر عام 1988، والذين يمثلون نصف الشعب الفلسطينى، ليس له صوت.
وفي السنوات العشر الماضية عقدنا مؤتمرين في لندن وبيروت، وقمنا بمحاولات واتصالات عديدة مع المسئولين وأشباههم، ندعو إلى انتخاب مجلس وطنى جديد، ولكن جميع المحاولات لاعادة وحدة الشعب الفلسطينى عن طريق مجلسه الوطنى المنتخب الجديد قوبلت بالوعود والتسويف دون سبب معقول ودون اعتبار لارادة الشعب، ودون إعتبار لاتفاق القاهرة الذى وافقت عليه الفصائل في آذار 2005.
ولذلك فإننا نجدد المطالبة بعقد انتخابات لمجلس وطنى، يكون خلفاً للمجلس الوطنى المعقود في الجزائر عام 1988.
هذا المجلس الجديد سيفرز قيادة فلسطينية جديدة تمثل الشعب الفلسطينى تمثيلاً حقيقياً، وتدافع بإخلاص عن الحقوق الفلسطينية. وتقوم بواجباتها عن طريق لجنة تنفيذية جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية، فيها القادة الذين يتفانون في الدفاع عن حقوقنا، القادة الذين نثق بهم ونؤيدهم، القادة الذين يرفعون رأس كل فلسطينى. وهو للاسف ليس الحال الذى نشاهده اليوم.
هذا المجلس وهذه المنظمة ملتزمة التزاماً مطلقاً لا شبهة فيه بثلات مبادئ رئيسة:
الأول: الميثاق الوطنى لعام 1969. هذا الميثاق الذى يحدد وطننا بأنه فلسطين العربية من النهر إلى البحر. وفلسطيننا ليست فلسطين افتراضية خيالية ولا هى خدعة سياسية. هى وطننا من راس الناقورة إلى أم رشرش ومن اريحا إلى رفح.
الثاني: حق العودة وهو الحق المتأصل في وجدان كل فلسطينى ومتجذر في الشرائع العقيدية والدولية.
الثالث: الحق في المقاومة وممارستها على جميع الاوجه. لا يوجد حق أعلى من حق الدفاع عن النفس. وهو الحق الذى أجازه ميثاق الأمم المتحدة دون الحاجة إلى قرار من الدول أو موافقة منها. وإن أردنا قرارات الأمم المتحدة، فأذكركم بقرارتها رقم 2535، 2628، 2672 وغيرها ابتداء من عام 1969 التى تنص على "شرعية النضال من أجل التحرير وتقرير المصير"، بل وتطلب هذه القرارات من كل الدول مساعدة الشعب المحتل مساعدة مادية ومعنوية لكل ما يلزمه، لكى ينتصر.
المقاومة هى حقنا وهى شرفنا وهى واجبنا الذى يجب الا ننكص عنه. وهي أيضاً مستقبلنا. المقاومة هى شرط الوفاء لأبطالنا وشهدائنا، لكى نثبت لهم أن تضحياتهم لم تذهب عبثاً.
هذه القواعد الأساسية تستدعى العمل في الميادين الآتية:
هيكلة المنظمة
أولاً: إعادة هيكلة المنظمة نفسها.
- عندما يتكون المجلس الجديد عليه أن يعيد النظر في التركيب الهيكلى للمنظمة. من النقاط البارزة هنا هى ضرورة عزل السلطة عن المنظمة. فالسلطة تخضع للمنظمة والسلطة ليست سوى إدارة شئون الوطن المحتل. كما يجب الا يكون هناك ازدواجية أو تراكبية في صلاحية رئيس المنظمة ورئيس السلطة. وكلاهما يجب أن يخضع لرقابة المجلس. إن عزل السلطات وتخفيض الصلاحيات الرئاسية إلى الحد العملى، وتأكيد استقلال القضاء، ووجود ديوان مسائلة وتفتيش، ومؤسسات لرقابة تطبيق حقوق الانسان، هى قواعد أساسية لابد من الالتزام بها.
دائرة اللاجئين
ثانياً: إعادة الحياة إلى دوائر المنظمة بوجوه جديدة ذات كفاءة عالية ونظافة يد والاخلاص في العمل. ولدينا والحمد لله قوة بشرية رائعة تستطيع القيام بهذا العمل عندما تتاح الفرصة. واول الدوائر وأهمها دائرة اللاجئين التى تمثل ثلاثة ارباع الشعب الفلسطينى، وهى المكلفة بأكبر وأهم حق فلسطينى.
- يجب أن يكون لهذه الدائرة ما لا يقل عن 40 مكتباً في العالم وأن يكون لديها جيش من القانونيين والباحثين والإعلاميين. وعليها أن تشارك في كل محفل ومؤتمر ووسيلة إعلام. لقد مرت الذكرى الستون للنكبة واحتفلت بها عشرات من لجان العودة في كل مكان، وعقدت لها المؤتمرات، وقامت قناة الجزيرة بدور أقوى من كل الجهود العربية مجتمعة، ولم نسمع شيئاً يذكر من الدائرة. وإذا كانت الوكالة اليهودية موكلة بتجميع اليهود من أنحاء العالم ونقلهم ليعيشوا في بيوت الفلسطينيين، فإن واجب دائرة اللاجئين، بل المنظمة والمجلس كله، هو العمل الدءوب المتفاني على عودة اللاجئين إلى بيوتهم. فدورها أكبر وأهم وأعدل من دور الوكالة اليهودية.
- واليوم يذكرنا العدو الصهيونى بأن النكبة لم تتوقف خلال 20,600 يوماً مرت عليها. في عام 1948 هجرت إسرائيل الفلسطينيين. ومن حاول العودة إلى بيته قتلته إسرائيل بصفة "متسلل". وفي عام 1969 أصدرت إسرائيل قانوناً يطرد العائدين من شرق الأردن بصفتهم "متسللين". والآن أعيد إصدار هذا القانون لطرد الغزي والمقدسي والطيباوي والنابلسي وأى وصف لفلسطينى على أرض فلسطين.
الا يحتاج هذا كله إلى عمل فعال دءوب مخلص للدفاع عن اللاجئين وحق العودة؟
إعادة هيكلة الشعب الفلسطيني
- ومن الواجبات أيضاً إعادة تجميع المجتمع الفلسطينى وهيكلته.
يجب إعادة تركيب المجتمع الفلسطينى في الشتات كما كان قبل النكبة وكما كان في السبعينات من القرن الماضى. يجب إحياء نقابات واتحادات العمال والمهنيين والكتاب والفنيين والطلبة والمرأة وغيرها، بشكل ديموقراطي يشمل الجميع.
لقد سرق العدو جغرافيتنا، وحملنا تاريخنا معنا، وعلينا إعادة بناء هيكلنا مرة أخرى في الشتات. إنه لمن المحزن أن نرى اليوم الحالة المهلهلة لما تبقى من الاتحادات والنقابات، كأنها أطلال جلست عليها شخوص أثرية.
حصار غزة
- وعندما يتأمل الانسان حصار غزة، يعجز عن تخيّل مدى العجز والتخازل العربي وعن مدى النفاق الأوربي الذين يذهب قادته بعد مجزرة غزة إلى إسرائيل لتهنئة قادتها بعيد ميلاد إسرائيل قبل ستة عقود. وأقولها بكل صراحة وبشكل قانوني رصين إن غزة هى أوشفيتس الجديدة، الدائمة، التى لم تحدث خلال سنوات محدودة في ضباب حرب عالمية، بل أمام ناظرينا وعلى شاشات التلفزيون، بشكل مستمر متواصل لا نهاية له.
- يجب الا نقف ساكتين أمام هذه الجريمة البشعة. وسنفضحها كما هى، جريمة حرب بشعة لا تزال مستمرة أمام عين العالم وبصره. هى جريمة حرب حسب قانون محكمة الجرائم الدولية. تقول المادة 8 فقرة 6 من ميثاق روما للجرائم الدولية: "يعتبر التجويع أو إعاقة وصول مواد الإغاثة جريمة من جرائم الحرب".
- لقد سرق العدو جغرافيتنا، وحملنا تاريخنا معنا، وعلينا إعادة بناء هيكلنا مرة أخرى في الشتات. إنه لمن المحزن أن نرى اليوم الحالة المهلهلة لما تبقى من الاتحادات والنقابات، كأنها أطلال جلست عليها شخوص أثرية.
- وأكثر من ذلك. إن ما يحدث في غزة هو جريمة إبادة. تقول المادة 6 فقرة ج من ميثاق روما إن من تعريفات الإبادة: تُفْرَض على مجموعة من الناس بعمل متعمد ظروف معيشية تؤدى إلى تدمير أوضاعه الطبيعية كلياً أو جزئياً".
قرار محكمة العدل الدولية
- وعلينا أيضاً أن نستفيد أيضاً من أكبر نصر قانونى حصلنا عليه في نضالنا الطويل، الا وهو القرار الاستشارى لمحكمة العدل الدولية الصادر في 2004/7/9. إن هذا القرار هو أهم وثيقة قانونية منذ وعد بلفور. وللأسف لا توجد نتائج عملية من السلطة أو المنظمة بشكلها الحالي لتطبيق هذا القرار أو الاستفادة منه.
جرائم الحرب
وعلينا أيضاً أن نسخّر كل طاقاتنا القانونية والبرلمانية لتوثيق جرائم الحرب الإسرائيلية ومطاردة مجرميها في أنحاء العالم، كما طاردوا أيخمان وغيره. هذه حرب يمكن أن نكسبها، لأن الأدلة دامغة، والرأى العام الشعبى مستعد لقبولها. أليس من العيب أن تقوم شركة قانونية في لندن وامستردام ومدريد بالتعاون مع محامين فلسطينيين باصدار مذكرات اعتقال جنرالات إسرائيل عند وصولهم إلى مطارات لندن وهولندا ولا يقوم بذلك من يتحدثون بإسمنا؟
وإذ نتحدث عن جرائم إسرائيل لا يمكن أن ننسى شهدائنا الذين ضحوا بحياتهم من أجل الوطن ولا الاطفال والنساء الذين قضوا وهم في بيوتهم والذين احترقوا بقنابل الفوسفور ولا أسرانا الذين ضحوا بعمرهم من أجل أن نصبح أحراراً على أرضنا، وهم الذين لا يملكون طائرات ولا دبابات تحميهم، مثل شاليط الذى أصبح اسمه معروفاً في صحافة المنافقين الغربيين. بينما لا يعلم هؤلاء عن أحد عشر ألف أسير فلسطينى يقبعون في سجون الاحتلال. ولقد واجهوا الاحتلال بصدور عارية أمام جيش طائراته فوق رءوسهم ودباباته أمامهم وجنوده يقتحمون بيوتهم.
لو أحصينا عددهم لوجدنا أن 40% من الشباب الذكور (أى ما يقرب من النصف) في الضفة وغزة دخلوا السجون الإسرائيلية على الاقل مرة واحدة في حياتهم.
والقدس، كيف ننسى القدس؟ أولى القبلتين وثالث الحرمين. هذه درة التاج. وهى عاصمتنا، عاصمة فلسطين، كل فلسطين. وهى بجانب كل المعاني السامية، هى من الناحية الجيو سياسية هى العاصمة الإدارية والعاصمة التجارية والعاصمة الثقافية لفلسطين.
بدون القدس، لا تكون فلسطين.
لا يمكننا أن نقبل بمحو 1400 سنه من التاريخ العربي الإسلامي ومحو 5000 سنه من التاريخ الفلسطينى.
التربية الوطنية للشباب
- يجب إلا ننسى أن 6% - 8% من الفلسطينيين فقط اليوم ولدوا في فلسطين قبل 1948 وأن الجيل التالى لهم شارك في الثورة وخبر النكبة عن قرب. هذا يعنى أن 75% من الشعب الفلسطينى على الأقل، ومعظمهم من النشء، لا يعرفون الكثير عن فلسطين عدا العواطف والتعاطف. إن تربية النشء واجب مقدس على المجلس الوطنى الجديد ومنظمته، وهو واجب ثقيل تقف في وجهه عقبات مادية ومعارضة محلية، ولكنه ضرورى جداً، وممكن جداً. والتقاعس عن ذلك جريمة لا تغتفر. ألا نخجل من أن إسرائيل تنقل الشبيبة اليهود لزيارة إسرائيل في برنامج "حق مسقط الراس" (Birth right)، ونحن أصحاب هذه الأرض لا نربى ابناءنا على حب وطنهم ومعرفته؟ ومن هو الفلسطينى الوطنى الذى يرضى أن تصدق مقولة بن جوريون أن "الصغار سوف ينسون"؟
وكارثة أوسلو يجب أن تدفن هى وآثارها. ونعود إلى الطريق الصحيح مرة أخرى.
لقد قيل لنا أن اللجنة الرباعية وضعت شروطها وضغطت على الرئيس محمود عباس لكى ينفذها، وهي: إسقاط المقاومة، الاعتراف بإسرائيل والاعتراف بأوسلو وأخواتها. وقيل لنا هذا الكلام مرات ومرات كما لو كانت قدراً محتوماً، وقيل لنا أنه لو قبلت الحكومة بشروط الرباعية، فإن كل الأمور تُحل وأن الشعب الفلسطينى سيعود إلى دياره.
ونحن نعلم حق العلم أن هذه اللجنة الرباعية ليست للامم المتحدة وليست رباعية وليست مجتمعاً دولياً، بل هى أمريكا وتابعها الاتحاد الأوربي. أما روسيا، فهى تحضر لكى تعترض وتراقب، والأمين العام يحضر بصفته، ولا يعبر عن إجماع دول الجمعية العامة كالأمم المتحدة ولا قراراتها. وهنا أقتبس من تقرير لممثل الأمم المتحدة ألفارو دي سوتو، خليفة برنادوت بعد 60 عاماً من ولايته، في تقريره الصادر في ختام مهمته في أيار 2007، يقول في الفقرة 79:
"هناك مغالطة شائعة في أن الرباعية قد وضعت شروطاً. [يقصد الشروط التى يقال أنها مفروضة على الرئيس عباس بالاعتراف بإسرائيل وإسقاطه المقاومة] هذه شروط أمريكا فقط ويتبعها الاتحاد الأوربي حسب تشريعاتهما وليس للرباعية شأن في ذلك".
يكفينا خداع. يكفينا وعود مزيفة. يكفينا انتظار لجودو الذى لن يصل، يكفينا هذا ونحن نرى أرضنا تتلاشى يوماً بعد يوم، وشعبنا يقع ضحية الاحتلال والتشريد، والإحباط والمرارة. ويكفينا مبادرات ومشاريع سلام لا تنفذ ولو نفذت لخدمت العدو قبل أن تخدمنا.
أنتم هنا بعيدون عن الوطن. ولكن لكم مزايا أولها أن لكم حرية الحركة والتجمع والتعبير عن الرأى، وهو الذى حرم منه اخوانكم في مكان آخر. وإذا حاولوا فإنهم يدخلون السجون. وثانيها أن رزقكم مستمد من عملكم، وليس حسنة أو رشوة أو خاضع لتهديد بقطع الراتب من دولة أو جهة رسمية، تمنعها عنكم لو جاهرتم بحقكم في وطنكم.
يجب أن تستفيدوا من هذا المزايا. فلا عذر أبداً لمن يتخلى عن واجبه. وأقول لكم من معرفة وثيقة بنبضات شعبنا في الضفة وغزة و48 وأيضاً في الشتات، أنكم في الشتات الأمل المعقود للشعب الفلسطينى في الخلاص من وضعه الراهن، وأن ابناء شعبنا يتطلعون إليكم لإعادة مجرى قضيتنا إلى مسارها الصحيح، مثلما نشأت الثورة الفلسطينية في مخيمات غزة في الخمسينات قبل الغزو الصهيوني، وفي الشتات في دول الخليج. فلا تتهاونوا في تحمل هذه المسئولية الوطنية، ولا تهنوا في اداء واجبكم نحوها. ولكن يجب أن نتجنب الشطط في هذا العمل وأن نعمل من أجل الوطن نفسه، لا من أجل غرور شخصى أو تحيز لفصيل أو حزب. والقاعدة الثابتة في العمل الوطنى، هى أن كل من وضع مصلحة فلسطين في المقام الأول فهو معنا مدافع عن وطنه، ومن فضل مكاسبه أو حزبه على حساب فلسطين فهو ليس معنا.
وتذكروا أنه منذ الحرب العالمية الأولي، مروراً بالانتداب والثورة العربية عام 1936 ونكبة فلسطين، والفدائيين في غزة، والثورة الفلسطينية بعد نكسة 1967 والانتفاضات الشعبية في الثمانينات والتسعينات وهذا القرن، والمقاومة التى لا تزال تمارس على أرض الوطن، كلها، كلها بلا استثناء، هى نتاج جهد شعبى متوقد الوطنية مدافع عن كينونته وتراثه وحقه في الحياة، وليس نتاج قرار رسمي أو مبادرة دولة عربية أو تحرك دولي.
ولذلك فإن هذا هو دوركم، كل في مكانه، بما يستطيع، وحتى بما لا يستطيع، فإنه لا حدود لقدرة الوطنى المخلص. هذا دوركم ولا تلوموا الغير ولو كان فلسطينياً، فهذا أسهل الطرق للهروب من الميدان. اعتمدوا على أنفسكم قبل أن تطلبوا المعونة من الغير.
إجمعوا صفوفكم في كيان يستعد للالتحام بغيره ومثله بين صفوف الشعب الفلسطيني. وهذا الالتحام لا شك قادم.
تذكروا دائماً أن هذا الشعب الفلسطينى، الذى شُنّت عليه أطول حرب في التاريخ، لا يزال صامداً وسيبقى رافع الهامة.
صحيح أنه قُتل وجرح وتشردِ ولكنه لم يركع.
هذا الشعب فيه الكثير من الأبطال والعظماء، وفيه قلة من الفاشلين والفاسدين. فلا تجعلوا هؤلاء هم قادتنا. وإذا تخليتم عن واجبكم سيكون هؤلاء قادتنا لا سمح الله.
شعبنا مثل البحر العظيم في احشائه الدر كامن وعلى قاعه سفن غارقة. فانتشلوا الدر ولا تنتشلوا حطام السفن.
لا نرتضى وطناً يكون السيفُ عند جَبَانه والمالُ عند بخيله
والرأىُ عند طريده والعلمُ عند غريبه والحكمُ عند دخيله
وقد استبد قليله بكثيره ظلماً وذُلّ كثيره لقليله.
لا تيأسوا أبداً. صحيح أن العدو من أمامكم وخلفكم وأحياناً بينكم، وليس لكم والله إلا الصدق في العطاء والصبر على المكاره. وأنى من أشد المؤمنين بأن هذا الشعب سينتصر وسيستعيد حقوقه.
وما ضاع حق وراءه مطالب.