السلام عليكم ورحمة الله،،
ابدأ بالتعبير عن شكرى الجزيل وتقديرى العميق للمنظمين لهذا المؤتمر الهام وأخص بالذكر منتدى القانون الدولى وبرنامج الدراسات الحضارية وحوار الثقافات. ولا يمكن الحديث عن ذلك دون ذكر الدينامو المحرك الدءوب لهذه النشاطات الان وعلى مدى سنوات سابقة، الاستاذة الدكتورة نادية مصطفي. فلها ولكل زملائها الشكر والتقدير.
وهذا ليس بالغريب على جامعة القاهرة. ونقول لجيل الشباب لعلكم لا تعرفون أن هذه الجامعة العريقة كانت مسرح أول مظاهرة شعبية في ابريل 1948، احتجاجاً على مذبحة دير ياسين وتهجير فلسطين من أهلها. وهذه المظاهرات كانت الحافز الأول للحكومة المصرية، والتى كان رئيس وزرائها محمود النقراشى متردداً في هذا الأمر، كانت الحافز لارسال جيشها إلى فلسطين قبل يومين من انتهاء الانتداب لإنقاذ ما تبقى من فلسطين.
وفي مظاهرات ابريل 1948 لنصرة فلسطين في هذه الجامعة شارك الطلاب الفلسطينيون الذين كانوا يدرسون هناك وعددهم لم يتجاوز العشرة آنذاك وتركوا الدراسة للمشاركة في حرب فلسطين. ومن هؤلاء حامد أبو سته الذى أصبح أحد مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية. وبعد هذا التاريخ بسنوات قليلة، خصوصاً عام العدوان الثلاثى، ظهرت شخصية بارزة في مظاهرات الجامعة وفي مقاومة الإنجليز في قناة السويس وفي صد العدوان الثلاثى، الا وهى القائد الوطنى ياسر عرفات الذى اغتاله العدو الصهيونى في هذا اليوم قبل 4 سنوات. إذن هذه جامعة عريقة ولا تزال ثابتة على مبادئها الوطنية إلى اليوم.
بالأمس احتفلت بريطانيا وفرنسا وامريكا بمرور 90 عاماً على انتهاء الحرب العالمية الأولى. لكن حرباً أخرى بدأت قبل ذلك ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، تلك هى صراعنا مع الاستعمار والصهيونية.
فى صيف عام 1916، بينما كانت طائرات الحلفاء تلقى بالمنشورات على البلاد العربية، تؤكد فيها عزم الحلفاء على تحرير البلاد العربية وقيام دولها المستقلة، بعد إنتصارهما المشترك مع العرب على إزالة الحكم التركى الظالم، وبينما كانت المراسلات ناشطة بين اللورد ( مكمهون) والشريف حسين فى مكة على وضع هذه الوعود موضع التنفيذ، كان دبلوماسيان أوروبيان يجلسان فى غرفة مغلقة ينقضان هذه الوعود بشكل كامل. أحد هؤلاء الدبلوماسيين هو البريطانى روبرت سايكس والأخر الفرنسى جورج بيكو. كانت مهمتهما هو تقطيع أوصال العالم العربى الى دويلات تحت نفوذ بريطانيا أو فرنسا، مع إعطاء جوائز ترضية لكل من إيطاليا وروسيا القيصرية. هذه الخيانة الواضحة لأبسط مبادئ حقوق الإنسان، إن لم تكن خيانة للوعود البريطانية الفرنسية في دول تعتبر نفسها قمة الحضارة آنذاك، هى بداية قرن أو يزيد من الحرب والتدمير والتشريد والمعاناة للشعوب العربية.
شريحة 2
ولم يقتصر الأمر على ذلك. بعد ذلك بعام، فى مساء يوم الأربعاء 31 أكتوبر 1917، تمكنت القوات البريطانية بقيادة الجنرال أللنبى من إحتلال بئر السبع فى جنوب فلسطين، بعد حركة إلتفاف لمهاجمتها من الشرق، وكانت قواته مكونة من بريطانيين وإستراليين وهنود بلغ عددهم 150 ألف جندى يساندهم عمال سُخَرة مصريون للتموين والنقل عددهم حوالى 150 ألف عامل. وقد أطلق على هذه الحملة إسم "الحملة العسكرية المصرية"، وذلك لأنها خرجت من مصر، القاعدة البريطانية التى إنشئت عندما دمر الاسطول البريطاني مدينة الاسكندرية لإنقاذ الخديوى توفيق من ثورة ضباطه الوطنيين عام 1882. بقيت بريطانيا في مصر الى أن أخرجها جمال عبد الناصر بعد 75 عامآ فى منتصف الخمسينيات.
عندما غربت شمس يوم 31 أكتوبر 1917 ودخلت القوات البريطانية مدينة بئر السبع، وهى البوابة الجنوبية لفلسطين، أنُزل العلم التركى من على السارية ورفع بدله العلم البريطانى. وبذلك إنتهى عهد الحكم العربى والإسلامى للبلاد المقدسة الذى إستمر 1400 عام. وفى مساء نفس اليوم أرسل أللنبى برقية الى لندن يهنئها فيها بالنصر بعد هزيمة بريطانية مرتين أمام غزة الصامدة، وخسارة 50 ألف جندى بين قتيل وجريح. قال اللنبى فى برقيته إلى لندن: "لقد إستولينا على بئر السبع. ستكون القدس هديتى لكم في عيد الميلاد ". وصلت البرقية لندن فى 1 نوفمبر، فأخرج اللورد جيمس أرثر بلفور ورقة من درج مكتبه كان قد إتفق على صياغتها مع الصهاينة روثتشايلد ووايزمان، وأصدر إعلانه المشئوم فى 2 نوفمبر 1917 الذى جاء فيه: "بأن بريطانيا تنظر بعين العطف الى إقامة وطن لليهود فى فلسطين مع عدم الإضرار بحقوق السكان الموجودين هناك". لم يقل دولة وإنما قال وطناً، ولم يقل تحويل فلسطين كلها الى دولة أو وطن، بل وطن فى فلسطين. ومن المفارقات التاريخية ذات الدلالة أنه لم يذكر كلمة العرب أو الفلسطينيين مع أنهم كانوا الغلبية الساحقة من السكان بنسبة 91%، أو بنسبة 96% إذا أهملنا نسبة المهاجرين الأوروبين الذين تمكنوا من الوصول الى فلسطين بأوراق مزورة أيام الحكم العثمانى.
ومنذ تاريخ وعد بلفور الى اليوم، أى فى السنوات الواحد والتسعين الماضية، شُنت أطول وأشرس حرب ضد شعب أعزل فى التاريخ. ولاتزال المعركة قائمة الى اليوم.
أطراف هذه المعركة هم من جهة: المعتدون، الأستعمار الغربى الذى تكوّن الصهيونية منه جزءاً لا يتجزأ منه، بكل ما لديها من قوة عسكرية وسياسية ومالية وإستراتيجية. ومن جهة أخرى: المدافعون عن أرضهم وحريتهم، شعب ثلاثة أرباعه من المزارعين المرتبطين بالأرض ويعيشون على خيراتها، وربعهم من أهالى المدن من تجار وأهل دين وعلم.
ورغم أن جزءا من هذه القوة الأستعمارية الغربية الصهيونية هزم ألمانيا النازية وحجّم دور روسيا فى العالم فيما بعد، إلا أن معركته مع الشعب الفلسطينى لم تزل مستمرة الى اليوم. ورغم جبروت هذه القوة فإنها لم تنتصر. كما أن الشعب الفلسطينى لم ينتصر أيضاً. لكنه لم يهزم. وتاريخ التسعين عاماً الماضية هى مسلسل لاينتهى من إنتهاك حقوق الإنسان الفلسطينى بتعمد وإصرار ومثابرة ليس لها نظير.
وعندما إستبشر العرب بمبادئ ولسون الأربعة عشر القاضية بحرية الشعوب فى تقرير مصيرها، إنطفأت أمالهم بسرعة بعد أن أبدى ودرو ولسون نفسة ميلاً الى تأييد الصهيونية. وفي مؤتمر فرساى للسلام عام 1919 نجحت الصهيونية فى تحويل مجرد رسالة من بلفور الى مادة معترف بها من عصبة الأمم ومدرجة في صك الانتداب. هذا النفاق الأخلاقى والسياسى يتناقض تماماً مع ميثاق عصبة الأمم الذى تقول فيه المادة 22 الفقرة الرابعة الآتى:
"إن مجتمعات معينة كانت تابعة سابقاً للامبراطورية التركية قد وصلت إلى مستوى من التطور يؤهلها للاستقلال، ويمكن الاعتراف بها مبدئياً إلى أن تقف على أقدامها لوحدها بعد أن تُقّدم لها السلطة الانتدابية المساعدة والنصيحة الإدارية".
وبموجب هذا أُعتمدت بريطانيا كدولة إنتداب على فلسطين بفئة (أ) مثل العراق. وهذا يعنى أن الإعتراف بإستقلال فلسطين مقرر وأن المطلوب فقط من دولة الإنتداب هى مساعدة الشعب الفلسطينى على تكوين مؤسسات الدولة، وإقامة نظام برلمانى مبنى على الإنتخاب. لكن إعتماد وعد بلفور فى وثيقة الأنتداب كان قنبلة مزقت الآمال في تطبيق حقوق الإنسان والحقوق الوطنية التى وعدت بها الدول الاستعمارية، وخلقت تناقضاً لاتزال أثاره ماثلة الى اليوم.
والمُراجِع للملفات الصهيونية والبريطانية حول مؤتمر فرساى للسلام التى أصبحت متاحة الان، يدهش لسيطرة الصهاينة على الموقف إلى حد صياغة القرارات البريطانية، وهذا كله مع غياب أى إشارة للعرب وحقوقهم، رغم أن الأمير فيصل ممثل الثورة العربية ضد الاتراك كان حاضراً هذا المؤتمر.
تشرتشل مع الوفد الفلسطيني.
إن التناقض في صك الأنتداب ماثل للعيان. ولايمكن أن يصمد اليوم أمام أى محكمة دولية فهو باطل قانوناً، وساقط أخلاقياً، وخطير سياسياً.
إن قصة الإحتلال الصهيونى لفلسطين تحت عباءة الانتداب البريطانى غاية فى الغرابة، حتى بمقياس المد الإستعماري فى القرنين الثامن والتاسع عشر. عند صدور وعد بلفور لم تكن بريطانيا قد إحتلت فلسطين بالكامل، بل أن وعد بلفور نفسه وعدٌ عديم القيمة، فهو وعد من لايملك لمن لا يستحق، فى غياب صاحب الحق وعدم علمه. ولكن عند صدور هذا الوعد أعتبر الصهاينة أن هذا تعهداً من بريطانيا بتسليم فلسطين لليهود. وعليه أسرعوا بتكوين "المفوضية الصهيونية" ولم تزل الحرب قائمة في فلسطين بغرض التنسيق مع بريطانيا لأستلام فلسطين منها. وأتخذ وايزمان مستشاراً له بريطانياً يهودياً صهيونياً ووزيراً سابقاً للداخلية البريطانية إسمه (هربرت صامويل) الذى عمل موظفآ عند (وايزمان). هذه مفارقة أخرى من سلسلة المفارقات. إذ أن هذا المدعو (هربرت صامويل) قد إختارته بريطانيا ليكون اول مندوب سام بريطانى لفلسطين ليحمل "أمانة الحضارة المقدسة" التى وعدت بها عصبة الأمم الى فلسطين.
وفى فترة إدارة صامويل من عام 1920 الى 1925 أصدر صمويل أكثر من مئة قانون، هى التى وضعت اساس دولة إسرائيل. من هذه القوانين قوانين جديدة للأراضى سهلت إنتقال الأراضى الفلسطينية باعتبارها أملاكاً عامة أو غير مفتلحة. ومنها إعتبار اللغة العبرية، وكانت لغة ميتة لاتستعمل إلا فى الصلوات، لغة رسمية فى فلسطين بجانب الإنجليزية والعربية. ومنها إعتماد نظام تعليم ونظام بنكى مستقل لليهود. ومنها اعتماد نظام نقابى للعمال اليهود (الهيستيدروت). ومنها إنشاء نواة لوزارات الطاقة (روتنبرج) وللمياه (مكيروت)، وللاشغال العامة (سوليل بونية). لكن أخطرها على الإطلاق هو إعتماد كيان صهيونى مستقل هو الوكالة اليهودية، ولها مجلسها البرلمانى المعتمد. وأيضاً إنشاء جيش مدرب مسلح مستقل لليهود تحت إسم مضلل هو (حراس المستعمرات)، الذى أصبح فيما بعد الهاجاناه، التى تحولت الى جيش إسرائيل.
ومن سلسلة الغرائب أيضآ أن معظم القوانين التى سنها (هربرت صامويل) بمساعدة النائب العام الصهيونى المتطرف (نورمان بنتوتتش) كانت باطلة قانوناً، إذ أنه حسب صك الإنتداب ليست لبريطانيا، أو مندوبها السامى، سلطة إصدار القوانين، قبل أن توقع تركيا معاهدة التنازل عن فلسطين الذى تم عام 1924 أى خلال السنة الأخيرة من حكم (هربرت صامويل). ومن العجيب أيضاً أن حكومة لندن نفسها إنتقدت تسرع صامويل فى إصدار القوانين وعدم حياده وقد سُوَى الموضوع بتعديلات بسيطة فى النص والإعتراف بالقوانين بتاريخ لاحق لصدورها. بل أن (نورمان بنتوتتش) غالى فى تحيزه للصهيونية، الى حد إضطر المندوب السامى التالى (لهربرت صامويل) الى عزله من منصبه ووجد ملاذاً له فى الجامعة العبرية بالقدس. وإذا عدنا الى (وايزمان) فنجد أنه فى لهفته الى الإستحواذ على أرض فلسطين حتى قبل أن تكمل بريطانيا إحتلالها لفلسطين، أنه طلب من بريطانيا فى عام 1918 عمل مساحة كاملة لأرض فلسطين، "لكى يتأكد من ملكية كل دونم من أصل 26 مليون دونم مساحة فلسطين". كما يقول في رسالته.
وعليه ارسلت بريطانيا بعثة من مصلحة المساحة المصرية بقيادة ضباط إنجليز، وبدأت بعمل خرائط مساحية فى غزة. لكن هذه المحاولات قد تعثرت لأن غرض الصهيونية لم يكن فقط رفع خرائط مساحية طيبوغرافية بل التحقيق فى ملكية كل قطعة أرض. وتم الوصول الى حل بعد عشر سنوات أى عام 1928 بإعتماد نظام إسترالى إسمه (تورنز) يجمع بين المساحة الطيبوغرافية وتحقيق الملكية.
شريحة 3
لكن الثورات الفلسطنية المتعاقبة عطلت هذه العملية، إشتعلت الاضرابات عام 1921 إحتجاجاً على وعد بلفور ثم عام 1929 فيما يعرف بإسم ثورة البراق. وأخيراً الثورة الكبرى لعام 1936 التى امتدت الى عام 1939. وذلك نتيجة لفتح بريطانيا أبواب فلسطين الى هجرة لليهود الأوروبيين، بحيث زاد عدد اليهود من 9% الى 30% من السكان.
قامت الثورة فى كل أنحاء فلسطين وسيطر الفلسطينيون على عدة مناطق فى فلسطين. وفى بئر السبع أخلوها من الأنجليز وأقاموا حكماً وطنياً لمدة عام. وفى باقى الأماكن قطعوا الطرق، ونسفوا القطارات، وشلت حركة الحياة فى كافة أنحاء فلسطين. وردت بريطانيا على ذلك بعنف لامثيل له. فأستقدمت قوات عسكرية، ودمرت كثيراً من القرى بالقصف الجوى، وطبقت نظام العقاب الجماعى على القرى، ودمرت مخزونها من التموين، وأعتقلت عشرات الألأف، وقتلت المئات، وحكمت بالأعدام على كل من يحمل مسدساً، وبالسجن المؤبد لمن يحمل سكيناً. وأعدمت بعض قادة الثورة مثل الشيخ عز الدين القسام. وحلّت الجمعيات والأحزاب السياسية، ونفت او إعتقلت الكثير من القادة السياسيين.
وقبيل الحرب العالمية الثانية أى عام 1939، توقفت الثورة بعد أن توسط الزعماء العرب بناءاً على تحريض بريطانيا لهم، إعتماداً على حسن نوايا بريطانياً، التى أرادت مهادنة العرب قبيل الحرب العالمية الثانية.
هذه هى النكبة الأولى التى حدثت عام 1939 على يد بريطانيا، وهى التى مزقت نسيج الشعب الفلسطينى، وقضت على مؤسساته السياسية والوطنية. ولم يكن أمام الصهيونية بعد عشر سنوات الإ أن تطلق قواتها التى تدربت أثناء الحكم البريطانى والتى وصل عددها الى 120 ألف جندى، أى ما يوازى 20% من المهاجرين اليهود لكى تحتل فلسطين إحتلالاً عسكرياً كاملاً. ونسبة القوات المسلحة في أى دولة عادية من 1 – 2 % من السكان.
أين مكان حقوق الإنسان من هذا كله؟ الجواب واضح تماماً. ليس لها وجود على الإطلاق في مشاريع الدول الإستعمارية والإستيطانية. لكنهم يريدون دائماً إلباس هذه الجريمة وجهاً حضارياً وقانونياً. سعت بريطانيا إلى غطاء دبلوماسى لجريمتها، فألقت بقضية فلسطين في حضن الأمم المتحدة، التى خلفت عصبة الأمم، بعد أن ملأت فلسطين بالمهاجرين اليهود ودربت جيشهم.
فى منتصف القرن العشرين، حمل جنود الإستعمار الأوروبى حقائبهم وغادروا البلاد المستعمرة فى الهند وشرق أسيا وأفريقيا. وبذلك تحرر مئات الملايين من البشر من شرور الإستعمار والإحتلال والعنصرية. وفى نفس الوقت حمل اليهود الأوروبيون الصهاينة حقائبهم وساروا فى الإتجاه المضاد، من أوربا نحو فلسطين لكى يبدأوا عصراً جديدآ من الإحتلال والإستعمار والفصل العنصرى المنظم.
وبينما كانت أوروبا تعدّ قتلاها الذين وصل عددهم الى 50 مليون من ضحايا الحرب العالمية الثانية، وتعيد بناء قواتها المدمرة، وصلت أوربا الى قناعة بإن الحرب مدمرة للدول الأوربية، للمنتصر والمهزوم على حد سواء. وقررت أن السلم هو الطريق الأفضل، بناءاً على قواعد وقوانين تضمن العدل بين الدول الغربية، وتكون المرجع فى حال الخلاف بينهم.
وبذلك نشأت هيئة الأمم المتحدة عام 1945 كصورة متحضرة من "عصبة الأمم" ذات الطابع الإستعمارى. وضمت هيئة الأمم المتحدة بجانب الدول الإستعمارية عدداً قليلاً من الدول المستعَمْرة سابقآ فى أسيا وأفريقيا، لكى تعطى طابع الأجماع من دول العالم على المفهوم الجديد. وإحترازاً للزيادة المستقبلية فى عدد الدول الضعيفة الاسيوية والأفريقية، إنشئ مجلس الأمن لكى يضمن سيطرة الدول الإستعمارية على قرارات الأمم المتحدة.
كانت أول مهمة للأمم المتحدة هى معالجة قضية فلسطين التى رمتها بريطانيا فى أحضانها بعد خيانتها للأمانة التى أودعت لديها، لتطوير فلسطين الى دولة مستقلة حرة. الكلام عن خيانة بريطانيا لحقوق الإنسان طويل، وسيأتى الوقت المناسب لمحاكمتها. وهو قادم لاشك في ذلك. لدينا مثال واضح على إسترجاع الحق والعدل فى جنوب إفريقيا، وأخيراً فى ليبيا، بعد تعويض أيطاليا لجرائمها فى ليبيا. ولكن يكفى الآن القول أن دور بريطانيا إجرامي على مستويين.
المستوى الأول: هو بطلان صك الأنتداب من أساسه. وهو صفقة مشينة بين طرفين ليس لهما حق في إغتصاب حق طرف ثالث.
المستوى الثانى: هو محاسبة بريطانيا على دورها بموجب صك الإنتداب نفسه، لو إفترضنا إنه قانونى. فبريطانيا فتحت أبواب فلسطين للهجرة، وسربت أراضيها لليهود، ودمرت نسيج الشعب الفلسطينى ومؤسساته ومزقت تواصله الإقليمى، ولم تحرك ساكناً عندما إقترفت إسرائيل نصف مجازرها وإحتلت معظم المدن الفلسطينية وهجّرت نصف اللاجئين عام 1948 في الوقت الذى كانت فلسطين وأهلها تحت الحماية البريطانية وتحت سمع بريطانيا وبصرها قبل مغادرة بريطانيا للبلاد فى 1948/5/15 وقبل إعلان دولة إسرائيل. وعندما سلّمت بريطانيا هذا التراث المخزى الى الأمم المتحدة تلقفته الولايات التحدة، وساعدت على إصدار قرار بتقسيم فلسطين فى 1947/11/29 بضغط من أمريكا على الدول الضعيفة البعيدة عن فلسطين. ولم تشارك في هذا القرار أى دول فى أسيا وأفريقيا المحيطة بفلسطين.
شريحة 4
هذا القرار الذى إستندت عليه إسرائيل فى شرعية إقامتها، لاقيمة له من الناحية القانونية، للاسباب الآتية: أولاً: لأنه لايعدو كونه توصية لاتنفذ الإ بعد موافقة الطرفين عليه. وعلى سبيل المثال إقترحت الأمم المتحدة سلسلة من خمسة مشاريع للتقسيم فى البوسنة والهرسك ولم يتم اعتماد القرار إلا بعد الأتفاق بين الأطراف على الأخير منها.
ثانياً: إن الأمم المتحدة بإعترافها لاتملك الحق فى تقسيم أقطار العالم، وتوزيعها على اطراف مختلفة. وفي هذا المقام طالب محمود فوزى وزير خارجية مصر فى ذلك الوقت بتحويل الموضوع برمته الى محكمة العدل الدولية للحصول على حكم حول عدم صلاحية الأمم المتحدة لإصدار قرار التقسيم، فرفضت الدول الإستعمارية طلبه هذا. ومن ناحية عملية لم يتمكن اليهود رغم التواطؤ البريطانى بالإستيلاء على اكثر من 5% من مساحة فلسطين. ولذلك كان من الظلم أن يسلم 55% من فلسطين في مشروع التقسيم، أو 11ضعفآ من ملكية اليهود أثناء الإنتداب، الى دولة يهودية. بل إن أهالى 467 مدينة وقرية فلسطينية قد وجدوا أنفسهم فجأة خاضعين لسيادة مهاجرين أوروبين يهود وصلوا الى شواطئهم فى جنح الليل فى سفينة تهريب.
الأنكى من ذلك إن نصف سكان الدولة المخصصة لليهود هم من العرب. أما فى الدولة المخصصة للعرب فلا يوجد يهود تقريباً. وبالطبع فأن خطة (بن جوريون) كانت دائماً، ليس الإستيلاء على الأراضى الفلسطنية فحسب، بل التخلص من الفلسطينيين أنفسهم وإزالة كل اثارهم وتاريخهم ومعالمهم الحضارية.
شريحة 5
ولذلك بدأ (بن جوريون) فى مارس 1948، وأثناء وجود بريطانيا، بطرد أهالى 250 قرية، هم سكان الدولة المخصصة لليهود. والتى امتدت بنهاية عام 1948 الى 675 مدينة وقرية. وشملت 78% من مساحة فلسطين. وفى عام 1967 شمل الإحتلال الإسرائيلى الضفة وغزة وسيناء والجولان وجنوب لبنان. وأكملت الصهيونية بذلك احتلال فلسطين ومناطق واسعة من الدول العربية المجاورة.
إذن ماهى النكبة؟
هى أكبر وأنظم وأطول عملية تنظيف عرقى فى تاريخ فلسطين كلها. إذ طرد 85% من أهالى ذلك الجزء من فلسطين الذى أصبح إسرائيل. وأقيمت إسرائيل على أرض يملك الفلسطينيون 93% منها، بما فيها من ثروات مائية ومعدنية وما فيها من بنى تحتية وطرق ومطارات وموانئ ومبانى حكومية، والأملاك الموجودة فى المدن والقرى التى نهبتها إسرائيل.
شريحة 6 & 7
ولكى تتم هذه العملية إقترفت إسرائيل 70 مجزرة تسبق كل واحدة منها عملية عسكرية لإحتلال منطقة ما. بل وأخذت إسرائيل جيع الرجال المدنيين من سن 15- 50 سنة الى معسكرات إعتقال وعمل للسخرة، وشغلتهم فى أعمال عسكرية وفى نقل المنهوبات من البيوت العربية. وهذا بالطبع يخالف كل المواثيق الدولية. وبالأخص اتفاقات جنيف.
-
-
هذه النكبة ليس لها مثيل فى تاريخ فلسطين الممتد الى خمسة الآف عام، إذ لم يحدث إزالة للسكان بأكملهم أو حتى خلخلة كبيرة في التركيبة السكانية لا فى عهد الحروب الصليبية، ولا أيام الفتح الإسلامى، ولا عند ظهور الرسالة المسيحية. وبالطبع لم يحدث هذا عندما مرت قبائل عابرة أى عبرانية فى فلسطين ثم زالت.
لقد أحدثت جسامة نكبة فلسطين ثورة فى كل المنطقة، فزالت عروش وسقطت أنظمة، وإغتيل زعماء، ولاتزال قضية فلسطين الى اليوم هى المحرك الأول لكل أحداث الشرق الأوسط.
شريحة 7 وعندما جاء الكونت (برنادوت) وسيط الأمم المتحدة لحل النزاع فى فلسطين ذهل لحجم التنظيف العرقى الذى إقترفته إسرائيل وطالب بكل حزم فى تقريره الأخير المؤرخ 17 سبتمبر 1948 بعودة اللاجئين إلى ديارهم. جاء في تقريره: "إنه انتهاك لأبسط مبادئ العدالة، إذا حرم هؤلاء الابرياء من العودة إلى ديارهم. بينما تتدفق جموع المهاجرين اليهود على فلسطين وما يمثل ذلك من تهديد لاحلالهم محل الفلسطينيين المتجذرين في أرضهم لقرون طويلة".
فما كان من العصابات الصهيونية الإ أن إغتالته فى القدس فى اليوم التالى وأصبح رئيس عصابة الاغتيال رئيساً لوزراء إسرائيل فيما بعد.
وبعد ذلك بثلاثة شهور فى العاشر من ديسمبر1948 أقرت الأمم المتحدة فى ذلك اليوم "الإعلان العالمى لحقوق الإنسان"، وهو أول وثيقة شاملة لحقوق الإنسان بتصديق من أعضاء الأمم المتحدة فى ذلك الحين.
وتدعو المادة 13 منه الى حق كل إنسان فى مغادرة بلده والعودة إليه. وتطبيقاً لهذه المادة، وحقوق الإنسان بشكل أوسع، وتنفيذاً للوصية الأخيرة التى تركها الكونت (برنادوت)، أصدرت الأمم المتحدة فى اليوم التالى مباشرة أى في 11 ديسمبر1948 قرارها الشهير رقم 194 القاضى بعودة اللاجئين إلى ديارهم وإنشاء وكالة لغوثهم الى أن يتم ذلك، وكذلك إنشاء الية دولية لتنفيذ القرار وهى UNCCP. لجنة التوفيق الدولية لفلسطين. لم يكن قرار عودة اللاجئين قراراً جديداً وإنما هو تطبيق للقانون الدولى، ولحق أساس من حقوق الإنسان غير القابل للتصرف.
وقام (بن جوريون) بعد ذلك بعملية إحتيال كبرى، إذ إنه خشى أن يجبر الضغط الدولى إسرائيل على عودة اللاجئين وإسترجاع أراضيهم. فقام بعقد بيع صورى لمناطق واسعة من اراضى فلسطين المحتلة إلى الصندوق القومى اليهودى، بإعتباره منظمة عالمية مسجلة فى معظم أقطار الغرب. وهذه الأراضى هى اراضى 372 قرية فلسطينية، يمثل أهلها أكثر من نصف اللاجئين. واختيرت مواقع هذه القرى لاهداف إستراتيجية، أى على حدود غزة والقدس ولبنان. وبالطبع فإن هذا البيع فاسد قانوناً لان إسرائيل لاتملك هذه الأراضى، ولأن الغرض من هذا البيع هو تهريب هذه الأراضى من سيطرة إسرائيل الى سيطرة منظمة صهيونية عالمية. ولاتزال هذه الأراضى تدار الى اليوم مع سائر الأراضى التى إحتلتها إسرائيل بإدارة مشتركة لايسمح فيها للعرب لا بشراء هذه الأراضى مرة أخرى ولا بأستغلالها ولا بالعمل فيها ولا حتى بالآقامة عليها ولو للعرب المواطنين فى إسرائيل.
وجاءت ساعة الحسم بعد عام من النكبة، عند اعتماد الوضع القانونى لهذه الدولة المختلقة فى مايو 1949 عندما طلبت إسرائيل عضوية الأمم المتحدة. وبعد مفاوضات مستفيضة وتحت ضغط أمريكى شديد، أقرت الأمم المتحدة عضوية إسرائيل بها، تحت شروط معينة، وهى الدولة الوحيدة التى كان إنضمامها للأمم المتحدة مشروطاً.
ماهى هذه الشروط؟ إن قبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة مشروط بشرطين: الأول: قبولها قرار التقسيم لعام 1947. وهذا معناه إرتدادها عن ربع مساحة فلسطين التى إحتلتها زيادة عن التقسيم. وهنا يجب أن نذكر ملاحظة هامة. يجب أن يكون معلوماً أن قرار التقسيم عندما خصص دولة لليهود ودولة للعرب أصحاب فلسطين، لم يقصد إطلاقاً أن تكون هذه الدولة عنصرية مقصورة على يهود فقط من ناحية، وعرب فقط فى ناحية أخرى. بل أن قرار التقسيم نفسه فى الفصل الثانى والثالث قد أكد على حقوق الأقلية السياسية والدينية والثقافية وغيرها فى بلد الأكثرية. وهذا معناه أن يبقى العرب، وهم نصف السكان فى الدولة المخصصة لليهود، فى ديارهم ولهم كامل الحقوق. وأن اليهود، لو وجدوا فى الدولة المخصصة للعرب، لهم نفس الحقوق. هذا معناه أن القانون الدولى لايمكن أن يقبل دولة عنصرية أو على أساس تفرقة دينية. وبالتالى فإنه يستحيل أن تعترف الأمم المتحدة إسرائيل كدولة يهودية.
الشرط الثانى: هو قبول إسرائيل بقرار194 القاضى بعودة اللاجئين الى ديارهم. والذى صدر بعد عام من قرار التقسيم. وهذا يعنى أن طرد اللاجئين عمل غير قانونى، ويجب نقضه. وذلك إعتراف من الأمم المتحدة أن تكون المنطقة المقترحة في فلسطين لإسرائيل دولة لكل مواطنيها أينما كانت ديارهم على قدم المساواة. وهذا يسقط الإدعاء القائل هذه الأيام بأن إسرائيل دولة يهودية بحتة، وأن لها أن تمنع عودة اللاجئين، أو تقبل بعودة بعضهم الى ما تبقى من الفتات في الضفة الغربية الذى يريدون أن يطلقوا عليه دولة فلسطين. وهذا بالطبع يعنى نقض عضوية إسرائيل فى الأمم المتحدة بسبب عدم التزامها بشروط عضويتها
لهذه الأسباب ولأسباب إقترافها جرائم حرب ومخالفات للقانون الدولى أكثر من أى دولة عضو فى الأمم المتحدة فإنه يجب شطب عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة. ولو كانت للدول العربية والإسلامية الجرأة والشجاعة والإلتزام بالحق العربى، والخلاص من الهيمنة الأمريكية، لأسقطت عضوية إسرائيل فى الأمم المتحدة، بناءاً على عدم إلتزامها شروط عضويتها وإنتهاكها لكل المواثيق الدولية.
ولم تتوقف جرائم إسرائيل بعد ذلك فقامت بهدم القرى العربية بطريقة منظمة، بل إنها أوكلت الى دائرة الأثار بزيارة كل القرى قبل هدمها وتحديد المعالم التاريخية غير العربية أو الأسلامية للمحافظة عليها، وهدم كل ماتبقى لطمس التاريخ العربى والإسلامى بأكمله.
ثم سنت إسرائيل 24 قانونآ أساسياً يضمن المبادئ العنصرية والصهيونية فى مؤسسات الدولة. من هذه القوانين قانون العودة الإسرائيلى الذى يسمح لكل من كان جده يهودياً أن يكون مواطناً فى إسرائيل، ويُمْنَع هذا الحق عن أى مواطن فلسطينى، جذوره فى أرض فلسطين. بل ان المواطن الفلسطينى فى إسرائيل لايسمح له بإحضار زوجته العربية من اى بلد عربى لتعيش معه بينما يسمح لإى إسرائيلى يهودى أن يدخل زوجته اليابانية أو البرازيلية الى إسرائيل. كما أن إستعمال الأراضى العربية فى الأصل ممنوع على أى مواطن عربى فى إسرائيل، ويسمح بذلك لكل يهودي فى إستراليا وأمريكا، ولو لم يكن مواطناً في إسرائيل. وبالطبع فإن هذا كلة خرق للقانون الدولى. ولذلك فإن جميع لجان الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان والخاصة بإزالة أثار التميز العنصرى والخاصة بالحقوق المدنية والثقافية والإقتصادية، والخاصة بمنع التعذيب، كلها تشجب ممارسات إسرائيل بشكل دورى كل عام.
وأمامى عدة أمثلة على الأقل من القرارات التى أصدرتها الجمعية العامة للأمم ولجان الأمم المتحدة وجهات أخرى تشجب فيها ممارسات إسرائيل الاجرامية.
ولم تتوقف نكبة 1948 الى يومنا هذا. ففى عام 1967عندما وقعت الهزيمة الكبرى إحتلت إسرائيل باقى فلسطين فى الضفة وغزة ومناطق أخرى من البلاد العربية المجاورة. ورغم أن قرار 242 الذى وافقت عليه إسرائيل يقضى بعدم جواز إحتلال أرض الغير بالقوة الإ إنها بدأت فى الإستيطان فى الضفة وغزة والجولان وسيناء منذ احتلالها عام 1967.
شريحة 8
واليوم يبلغ عدد المستوطنين 450 الف مستوطن إسرائيلى فى الضفة، بما فيها القدس، ويحتلون أكثر من 50% من مساحة الضفة، ويسيطرون أمنياً على النصف الباقى من الضفة. وفى يونية 1967 ضمت إسرائيل القدس الشرقية و70 كيلو متراً مربعاً من قراها الى إسرائيل. وبدأت عمليات هدم المنازل العربية فى القدس القديمة، وتوطين اليهود فيها، ودمرت حى المغاربة الملاصق للمسجد الأقصى، وحفرت تحته الأنفاق، وستقيم الأن كنساً يهودية جديدة قرب حائط المسجد الأقصى.
وبالطبع قامت الإنتفاضة الأولى والثانية وإستمرت العمليات الفدائية التى بدأت عام 1948 الى يومنا هذا، وقابلتها إسرائيل بوحشية منقطعة النظير، شجبتها جميع لجان حقوق الإنسان الرسمية والأهلية في كل أنحاء العالم، بما فى ذلك بعض الجمعيات الأهلية الإسرائيلية.
وحصيلة البطش لمقاومة الإحتلال هى إعتقال 11 الف فلسطينى بشكل دوار. ولكن الرقم البارز هو أن 40%، أى حوالى نصف الشباب الفلسطينى، دخلوا السجون الإسرائيلية فى وقت ما. ولو طبق هذا الرقم فى مصر لاسمح الله لكان معناه أن إسرائيل إعتقلت 20 مليون مصرى. وإغتالت إسرائيل عدداً من القادة الفلسطينيين، وأودعت البعض الأخر فى السجون، وقتلت 5 الاف شخص فى الإنتفاضة الثانية بعد عام 2000، ودمرت 15 الف منزل، وإقتلعت عشرات الألأف من أشجار الزيتون القديم. ولم تترك بندأ فى جرائم الحرب الإ إقترفته.
واقندت إسرائيل الحديثة بمبدأ (جيبوتنسكى) الذى دعا عام 1923 الى إقامة حاجز حديدى بين العرب واليهود لا يمكن إختراقه، وذلك بعد أن تنزل الصهيونية بالعرب هزائم مستمرة متلاحقة فى حروب تقع على أرضهم هم. ثم وصلت إسرائيل أخيراً الى قناعة بأن إسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات عن طريق الإحتلال العسكرى لم تعد طريقة مثلى، ولكن يمكن الإستعاضة عنها بإحتلال سياسى وثقافى وإقتصادى بدون حرب معلنة، يمتد نفوذها من المغرب الى الخليج، عن طريق مايسمى بصناعة السلام.
ولكن هذا لايكفى. فأقامت إسرائيل حاجز الفصل العنصرى على أراضى الضفة الغربية بحيث يسمح للمستوطنين أن يسافروا من تل أبيب على ساحل البحر المتوسط الى نهر الأردن في اختراق لاراضي الضفة خلال نصف ساعة، دون إعتراض من أى حاجز أو نقطة تفتيش. وفي نفس الوقت يمنع الفلسطينى من زيارة أرضه التى يفلحها على بعد نصف كم أو أمه التى تعيش فى قرية مجاورة أو تُمنع زوجته من الذهاب الى المستشفى أو إبنه الى المدرسة، بواسطة 650 حاجزاً على طرق الضفة، يتعرض فيها الفلسطينيون للمهانة والإذلال والتعطيل.
وهناك غرض غير معروف كثيراً من حاجز الفصل العنصرى، وهو الإستيلاء على مياه الضفة الغربية الغزيرة، حيث ان الحاجز يقع على حوض المياه الجوفية الغربى، وهو أكبر وأهم أحواض ثلاثة فى الضفة الغربية.
ولقد أصدرت محكمة العدل الدولية بتاريخ 9 يولية عام 2004 قراراً إستشارياً صدّقت عليه الأمم المتحدة يقضى ببطلان إقامة حاجز الفصل العنصرى، وضرورة إزالته، وتعويض المتضررين منه.
وهذا القرار الذى أصدرته أعلى هيئة قضائية فى العالم بالإجماع، هو أهم وثيقة قانونية صدرت لتوثيق الحق الفلسطينى بشكل كامل شامل يحيط بتاريخ فلسطين منذ وعد بلفور، وهو يضاهى أن لم يكن أكثر أهمية، من قرار الأمم المتحدة رقم 3236 لعام 1974 القاضى بأن حق تقرير المصير وحق العودة حقان غير قابلان للتصرف.
ومن المؤسف حقاً، بل المؤلم، إنه لا السلطة الفلسطينية ولا أى دولة عربية أو إسلامية استفادت من قرار محكمة العدل الدولية الخطير لجمع التأييد له فى كل أنحاء العالم لإنزال العقوبات على إسرائيل، وإجبارها على هدم الجدار، وإزالة المستوطنات.
وبعد أن أخليت الساحة الرسمية من أى عمل يواجه إسرائيل بشجاعة، تُركت هذه المهمة الى جمعيات أهلية فى القانون وحقوق الإنسان، فلسطينية كانت أو عربية أو أجنبية، لكى تفضح ممارسات إسرائيل فى المحافل الدولية أمام لجان الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان.
ومن يحضر أى إجتماع للجان الأمم المتحدة فى جنيف يدهش لغياب العرب الإ من مندوبين صغار واجبهم الوظيفى الجلوس فى مقاعدهم، بينما تقوم الجمعيات الأهلية بتقديم الوثائق والصور والحجج القانونية أمام هذه اللجان. وينتهى الأمر غالباً بإدانة إسرائيل إدانة قاطعة ولكن لا ينفذها أحد.
وأنا قادم من اسبانيا حيث شاركنا في اجتماع حضرته 125 جمعية أهلية أوربية لنصرة فلسطين وأصدرت في ختامه قراراً بمقاطعة إسرائيل في الحملة المعروفة باسم BDS.
ولعل أكبر مثال على مجهود الجمعيات الألية من أجل حقوق الإنسان الفلسطينى هو مؤتمر (ديربان) الذى عقد فى جنوب إفريقيا عام 2001 وأيدت فيه اربعة آلاف جمعية أهلية من كل أنحاء العالم الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف. وسيعقد فى جنيف فى الربيع القادم المؤتمر الثانى الذى أطلق عليه إسم(ديربان 2). وبالطبع توقعت إسرائيل وأمريكا إدانة دولية لأعمالها، فقررت عدم الحضور. ولكن يبقى الضمير العالمى هو الميدان المفتوح لنا اليوم لمناهضة الظلم والعدوان وجرائم الحرب.
-
-
شريحة 9-11
ولدينا مثال أخر اليوم عندما إخترقت 3 سفن تحمل مناصرين أجانب الحصار المفروض على قطاع غزة. وللعلم فأن قطاع غزة. يمثل أهالى 247 قرية طردتهم العصابات الصهيونية من ديارهم عام 48، عددهم اليوم أكثر من واحد ونصف مليون نسمة، وهو نفس عدد سكان فلسطين كلها عام 48، ولكنهم اليوم يعيشون فى 1% من مساحة فلسطين فى كثافة تصل الى 7 ألف شخص على الكيلو متر مربع، بينما يرتع المستوطنون الصهاينة على أرضهم الخالية بكثافة 7 أشخاص على الكيلو متر مربع.
إن حصار غزة هو جريمة إنسانية بكل المقايس وهى لا تختلف فى المبدأ عن معسكر (أوشفتز) أيام العهد النازى، ولكنها تختلف عنه فى إنها تحدث تحت سمع العالم وبصره، دون أن يتحرك معظمه. إن حصار غزة هو جريمة حرب حسب (المادة 8 (6) – 15 من ميثاق روما لمحكمة الجرائم الدولية، 17 يوليه 1998)، التى جاء فيها: شريحة 11
"جرائم الحرب تعنى.. التجويع أو إعاقة تموين الإغاثة".
وهو أيضاً جريمة إبادة حسب (المادة 6/ج من ميثاق روما لمحكمة الجرائم الدولية، 17 يوليه 1998)، التى جاء فيها: "الإبادة.. هى التطبيق المتعمد على مجموعة من الناس لظروف معيشية المقصود بها التدمير الفعلى لهذه المجموعة كلاً أو جزءاً".
وأعلنت الأمم المتحدة أمس أنها ستتوقف هذا الاسبوع عن تقديم المعونة لثلاثة أرباع مليون فلسطينى لاقفال المعابر. وقد علمت مساء أمس أن محطات البنزين في رفح والعريس قد أغلقت لئلا يتسرب الوقود إلى غزة.
وليس لغزة اليوم من منفذ الى بلد عربى غير معبر رفح الذى يؤدى الى مصر. ونقرأ فى الصحافة أن مصر لاتفتح هذا المعبر الإ بموجب إتفاق دولى. أى المقصود الإتفاق مع إسرائيل. وهنا يجب توضيح هذا الموقف الذى تختلط فيه الأوراقو الأغراض والأهداف.
أولاً:إتفاقية المعابر عقدت بين السلطة الفلسطنية بقيادة محمود عباس وبتنفيذ محمد دحلان من جهة وإسرائيل من جهة أخرى. والغرض الصورى هو إخراج إسرائيل من المعبر، وإستبدالها بفريق أوروبى يعيش فى إسرائيل، ولا يذهب الفريق الى معبر رفح الإ بموافقة من إسرائيل بحجة الأمن. أما كاميرات التصوير والكمبيوتر المستعملة في المعبر فتسحبها إسرائيل عندما لاتريد فتح المعبر. ومصر ليست طرفاً على الإطلاق فى هذه الإتفاقية. ولكن من أجل الحفاظ على الأوضاع الأمنية على الحدود مع إسرائيل طلبت إسرائيل وأمريكا من مصر تعديل معاهدة السلام لعام 1979 بين مصر وإسرائيل بإضافة برتوكول عسكرى جديد لهذه المعاهدة.
من المعلوم أنه بموجب معاهدة السلام قُسمّت سيناء الى ثلاث شرائح رأسية. الأولى بجانب حدود فلسطين، ولايسمح فيها إلا بشرطة مصرية عادية. والشريط الثانى فى منتصف سيناء يسمح فيه بقوات ذات أسلحة خفيفة. والشريط الثالث موازٍ لقناة السويس يسمح فيه بقوات مدرعة محدودة.
وهذا التعديل الذى طلبته أمريكا وإسرائيل عن طريق إضافة البرتوكول العسكرى الملحق بمعاهدة السلام يسمح لمصر بإدخال 700 شرطى مع مسدساتهم على شريط رفح. وبالطبع فإن هذا طلبٌ إسرائيلى وليس طلباً فلسطينياً لتنظيم الحدود بين بلدين عربيين. والمعابر التى تتحكم فيها إسرائيل من جهتها تنقل مواد غذائية وطبية إشتراها الفلسطينيون بأثمان غالية، والكثير منها معطوب ومرتجع من إسرائيل بل وأن بعضه ملوث. ولا يستطيع عاقل أن يتصور لماذا لا تُشترى هذه المواد من مصر بأسعار أقل، وعبء مالى أقل على المحاصرين فى غزة خدمة لشعب عربى بينه وبين مصر وشائج أصيلة وتاريخ سياسى وعسكرى معروف منذ عام 1948. كما لايتصور عاقل أن يمنع طالب من الإلتحاق بجامعته، أو موظف فى الخارج إنتهت إقامته أو مريض يسعى الى العلاج فى مصر أو فى الخارج، تحت هذه الظروف.
إن وجود إسرائيل وممارساتها هو تاريخ طويل اسود من إنتهاك حقوق الإنسان، فإسرائيل دولة إستعمارية فى عصر إنتهى فيه الإستعمار، وهى دولة عنصرية فى وقت الغيت فيه القوانين العنصرية رسمياً، وإسُتْنكرت شعبياً في معظم انحاء العالم. وهى دولة قامت على إستيلاء أرض الغير وأملاكه، وطَرْد أهلها منها، وطمس تاريخهم وهويتهم.
هى دولة لايمكن أبداً أن تُقبل فى جغرافية هذه المنطقة ولا فى تاريخها، لأنها دولة تنفى الغير وتزيل أثره.
ولعل أهم وأول حق من حقوق الأنسان الذى نطالب به وهو الذى يزيل الإنتهاكات التى تمارسها إسرائيل هو حق العودة، وهو حق غير قابل للتصرف.
شريحة 12
وعلى مدى 90 عامآ فى أطول حرب ضد شعب، أصر الفلسطنيون على التمسك بحقوقهم رغم أن الآلاف سقطوا شهداء وأكثر من مليون فلسطينى تعرض للقتل أو الجروح أو الإعتقال أو التعذيب، وبقى الى اليوم 7 مليون فلسطيني، أو ثلاثة أرباع الشعب الفلسطينى، لاجئون، لا يعيشون فى ديارهم. رغم هذا كله، فأن المقاومة لم تسقط أبداً، ولم ولن يركع هذا الشعب أبداً. بل إن موأزرة شعوب العالم، وليست حكوماته، قد زادت له، بعد أن رأى ماحاق به من ظلم.
والآن ما العمل؟
- هل نستمر في البكاء على الأطلال؟ هل نختبئ وراء شعورنا بالظلم؟
- هل نستعذب دور الضحية؟
- هل نعتمد على القس ديز موند توتو ليقول أن قتل أهالى بيت حانون جريمة حرب وأن إسرائيل أفظع من جنوب أفريقيا؟
- هل نفرح لقول ممثل مجلس حقوق الانسان ريتشارد فالك أن إسرائيل دولة عنصرية إجرامية؟
- هل نتفرج على جمعيات أهلية قانونية في هولندا وبريطانيا التى تصدر أحكاماً باعتقال جنرالات إسرائيل كمجرمي حرب عند وصولهم إلى عواصمها؟
- هل نستمر في استقبال شمعون بيريس مجرم حرب قانا في عواصمنا أو يهود باراك مجرم حرب بيروت وتونس، أو بن اليعازر الذى دفن الجنود المصريين احياء في العريش، أو تسبنى لفنى قاتلة القادة الفلسطينيين في أوربا وابنة الارهابى الذى ارتكب مذبحة دير ياسين؟
يجب أن ندرك أن حكوماتنا العربية منذ كرومر إلى بوش ليست كاملة السيادة أو كاملة القدرة على التصرف لاسباب عديدة لا مجال لشرحها الآن. لكن أحداث القرن العشرين تثبت دون شك أن زمام الأمور كان دائماً في يد الشعوب، لانها لا تسكت على الضيم ولا تقبل الاحتلال والتشريد والعنصرية والاستيطان.
انظروا في تاريخ الشرق العربي ومنذ احتلال الانجليز لمصر عام 1882 وبالاخص انظروا في تاريخ فلسطين تجدون أن المقاومين في ثورة 1936 هم من الشعب وهم كذلك الفدائيون في الخمسينات وفي الحركة الوطنية الفلسطينية منذ عام 1969 وهم كذلك قادة الانتفاضة الأولى والثانية.
وتجدون كذلك أن المقاومة الشعبية هى المحرك الأول للاحداث في مصر ضد الإنجليز في قناة السويس في أوائل الخمسينات، وفي لبنان ضد الاحتلال الإسرائيلي وفي العراق ضد الاحتلال الامريكى.
ذلك لان المقاومة هى حق وواجب وهى رد فعل طبيعى ليحمى الانسان داره وعائلته وأرضه. وحق المقاومة مكفول بموجب ميثاق الأمم المتحدة، بل أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت عام 1974 قراراً يطلب من جميع الدول الاعضاء تقديم الدعم المادى والمعنوى للشعب الفلسطينى لاسترجاع حقوقه.
ومن يطالب اليوم بإسقاط المقاومة إنما يدعو الشعب لاسقاط حقوقه.
وحتى في الميدان العالمى، أصبحت القوة الشعبية في العالم هى القوة الفاعلة، ربما القوة الوحيدة. والدليل على ذلك أنتشار الجمعيات الأهلية للدفاع عن الحقوق المهضومة، وزاد عددها من 2000 في بداية تسعينات القرن الماضى إلى 8000 اليوم حسب سجلات الأمم المتحدة. ومما ساعد على ذلك انتشار الانترنت والفضائيات، مما مكن العالم كله من الاشتراك في مظاهرة أو عريضة الكترونيا رغم تباعدهم بالاف الكيلو مترات.
ولذلك فإن المشاركة في الحركة الشعبية لاستعادة الحقوق والدفاع عنها واجب على كل انسان حر وشريف. خصوصاً إذا كان انتهاك الحقوق في بلد هو جزء عزيز من الوطن العربى، وهو أرض الرسالات والنبوات، وهو أيضاً خط الدفاع الأول عن مصر.
شريحة 12
قد يقول البعض إن العرب اليوم متفرقون وضعفاء، والكل يلتفت الى همه المحلى. والذى يهتم بشأنه المحلى فقط نذكّره بأن الدور عليه، كما جاء فى الأمثولة القديمة (لقد أكلتك يوم أكلت الثور الأبيض).
لكن يجب الأ ننسى إننا لا نزال أقوياء، وإن لم نستغل كل مصادر قوتنا.
لدينا الأمل الذى لم يفنى. ولدينا الصمود الذى لم يتوقف. ولدينا المقاومة التى لاتزال تبذل الروح والدم من أجل الوطن. ولدينا المساندة الشعبية فى العالم العربى والإسلامى بل والأجنبى فى كثير من الأماكن.
و يجب أن نتذكر أن إسرائيل قد هزمت فى لبنان مرتين ولا تزال المقاومة فى فلسطين تقلقها بأعمالها فى كل مكان من فلسطين المحتلة، وأن إسرائيل مصابة بالفساد من رئيس دولتها الى رئيس وزرائها الى كثير من المسئولين فى الدوله، وأن ترك الخدمة العسكرية فى تزايد مستمر، كما أن نسبة المغادرين لإسرائيل أكثر ب 15 ألف سنويآ من الداخلين اليها، وأن 25 ألف إسرائيلى إستعادوا جنسيتهم الأمريكية قبل الإنتفاضة الأخيرة، وزاد العدد الى 35 ألف بعد الإنتفاضة.
ولكنى لا أقول أبداً أننا إنتصرنا، وأن إسرائيل هزمت اليوم. ولكنى أقول إن لدينا الكثير من القوة لم نستغله، وأن لدى إسرائيل الكثير من الضعف لم نستغله.
وأقول أن العجز ليس سياسة، وأن الأستسلام ليس سياسة، وأن الشعوب لا تقهر ولا تموت، وإنما تقهر الجيوش ويموت الحكام.
وأختم بالقول أن الحق لابد وأنه راجع الى أهله فى فلسطين مهما طال الزمن، وما ضاع حق ورائه مطالب.
والسلام عليكم ورحمة الله،،،
رقم |
الوصف |
1 |
المقدمة |
2 |
1917 |
3 |
الثورات |
4 |
التقسيم / تفضيل |
5 |
Anatomy |
6 |
النكبة قبل وبعد |
7 |
النفى |
8 |
النكبة 67 – 2005 |
9 |
غزة |
10 |
غزة |
11 |
الصورة |
12 |
حق العودة |
13 |
حق العودة |