لقد حولت الحركة الصهيونية أسطورة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" إلى ما يقارب الحقيقة عندما مارست أكبر عملية تطهير عرقى في التاريخ الحديث. لقد نجحت الحركة الصهيونية في إقامة إسرائيل على أرض فلسطين واحتلت 78% منها 1948 ثم احتلت الباقى مع اجزاء من مصر وسوريا ولبنان عام 1967 وبعد ذلك. ولكن بقى الشعب الفلسطينى عقبة كؤوداً في تنفيذ الحلم الصهيونى. أخذوا الأرض وبقى الشعب.
ورغم حروب خمسة كبيرة، واحتلال دام 40 عاماً ولا يزال مستمراً وغارات واعتقالات واغتيالات وقتل وتشريد، لا يزال 88% من الشعب الفلسطينى في فلسطين وجوارها في دول الطوق، وأقل من نصف الفلسطينيين بقليل على أرض فلسطين الانتدابية، والباقى خارجها.
ومنذ عام 1948 بدأت إسرائيل حملة ميدانية واسعة للتخلص من أهل الأرض التى احتلتها. فهجّرت أهالى 675 مدينة وقرية وقتلت كل من حاول العودة عام 1948 / 1949 باعتبارهم "متسللين". وهدمت ثلاثة أرباع القرى المهجّرة، وسممت آبارهم وحرقت محاصيلهم، ودمرت عدداً من القرى الحدودية في الضفة وقامت بغارات على مخيمات اللاجئين قتلت فيها العديد من النساء والأطفال والشيوخ.
وبعد حرب 1967، ونزوح ما يقرب من نصف مليون شخص بعضهم هاجر للمرة الثانية، رفضت إسرائيل عودتهم.
لكن الاستيطان الإسرائيلي في الضفة والاستيلاء على أكثر من نصفها وأفول حلم دولة فلسطينية، جعل من الوجود الفلسطينى على أرض فلسطين كابوساً لأسرائيل، خصوصاً وأن عددهم اليوم في مناطق فلسطين الثلاث يقارب عدد اليهود في إسرائيل.
ولذلك خططت إسرائيل لاقتراف نكبة جديدة تطاول السكان وتكرر عملية التنظيف العرقى للخلاص من الشعب الفلسطينى مرة أخرى. والامثلة على ذلك كثيرة: حصار غزة وتجويع أهلها وقصف منازلهم من الأرض والجو وقتل النساء والأطفال، وهو في حكم القانون الدولى جريمة حرب وجريمة ضد الانسانية. وجدار الفصل العنصرى الذى شجبته محكمة العدل الدولية والذى يحتجز الفلسطينيين في "جيتوهات" يمنع فيها خروجهم وتواصلهم الا بشق الانفس. هذا عدا أكثر من 600 حاجز تقطع أوصال الضفة الغربية. وهدف هذا كله هو ترحيل الفلسطينيين عن بلادهم، كما حدث عام 1948، ولكن بأساليب جديدة.
لكن هذا الهدف اكتسب أساليب جديدة: سياسية وإعلامية أولها دعوة الفلسطينيين إلى الاعتراف "بحق اسرائيل في الوجود" أى الاعتراف بأن نكبة عام 1948 هى عمل اخلاقى قانونى مشروع. وثانيها الاعتراف بأن إسرائيل "دولة يهودية". وهذا يعنى أن طرد الفلسطينيين المواطنين في إسرائيل ومنع عودة اللاجئين إلى ديارهم هى أعمال شرعية قانونية يحق لإسرائيل القيام بها. وهو الأمر الذى سارع بوش (بلفور الجديد) إلى التصديق عليه.
على أن كل الدراسات تثبت أن الواقع العملى شىء آخر. فلن يهجر الفلسطينون بلادهم، وسيكونون أغلبية في المستقبل، والنقاش يدور على السنة فقط. وهو نقاش لا معنى له لان العبرة تكون بمدى فاعلية الفلسطينيين على أرضهم ولو بأى نسبة، ومدى فاعلية الفلسطينيين في الشتات ومدى تأييد الشعوب العربية والإسلامية والقوى التحررية في العالم لهم.
تناقش الورقة هذه النقاط بالارقام والوقائع وتبرهن على النتائج المذكورة.