أيها الأخوة والأخوات، أبناء وطني الصامدون على أرضه المقدسة السلام عليكم ورحمة الله
رغم مرور قرن على نشوء الصهيونية ومرور أكثر من نصف قرن على النكبة، وهي أكبر عملية تنظيف عرقي في التاريخ الحديث، فإن أهداف الصهيونية لم تتغير وإن تغيّرت أساليبها ووسائلها وتبريراتها. أهداف الصهيونية مازالت كما كانت: الاستيلاء على الأرضي الفلسطينية، والتخلص من أهلها بالقتلو التشريد والقمع تحت الاحتلال والعنصرية، ومحو التاريخ والهوية والذاكرة الفلسطينية.
لم تنجح الصهيونية في كل أهدافها، ولا أعتقد أنها ستنجح تماماً في المستقبل. لقد نجحت في الاستيلاء على معظم الأرض الفلسطينية، ونجحت في تشريد ثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني، ولكنها لم تنجح في القضاء عليه تماماً أو محو ذاكرته.
اليوم لدينا أكثر من 6 مليون فلسطيني لاجئ مسجلون وغير مسجلين لدي الأمم المتحدة، يعيشون خارج ديارهم. ولكن 88% منهم يعيشون في فلسطين التاريخية ودول الطوق المجاورة. وفي فلسطين 1948 يوجد 300،000 لاجئ فلسطيني، يرون بيوتهم وأراضيهم رأي العين، ولا يتمكنون من العودة إليها، مثل عين حوض، حتى لو تسلحوا بقرار من المحكمة العليا مثل إقرت وبرعم.
ورغم كل هذه المعاناة والتشريد، فإن الحركة الشعبية المطالبة بحق العودة هي اليوم أقوي من أي وقت مضي، سواء في مخيمات رفح وجنين، أو جامعات نيويورك وسان فرانسيسكو، وأنا شاهد على الاثنين.
صحيح أن الوضع السياسي الرسمي مضعضع.
الوضع الفلسطيني الرسمي فقد بوصلته بعد عرفات، والآن يبحث عن قادة جدد ستفرزها الانتخابات أو القوي الفاعلة. والوضع العربي الرسمي أصبحت أكبر طموحاته استرضاء أمريكا للحفاظ على كيانه. والسياسة الأمريكية مرتهنة لإسرائيل. أما السياسة الأوروبية فهي أكثرها نفاقاً وازدواجاً في المعايير.
أوربا، منذ عهد بلفور البريطاني إلى عهد ميركل الألمانية، مسئولة مسئولية تاريخية وقانونية عن المأساة المستمرة على أرض فلسطين، ليس فقط بما اقترفته منذ 88 عاماً، بل ما تفعله اليوم وما بين هذين التاريخين.
والغرب الذي يدعي الديموقراطية وحقوق الإنسان ويطالب بها دول العالم الثالث، هو نفس الغرب الذي دعم إسرائيل وعدوانها على كل مبدأ للعدالة. وإذا استعرضنا عروض السلام التي قدمها الساسة الغربيون منذ عام 1948 حتى اليوم، لم نجد عرضاً واحداً يدعو إلى تنفيذ القانون الدولي وحقوق الإنسان ويصر على التزام إسرائيل به، ولو بالقوة، كما تم تنفيذه في دول أخري. كان الغرض دائماً من هذه العروض هو قبول الفلسطينيين باستلاب أراضيهم وحقوقهم وهويتهم وقبولهم بشرعية استلاب إسرائيل لهذه الحقوق. وذلك كله تحت غطاء "الواقعية" وتحت مسميات "السلام".
إما إسرائيل فقد استعملت كل سلاح لديها: عسكري أو سياسي أو دعائي أو مالي للقضاء على الشعب الفلسطيني جغرافياً وسياسياً، فلم تنجح. صحيح أن مئات الآلاف من الفلسطينيين قد سقطوا شهداء وجرحي وأن ثلاثة أرباع الفلسطينيين لاجئون. صحيح أنهم مجروحون منهكون مشردون. لكن العلامة البارزة في أبناء هذا الشعب أنهم لم يرفعوا راية الاستسلام لا أمس ولا اليوم ولا غداً، لا هنا ولا في أي مكان، وسيظلون كذلك حتى لو بقيت منهم فقط جالية واحدة في تشيلي، ولن يرفعوا راية الاستسلام أبداً.
ما الذي يدعو هذا الشعب إلى الصمود في الداخل والخارج؟
ليست لدينا طائرات ودبابات وأسلحة إلكترونية، وليست لدينا أسلحة دمار بيولوجية وكيماوية ونووية. وليست لدينا وسائل إعلام ومراكز قوي في الحكومات الغربية. ولكن لدينا سلاحان هامان لا يملكهما أعداؤنا.
الأول: هو الحقوق غير القابلة للتصرف، كما حددها القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي رفضت إسرائيل والدول الغربية تنفيذها.
ومهما كان العدو غاشماً وقوياً، فإنه يسعى دائماً إلى الحصول على شرعية أعماله من الضحية فيصبح الاستلاب حقاً والقتل عقاب والجريمة تنفيذ للعدالة.
وإذا قرأتم مخطط إسرائيل لعام 2020، تجدون أن اقتصادها لا يحتاج إلى الأسواق العربية، وأن أمنها العسكري لا يهدده العرب، وأنها ماضية في اجتلاب اليهود المهاجرين سواء رضي العرب أم لم يرضوا. ولكن إسرائيل تحتاج إلى الشرعية، كما يحتاج العطشان إلى الماء، لكي تتوسع بسلام في المنطقة، وتعاقب دولياً كل فلسطيني يطالب بحقه، وتستقبل بلايين الدولارات من الاستثمارات الأوروبية والأمريكية التي تشعر عندئذ بالأمان في إسرائيل.
لذلك فإن الواجب الأول على كل الفلسطينيين سواء في الداخل أو الخارج عدم التفريط بحقوقهم الوطنية غير قابلة للتصرف، مهما كانت الظروف. فهذه الحقوق لا تسقط بطغيان القوة، ولا بالتقادم، ولا بالأحلاف، ولا بالمعاهدات بين الدول أو السلطات. إنها تسقط فقط إذا أسقط كل فلسطيني حقه طائعاً مختاراً، فرداً فرداُ، من بين الملايين العشرة من الفلسطينيين، لاجئين أو مواطنين، وهذا لن يحدث أبداً.
والسلاح الثاني لدينا هو هذا الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني ورفضه الاستسلام أو الذوبان. أخبرنا مصنع الأكاذيب أنه لا يوجد فلسطينيون، وأن فلسطين ارض بلا شعب وأن اللاجئين خرجوا طوعاً وأن الكبار سيموتون وأن الصغار سينسون.
لقد رأيت بعيني أطفال الجيل الثالث والرابع من اللاجئين في نيويورك ولندن وكوبنهاجن ومخيمات جباليا والدهيشة والبقعة واليرموك يتقدون حماساً وذكاء وعلماً وكفاءة ومعرفة بالعالم وبالتقنيات الحديثة وبالتاريخ وبالسياسة أضعاف ما كان عليه أجدادهم في عام النكبة.
وأهلكم في الخارج يتطلعون إليكم أن تشاركوهم في الجهود الساعية إلى استرجاع الحقوق، خصوصاً وأن لكم الميزة الفريدة في أنكم تمشون على أرض الوطن وترون آثاره وتشمون هوائه.
فأهدافنا وأهدافكم واحدة وهي:
- تنوير الشباب بحقوقهم وإحياء التاريخ الممسوح وتسجيل الذاكرة الوطنية. وقد أنشأنا قبل 6 شهور " منظمة التاريخ الشفوي الفلسطيني" من اجل التحضير للأرشيف الوطني ومتحف فلسطين الذي تقيمه " مؤسسة التعاون"، ولها لجان في عدة مناطق، منها اللجنة التي ينسق لأعمالها الأخ سلمان الناطور.
وكما قلت، لديكم ميزة نحن محرمون منها. وهي زيارة القرى الفلسطينية المهجرة وتذكير الشباب بإرثهم الوطني على أرض الواقع، ولديكم الخرائط ومنها أطلس فلسطين 1948 الذي يحتوي على معلومات عن 1300 مدينة وقرية،و 10،000 معلم تاريخي ودينيو 25،000 أسم مكان.
- تنظيم المجتمع المدني في هيئة شعبية أو تحالف وطني تطالب بحقوقها الأساسية. هذا ليس سياسة ولا حزبية. هذا دفاع عن حقوق الإنسان التي هي الحد الأدنى من الحقوق. انشروا مظالمكم على العالم. لديكم في الإنترنت اعظم وسيلة للاتصال بالعالم، لا يقهرها قاهر ولا يمنعها رقيب. لديكم في العالم الآن آلاف الجمعيات الأهلية (NGOS) التي تدافع عن حقوق الإنسان، وغالبها يناصر الحقوق الفلسطينية، وهم أكبر عون لنا في الغرب، وقد أمتد نفوذها إلى الجامعات التي تدعو إلى قطع الاستثمارات عن إسرائيل ما لم تنفذ القانون الدولي.
وتذكروا أن إسرائيل تعمل بوجهين: القتل والقمع والعنصرية في الداخل، والرغبة في السلام والديموقراطية في الخارج. إن نشر مظالمكم في الإنترنت والمؤتمرات والزيارات يكشف هذا النفاق. إن مهمة السفارات الإسرائيلية في أوربا على وجه الخصوص قد أصبحت صعبة جداً، إذ أن كشف الحقائق في الخارج، خصوصاً على شاشات التلفزيون، هو الذي دعا 59% من الأوربيين إلى الاعتقاد بأن إسرائيل أكبر خطر على السلام العالمي.
- الطرق المستمر على الأبواب الموصدة من قبل النظام العنصري للمطالبة بالحقوق الكاملة في الأراضي وتخطيط المدن والقرى والتعليم والعمل والصحة وغير ذلك.
العنصرية موجودة اليوم في كثير من المجتمعات. لكن، بعد سقوط جنوب أفريقيا العنصرية، لا توجد دولة في العالم مثل إسرائيل تحتضن العنصرية والابارتايد في قوانينها الأساسية. ومعني ذلك أنه لا توجد عدالة للفلسطينيين ما لم يسقط النظام العنصري، كما سقط في جنوب أفريقيا.
ومع ذلك، نقول أنه يجب الاستمرار في طرق الأبواب والدق على اللحام ليس فقط أمام المحاكم وفي الكنيست وداخل اللجان، ولكن أمام لجان الأمم المتحدة المعقودة بموجب المعاهدات، وليس بموجب الميثاق فقط، ومنها لجنة حقوق الإنسان ولجنة الحقوق السياسية والمدنية والثقافية ولجنة حقوق الأطفال ولجنة منع التعذيب ولجنة القضاء على كل مظاهر العنصرية وغيرها.
- تجميع الجهود ونبذ الفرقة والاتحاد في العمل. قد يبدو هذا صعباً، ولكنه غير مستحيل. إن ما يجمعنا أكبر بكثير مما يجمع الروسي والحبشي والإشكنازي، وإن حقوقنا وتراثنا والتصاقنا بالأرض أقوي بكثير منهم. عددكم اليوم يساوي تقريباً عدد سكان فلسطين في عام النكبة، وعليكم الواجب الوطني بحفظ إرثها. تستطيعون أن تتواصلوا بالسيارة خلال ساعتين من حيفا إلى بئر السبع. أما نحن فعلينا أن نقطع الحدود ونحصل على التأشيرات، لكي نجتمع. ومع ذلك فقد عقدنا عشرات الاجتماعات التي جاءوا إليها من رفح ولندن. يجب الاستفادة من كل هذه الميزات التي لديكم، فانتم جذع الشجرة الممتد في أرضها، لا زالت حية قوية.
هنا نقول كلمة لليهود من أنصاركم الذين نرجو أن يزيد عددهم مع الأيام.
لا تيأسوا من جدوي جهودكم في دعم الحقوق الفلسطينية، فأنتم على حق. ولابد للحق أن ينتصر. ولنتعلم من التاريخ.
في القرن الماضي، تحررت ملايين البشر من العبودية، واستقلت كثير من البلدان من الاستعمار الأوربي، وسقطت الفاشية والنازية، وتلاشت العنصرية من الناحية القانونية في كل بلاد العالم عدا إسرائيل وسقط نظام الإبرتايد في جنوب أفريقيا. ولا يمكن أبداً أن يكون الاستثناء في إسرائيل هو القاعدة المقبولة. وهذا الوضع لا يمكن أن يستمر على الإطلاق.
ولا تنخدعوا بمقولة: إن إسرائيل دولة يهودية أو ذات طابع يهودي، ستزول إذا نّفذت إسرائيل القانون الدولي. هذه مغالطة في المفاهيم لا أساس لها في القانون أو الواقع. فما هو المقصود بالطابع اليهودي؟
هل هو السيطرة الديموغرافية، بمعني أن يبقي اليهود أغلبية دائماً في إسرائيل؟ كل الدراسات تقول إن هذا مستحيل على المدى المتوسط والطويل. اليوم يكوّن الفلسطينيون حوالي نصف السكان في فلسطين التاريخية. ولو أضفنا إليهم الروس غير اليهود والعمال الأجانب لاتضح أن اليهود أقل من نصف السكان. ولو أخذنا إسرائيل فقط في الاعتبار، فإنه حسب مخطط إسرائيل لعام 2020 لن يأتي إلى إسرائيل أكثر من مليون ونصف مهاجر يهودي على أكثر تقدير خلال ربع قرن، والمحتمل هو 700،000 فقط. وعليه فإنه لابد أن تتناقص نسبة اليهود في إسرائيل نفسها. والمسألة مسألة وقت. والهدف في الأغلبية العددية لليهود هو هدف غير أخلاقي، إذ أنه يعطي ترخيصاً بقتل العرب أو طردهم إذا شعر المهاجرون اليهود بأنهم أعدادهم قلّت. وتصوروا كيف يتصرف اليهود لو أن الإنجليز طلبوا طردهم من ضاحية جولدرز جرين في لندن التي يتكاثرون فيها، أو أن الأمريكان طلبوا طردهم من ضاحية بروكلين في نيويورك أو أمريكا كلها حيث يتجاوز عددهم هناك كل سكان إسرائيل اليهود؟ كيف يطلبون لأنفسهم حقوقاً في إنجلترا وأمريكاو ينكرونها على أهل البلاد في فلسطين؟
ومسألة الأغلبية اليهودية ليست قانونية أيضاً، فلا يوجد قانون دولي يسمح بإنشاء دولة عنصرية إثنية، وحتى قرار التقسيم رقم 181 الذي ترتكز عليه إسرائيل في شرعيتها عند إعلان قيامها يؤكد على حقوق العرب واليهود السياسية والمدنية في أي من الدولتين العربية واليهودية، خصوصاً وأن نصف سكان الدولة المخصصة لليهود كانوا فلسطينيين قبل طردهم.
ونقول أيضاً لا تنخدعوا أيضاً بمسالة اكتظاظ البلاد بالسكان وعدم وجود مجال لعودة اللاجئين.إن الدراسات المفصّلة التي قمنا بها تبين أن عودة اللاجئين إلى ديارهم ممكنة جغرافياً وسكانياً وقانونياً وحتى اقتصادياً. وأن 90% من مواقع القرى المهجرة لا يزال خالياً، وأن أراضي اللاجئين التي تبلغ 93% من مساحة إسرائيل، ومعظمهم مؤجر للكيبوتز والموشاف، لا يسكنها إلا 1.5% من السكان اليهود، وأن 8،600 فقط من هؤلاء الكيبوتز يعتاشون اليوم على الزراعة، وأن عدد اليهود الريفيين على الأراضي الفلسطينية من القسطينة حتى أم رشرش أي إيلات جنوباً لا يتجاوز 78،000 شخص أي أقل من سكان مخيم واحد للاجئين في قطاع غزة، حيث يعيش أصحاب هذه الأرض.
وقد عرضت هذه الدراسات في عدة مؤتمرات بحضور إسرائيليين. ولم أسمع منهم حتى اليوم ببيان أي خطأ فيها. ولو كان فيها خطأ واحداً لملأوا الدنيا صراخاً.
أين يؤدي بنا هذا كله؟
- الشعب الفلسطيني حي وباق، له حقوقه الثابتة ولن يتخلى عنها.
- القهر والاحتلال والبطش له عمر محدود لن يطول،لأنه مثل الهرم الواقف على رأسه، لابد أن يقع يوماً ما.
- العنصرية والابرتهايد، المؤسسَيْن على القانون الوضعي الداخلي، ليس لهما مستقبل في عالمنا اليوم، والتاريخ شاهد على ذلك.
إذن لا مناص من تطبيق العدالة لكي يعيش الجميع في سلام. العدالة لها معني واحد فقط: هو تطبيق القانون الدولي. وتطبيق القانون الدولي يعني احترام حقوق الإنسان، ومن بينها: حقه في أن يعود إلى بيته وأرضه، سواء أكان مبعداً عنها كيلو متر واحد أو 5،000 كيلو متر، لا فرق. ومن بينها: حقه في العدالة والمساواة في الحقوق السياسية والمدنية على أرضه.
العدالة هي الطريق الوحيد للسلام.
والسلام عليكم.