لا يخفى على أحد الوضع المتدهور للقضية الفلسطينية سواء على الصعيد الفلسطينى أو العربى. ولذلك هناك حاجة ماسة لمراجعة هذا الوضع والخروج ببرنامج عمل سياسي قابل للتطبيق. ولا نقول هنا إن هناك حاجة إلى برنامج وطنى، فهو مازال الميثاق الوطنى لعام 1969 وخلاصته أن فلسطين عربية وأن المقاومة (بكل أشكالها) هي وسيلة العمل.
1. الساحة الفلسطينية
كانت أهداف الحركة الوطنية الفلسطينية بعد النكبة واضحة كل الوضوح. الوطن معروف والعدو معروف. في الخمسينات والستينات نشأت حركة الفدائيين والجمعيات السرية (في قطاع غزة أولاً) ثم تكونت منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 ووصلت إلى قمت بروزها عام 1974، وبعدها بدأ الانحدار. وفي المجلس الوطنى الأخير في الجزائر عام 1988، وافق المجلس على مضض بأغلبية الثلثين على دولة فلسطينية على خط الهدنة 1949 مع التمسك بحق العودة. ثم جاءت كارثة اوسلو عام 1993 التى شكلت عقد إذعان للشعب الواقع تحت الاحتلال دون الاشارة إلى القانون الدولي أو الحقوق الفلسطينية. ولا نزال إلى اليوم تحت تأثير هذه الكارثة.
ومثلما أنشق السادات عن سلفه عبد الناصر، انشق محمود عباس عن سلفه عرفات، فقد تخلى عن المقاومة واعتبر أداتها "حقيرة" ولجأ إلى "حياة" من المفاوضات، وتخلى عن القرار الفلسطينى المستقل واحتمى برضاء الدول الغربية والعربية، وتخلى عن فلسطين عربية واكتفى بالسعى وراء دويلة من بقايا الضفة، واختزل قضية فلسطين كلها إلى كيان معيشى للضفة، وتخلى، إلا بالاسم، عن حق العودة، وتخلى عن منظمة التحرير كصوت الشعب الفلسطينى، إلا كخاتم شرعي للمفاوضات، واكتفى بالسلطة في رام الله، كصورة محسنة من "رابطة القرى"، تجلب الاموال من الغرب وتشتري المؤيدين.
واستسلم عالماً أو غير عالم، إلى خدعة بلير التى يقول فيها: على الفلسطينيين أن يقبلوا بشروط الرباعية (الاعتراف بإسرائيل... الخ) وإلا فلن يحصلوا على المساعدات، ولن تحصل غزة المحاصرة على 4,8 مليار دولار التى وعد بها الغرب في شرم الشيخ لإعمار غزة التى دمرتها إسرائيل.
ومن واجب الرئيس الفلسطينى أن يعلم أن بلير كذاب (وهو الذى خدع العالم لشن الحرب على العراق). بلير كذاب لان الرباعية لم تضع شروطاً إطلاقاً على الفلسطينيين. يقول الفارو دي سوتو الوسيط الدولي لفلسطين (خليفة برنادوت) في تقريره النهائي في مايو 2007 في الفقرة 79:
"وهناك سوء فهم عام بالقول أن الرباعية وضعت "شروطاً" إذا لم تنفذ فإن ذلك سيكون عقبة في المساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية والتواصل معها. لقد حاولتُ المرة بعد الأخرى الايضاح للصحافة أن الرباعية لم تفرض ولو مرة واحدة شروطاً تدعو الفلسطينيين إلى الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف... (الخ). وإذا كان هذا يبدو كأنه "شروط" الرباعية، فالواقع أن هذه الشروط هى سياسات أمريكا والاتحاد الأوربي وحدها.. وحقيقة الأمر أنهما تتخذان من روسيا والأمم المتحدة غطاء تحت إسم الرباعية لتنفيذ سياستهما".
وفي هذا الجو البائس، أصبح الشعب الفلسطينى شعوباً مختلفة. شعب غزة (12% من الفلسطينيين) محاصر من إسرائيل والغرب والدول العربية الموالية. وهذا الحصار يشكل جرائم حرب وجرائم إبادة حسب ابسط قواعد القانون الدولي. وشعب في الضفة (18%) قيدت السلطة يداه ومنعته من المقاومة ومنعته في كثير من الاحيان من مجرد التعبير عن تضامنه مع ابناء شعبه في غزة، وزينت له أن غاية امنياته هو "بناء مؤسساته" تحت ظل الاحتلال، وأهله معزولون عن بعضهم في مناطق أ، ب، ج ومن بينهم أهل القدس المحاصرون والمهجّرون من ديارهم بالنسف والإبعاد، ومجموع كل هؤلاء (30%) هم الذين شاركوا في الانتخابات الاخيرة. وشعب فلسطينى عاش على أرض الوطن تحت حكم إسرائيل لستة عقود يبلغ تعداده 1,250,000 فلسطينى في الداخل (1948)، وهم الآن الذين يحملون راية الوطنية داخل إسرائيل. وشعب الشتات: اللاجئون في البلاد العربية، بين خوف من طردهم من أماكن اللجوء إلى المجهول بعيداً عن الوطن الأم وخوف الدول المضيفة من احتمال توطينهم فيحرمون من أبسط الحقوق المدنية كاجراء وقائي. ولعل الخوف من التوطين هو الذى يضع الدول العربية المضيفة بين نارين: تشجيع اللاجئين على المطالبة بحق العودة لكى يغادروا البلاد، والخشية من انشائهم كيانات وتجمعات سياسية للمحاربة من أجل العودة. أما شعب الشتات في أوربا وأمريكا الذين يتجاوز عددهم 500,000 فهم من أنشط الفئات سياسياً وإعلامياً وقانونياً، لانهم يعيشون في مجتمعات ديموقراطية تسمح بالتجمع، وإن كانت سياساتها لا تزال موالية لإسرائيل، وهم يحتاجون فقط إلى تجميع قواهم وتوحيد صفوفهم.
في هذا المناخ الفلسطينى يبدو بديهياً أن يكون الواجب الأول لأى رئيس فلسطينى تجميع الصفوف والعودة إلى كامل الشعب الفلسطينى تحت إطار مجلس وطنى جديد منتخب يمثل 11 مليون فلسطينى، من بينهم 70% ليس لهم اليوم تمثيل ولا رأي في مصيرهم منذ عام 1988 على الأقل. ولكن محمود عباس رفض أى محاولات للقيام بذلك رغم أن اتفاقاً مكتوبا في القاهرة في مارس 2005 قد تمت الموافقة عليه من جميع الفصائل، ورغم أن ممثلين لقطاعات واسعة من المستقلين، (والمستقلون هم أغلبية الشعب الفلسطينى، أكثر من 95%)، قد قابلته لهذا الغرض. ولكنه رفض الاستجابة لهذا المطلب الجوهري تحت أعذار مختلفة.
أما المصالحة بين فريقين فصيلين فقد شغلت الناس أكثر مما ينبغى، فهى في أحسن الاحوال خلاف على برنامج سياسي وفي اسوأها خلاف على مراكز السلطة مع اختلاف تاريخ كل منهما في النزاهة. ومكان المصالحة ليس في العواصم العربية ولا أمام أجهزتها الأمنية، وإنما في مجلس وطنى منتخب هو الذى يحسم الخلاف على البرامج والاداء. ولو كان هذا المجلس موجوداً، لكفانا مؤونة التنقل بين العواصم العربية والفضائيات.
والخلاصة إنه يتوجب على الشعب الفلسطينى إتخاذ اجراء جديد لوضع البرنامج السياسى المطلوب لتحقيق وحدة الشعب الفلسطينى وتمثيله.
2. إسرائيل
على الطرف الآخر من المعادلة، تقع إسرائيل. ما هو وضعها اليوم؟ إسرائيل صهيونية. ولو تخلت عن الصهيونية لما أصبحت إسرائيل، وأصبحت فلسطين بها جالية يهودية مهما كبرت. ولذلك لا فائدة من البحث في الركام عن قائد إسرائيلى يؤمن بالحقوق الفلسطينية، وأما تصنيف هذا القائد أو ذاك كيمينى أو يسارى فلا قيمة فعلية له.
[خريطة حدود فلسطين / إسرائيل التى قدمتها المنظمة الصهيونية لمؤتمر السلام في فرساي عام 1919 ولا تزال تعمل بها إلى اليوم]. إسرائيل لا تزال متمسكة بخريطة حدود إسرائيل التى قدمتها المنظمة الصهيونية لمؤتمر السلام في فرساى عام 1919. (أنظر الخريطة).
وكل الاحداث التى وقعت من ذلك الحين إلى اليوم تؤيد ذلك. قالت المنظمة الصهيونية إن حدود إسرائيل الغربية تكون "بالاتفاق مع مصر". وهذا ما هو واقع اليوم. وإن الجولان جزء من إسرائيل وهذا ما تم منذ احتلاله عام 1967. وإن جنوب لبنان حتى الليطاني جزء من إسرائيل، وهذا ما فشلت في تحقيقه إسرائيل ولكنها لا تزال تحاول. أما الحدود الشرقية التى تطالب بها المنظمة الصهيونية فهى خط سكة حديد الحجاز، أى خط درعا - عمان – معان – العقبة. وهذا ما تحاول إسرائيل تطبيقه الآن، بوضع برنامج لطرد الفلسطينيين من الضفة بادعاء أن كل فلسطينى في الضفة متسلل يتوجب طرده، والاستمرار في بناء المستوطنات، وسحب هويات القدس، وتجريد أهالي الضفة من 90% من مياه الضفة، وإقامة 600 حاجز على الطرق، والاعتقالات والاغتيالات وغير ذلك.
لم يعد استيلاء إسرائيل الكامل على الضفة سراً حتى في الاوساط الإسرائيلية والغربية. فقد كتب عنه اسرائيليون مثل اكيفا ايلدار وعميرة هاس، وإيال وايزمان، وجيرشون جورنبرج منذ عدة سنوات. كذلك يوثقه بشكل دوري مكتب الامم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية (OCHAOPT).
وقد أوضح هذا الأمر البروفسور جون ميرز هايمر، الاستاذ المشهور صاحب تقرير "اللوبي الإسرائيلي" مع زميله البروفسور ستيفن والت، في محاضرته لدي مركز فلسطين في واشنطن ابريل الماضى. وهو أمريكي قح يخدم مصالح بلاده فقط.
لقد بيّن بتحليل دقيق للسياسات الإسرائيلية أن الضفة مقبلة على التهويد الكامل مع بقاء بقع عربية، مما يجعل إسرائيل دولة فصل عنصرى على كامل فلسطين التاريخية، ويفتح الباب أمام تهجير جماعي للفلسطينيين، لان البديل في حال زيادة عدد الفلسطينيين إلى حد الاغلبية الا تكون إسرائيل دولة صهيونية، بل دولة ديموقراطية لجميع السكان، وهذا لن تسمح به إسرائيل حتى لو اقترفت هولوكوست ضد الفلسطينيين.
ولنلق نظرة على التركيبة السكانية لإسرائيل.
في عام 2009، بلغ عدد السكان اليهود في إسرائيل 5,500,000 إذا اعتبرنا أن كل الروس البالغ عددهم مليون نسمة يهود، (والواقع أن 40 – 60% منهم غير يهود). حوالى نصف اليهود مهاجرون ولدوا خارج فلسطين، والنصف الآخر ولدوا فيها، ولذلك فإن فئاتهم العمرية صغيرة. ومن حيث الأصل، فإن 37% من اليهود جاءوا من أمريكا وأوربا و29% من آسيا وأفريقيا. وهذه النسبة الأخيرة في تزايد بسبب ارتفاع نسبة المواليد لديهم.
هذه الارقام والنسب معرضة لتغير كبير في حال إنتفاضة كبيرة أو اضطرابات خطيرة في المنطقة أو حروب تصاب فيها إسرائيل بضربة موجعة. والتحول في التركيبة السكانية سيكون هائلا لو تحولت إسرائيل من دولة صهيونية إلى دولة ديموقراطية لكل مواطنيها عرباً ويهوداً. يقول البروفسور الأمريكي اليهودي Ian Lustic، أنه بعد انتفاضة الأقصى عام 2000 تضاعف عدد الذين تركوا إسرائيل، وزادت نسبة الذين استرجعوا جنسياتهم الأوربية بمقدار 40%. ومن الملاحظ من تقارير الاحصاء الإسرائيلية أن ثلاثة أرباع الإسرائيليين يسافرون خارج البلاد على الاقل مرة في السنة وأن حوالى ثلاثة أرباع مليون يهودى يحملون الجنسية الإسرائيلية يقيمون خارج إسرائيل بصفة شبه دائمة. وأن كل يهودى في إسرائيل لديه جنسية أخرى، صالحة للاستعمال أو ممكن استرجاعها من بلد الموطن.
وكما يستنتج البروفسور ميرزهايمر، فإن إسرائيل ستقاوم مقاومة عنيفة انخفاض عدد اليهود أو نسبتهم، إما عن طريق تشجيع هجرة جديدة، وهذا صعب جداً في الوقت الحالى لنضوب المصادر المفيدة لإسرائيل، أو عن طريق طرد الفلسطينيين الموجودين على أرض فلسطين التاريخية الذين يتكاثرون بسرعة أكثر من اليهود (عدا الحاريديم)، وستستعمل إسرائيل كل الوسائل، ولو إلى حد استخدام "سياسات إجرامية" كما يقول، مثل التهجير العرقي أو أسوأ من ذلك. وقد تستخدم هذه السياسة دون تردد تحت غطاء حرب إقليمية، أو محاربة الإرهاب.
ولذلك فإن الطريق الوحيد المفتوح لإسرائيل هو أن تصبح علناً وبشكل مفضوح دولة فصل عنصرى، اسوأ من جنوب افريقيا. ولذلك فإنه لا أمل في قيام دولتين مستقلتين بالمعنى الدولي المتعارف عليه على أرض فلسطين، مع أن هذا الخيار في مصلحة إسرائيل لانه يختزل قضية فلسطين في حكم ذاتي محدود على خُمس مساحة فلسطين. ولذلك تدعمه أمريكا والاتحاد الأوربي وتحث محمود عباس على الدخول في مفاوضات "حياتية" عقيمة يعلم الكل أنها لن تأتى بنتيجة مقبولة، لان أعلى ما ستوافق عليه إسرائيل سيكون أقل كثيراً مما يقبله حتى المؤمنون بتلك المفاوضات.
والخيار المنطقى الآخر إذا استمرت إسرائيل في أسلوبها الحالي هو قيام دولة ديموقراطية لجميع السكان على أرض فلسطين التاريخية. وهذا لن توافق عليه إسرائيل طوعاً أو اختياراً. ولو حدث فإنه، كما يقول اورى أفنيرى، "داعية السلام"، لن يبقى في فلسطين اشكنازي واحد، فالاشكناز هم جنود الصهيونية.
إذن الصدام محتوم. فإما أن تكون فلسطين دولة صهيونية بالكامل يهجّر أهلها الفلسطينيون إلى شرق الأردن، وهذه هي الخطة الحالية، أو دولة ديموقراطية للعرب واليهود، وهذا هو الحل الوحيد على المدى البعيد. وهذا بالطبع يستثنى ظروفاً فجائية غير متوقعة في المنطقة، وما أكثرها، تسارع في حدوث هذا الأمر أو ذاك.
إذن لم يعد طرد أهالى الضفة موضع خلاف في السياسة الإسرائيلية، ولكن الخلاف هو على الاسلوب والتوقيت وطريقة التقسيط، بحيث لا تثير العالم الغربى، هذا لو أبدى غضبه. ولكن إلى أين يطردون؟
لم يعد الوطن البديل في الأردن خرافة في الفكر الإسرائيلي. لقد وقع الملك حسين المعاهدة مع إسرائيل تحسباً لذلك أى لكى تعترف إسرائيل بالأردن كدولة مستقلة شرقي النهر، وليس العكس، أى ليس المهم اعتراف الأردن بإسرائيل. وهذا ما أكده له شارون شخصياً. لكن جنرالات إسرائيل يفضحون السر بين آونة وأخرى.
ليست المسألة تحويل الأردن إلى وطن بديل فقط، بل قد تصبح المشكلة أعمق من ذلك: باستيلاء اسرائيل على شريط من دولة الأردن يوازى نهر الأردن شرقاً حتى خط سكة حديد الحجاز (تقريباً 30 - 50 كم شرقى نهر الأردن) كما دعت إليه المنظمة الصهيونية عام 1919. أنظر الخريطة. ويطرد الفلسطينيون في الضفة إلى شرقي هذا الخط. وبذلك لا تحتاج إسرائيل إلى حاجز عسكرى على نهر الأردن الذى تحتله الآن. وخط السكة الحديد هو أفضل عسكرياً لإسرائيل من مواقع على ضفة النهر الغربية لانه يحتوى على مرتفعات تقام عليها محطات انذار في عجلون مثل جبل الشيخ في الجولان.
ولكن رغم قوة إسرائيل العسكرية وخضوع العرب المجاورين لها، فإنها هشة في كثير من النواحى خصوصاً الجغرافية والسكانية. ومن حيث التوزيع الجغرافي فإن 84% من اليهود يعيشون في 17% من مساحة إسرائيل وتقع مناطق سكناهم العمرانية في منطقة صغيرة لا تتجاوز 5% من مساحة إسرائيل. وباقى الأرض في إسرائيل بها أقلية من السكان وتستعمل اساساً للقواعد والمنشآت العسكرية.
وإذا أخذنا شريطاً بعرض 50 كم يمتد من قطاع غزة حتى الخليل، فإننا لا نجد فيه يهوداً يتجاوز عددهم مخيم لاجئين واحد (عدا سكان المدن). وهؤلاء هم سكان الكيبوتز الذى أفلس مالياً وايديولوجياً ولم يبق فيه إلا العجزة. ولو أخذنا شريطاً بعرض نصف حدود لبنان الجنوبية يمتد من تلك الحدود حتى جنين فإننا نجد مثل هذا العدد من اليهود سكان الأرض المحتلة، (باستثناء سكان المدن وأهل الجليل الفلسطينيين).
أما الاقتصاد في إسرائيل فهو قوى جداً ولكنه هش من نواح أخرى. يبلغ الناتج المحلى الاجمالى لإسرائيل 207 مليار دولار لعام 2009، مصدره 32% من الصناعة، 65% من الخدمات، 3% من الزراعة فقط. ومصادر الناتج القومي الاجمالى تأتى كالآتى: 74% من التصدير الصناعي و24% من تصدير الخدمات. أى أن اعتماد اقتصاد إسرائيل الاساسي على (1) على الصناعة ذات التقنية العالية و(2) على التصدير لأوربا وأمريكا.
وليس من العجب أن يقال أن إسرائيل ربيبة الغرب. ذلك لأن إسرائيل مصنع كبير محصور في عدة مناطق جغرافية حول حيفا وتل أبيب، يسّوق له اليهود في أمريكا وغرب أوربا بما لهم من التأثير المالى والسياسي في تلك البلاد. فإسرائيل إذن "منطقة تجارية حرة" ليهود الغرب. وهى أيضاً ملجأ للهاربين من وجه العدالة، وأكبر مكان لغسل الاموال التى يجنيها اليهود في الغرب.
وقد أجمع 250 خبيراً إسرائيليا في دراستهم لمستقبل إسرائيل حتى عام 2020 على أن الاهتمام بالارتباط الصناعي مع الغرب هو أساسي، وأن هدف إسرائيل الأول أن تكون من مصاف الدول الصناعية الستة إلى الثمانية في العالم. ولهذا عقدت إسرائيل عشرات الاتفاقيات الصناعية والعلمية مع الدول الغربية لهذا الغرض، وتبيع منتجاتها لهم بعقود طويلة الأجل، بل وتدفع تلك الدول نفقات الأبحاث والتطوير.
ويقول مخطط إسرائيل لعام 2020 أن غرض إسرائيل من السلام مع العرب، ليس خشية من قوتهم العسكرية، وليس رغبة في تسويق منتجاتهم في الاسواق العربية فهى عالية التقنية لا يحتاجها العرب، وإنما لان "السلام"، والمقصود به اعتراف العرب بشرعية إسرائيل، يهدئ مخاوف الغرب على استثماراته في إسرائيل. وإسرائيل تحتاج إلى تدفق هذه الاموال. وأى خطر يهدد إسرائيل حتى لو كان انتفاضة، أو انفجارات هنا أو هناك، أو تخريب لاستثمارات الغرب الصناعية مهما كان صغيراً، سيكون له تأثير سلبى كبير على اقتصاد إسرائيل، وعلى اقتصاد الغرب الداعم لها.
وهذا يفسر سعى إسرائيل الدائم إلى عرض واجهة سلام مزيفة والدخول في مفاوضات أبدية غرضها إعطاء الغرب وبعض العرب الانطباع بأن السلام قادم لا محالة، وانه لا خوف على استثمارات الغرب، لا من ناحية فعلية من حيث الخوف من تدميرها، ولا من ناحية قانونية دولية، أى عزلها دولياً، وتقديم قادتها لمحكمة جرائم الحرب.
والخلاصة أن إسرائيل قوية في بعض الميادين وهشة في أخرى، ويمكن الاستفادة من هذين الموقعين بالتخطيط السليم والعمل الفعال. ولا أمل في حصول الطرف الفلسطينى على الحقوق الفلسطينية بالمفاوضات.
3. موقف الدول العربية
ما هو موقف الدول العربية المجاورة من كل هذا؟ في عام 1948 دخلت بعض الدول العربية فلسطين بعد خروج الانجليز للدفاع عن أهلها تحت ضغط المظاهرات التى عمت شوارع عواصمها احتجاجاً على مذابح دير ياسين وغيرها. ولم تكن مستعدة لتحرير فلسطين لا بالفعل ولا بالنية. وعندما دخلت القوات العربية فلسطين كان اليهود يسيطرون على مساحة 5.5% من فلسطين وخرجت منها بالهزيمة واحتلال إسرائيل لما يساوى 78% من فلسطين.
ولم تدخل أى دولة عربية حرباً بعد ذلك لتحرير فلسطين. والحروب الحدودية كانت لرد اعتداء إسرائيل على تلك الدول. وبعد هزيمة 1967 أصبحت تلك الدول تدعم حركة التحرير الفلسطينية بالمال والسياسة. وبعد معاهدتى السلام مع إسرائيل واتفاقية المبادئ في اوسلو، تخلت عن هذا أيضاً. ودعمت التيار الذى يدعو الفلسطينيين إلى القبول بما يأتي به الامر الواقع من فتات، ووقفت ضد البرنامج السياسي الذى يدعو إلى تحرير فلسطين.
ولكن الشعوب العربية، ومعها الشعوب الإسلامية، وقفت موقفاً وطنياً مشرفاً إلى جانب الحقوق الفلسطينية. وعلى الرغم من ذلك، هناك تطابق عرضي في بعض وجهات النظر الرسمية. لبنان والأردن والفلسطينيون لديهم رغبة مشتركة في رفض مشاريع التوطين لاسباب مختلفة. ولذلك فإن من مصلحة لبنان والأردن الوقوف إلى جانب حق العودة. وهو أمر يجب الاستفادة منه إلى أقصى الحدود بتقوية حركة حق العودة في تلك البلاد، والسماح للاجئين بإنشاء مؤسساتهم الوطنية التى تمثلهم، ومنحهم الحقوق المدنية التى يتمتع بها اللاجئ الفلسطينى المقيم في بلد أوربي، وهو الذى يكوّن الآن أهم القوى الشعبية المطالبة بحق العودة.
ومما لا شك فيه أن البعد العربي القومي والإسلامي في غاية الأهمية للقضية الفلسطينية ويجب تفعيله على كل الأصعدة، خصوصاً الشعبية منها، فهى الوحيدة التى يمكن تفعيلها الآن. أما البعد الرسمي فقد تأثر بعاملين: الأول تخلى الانظمة بالفعل، إن لم يكن بالاسم، عن تحرير فلسطين أو ثوابت الحقوق الفلسطينى، والثاني: إصرار الرئيس عرفات على القرار الفلسطينى المستقل الذى اسىء فهمه عفواً أو قصداً. والوجه الصحيح للعامل الثاني هو الاستعانة بالبعد العربى والإسلامي على كل الاوجة التى تخدم القضية دون أن تتحول جهات في المعسكر الفلسطينى إلي مخالب لهذا النظام أو ذاك. وهذا بالطبع لا يتأتى إلا بوجود قيادة فلسطينية كفئة نظيفة ناتجة عن انتخاب مجلس وطنى جديد.
4. ما العمل؟
في غياب منظمة التحرير الفلسطينية وعجز القائمين عليها عن القيام بعمل فعال للدفاع عن الحقوق الفلسطينية، يتوجب على الشعب الفلسطينى، أفراداً وهيئات ولجان، القيام بواجباتهم في ميادين كثيرة متاحة له، ولا تحتاج إلى إذن من أحد، ولكنها تحتاج إلى كثير من الجهد والتنظيم وقليل من المال، أقل بكثير من ثمن دبابة عربية يعلوها الصدأ في المخازن.
الميادين المتاحة كثيرة جداً. لقد تدهورت صورة إسرائيل في الغرب الذى يمدها بالسلاح والمال. وهذا بجهد الجمعيات الأهلية الأجنبية المدافعة عن حقوق الانسان في أوربا وأمريكا مع مساهمة هامة من الفلسطينيين في تلك البلاد. هذا الجهد يجب أن يضاعف ويتوسع ويشترك فيه عدد أكبر من الفلسطينيين في الشتات. ومن باب أولى يجب أن ينتشر هذا الجهد في اوساط الشعوب العربية. ومن العيب أن يأتى الارلندى والبريطاني، ثم المسلم التركي لكسر الحصار على غزة ولا نجد مثل هذا النشاط في الاوساط العربية.
ثم هناك الميدان القانونى المفتوح على مصراعيه. بعد تقارير دوجارد وفالك وأخيراً جولد ستون، بالإضافة إلى تقارير هيومان رايتس ووتش وجمعية العفو الدولية، هناك رصيد كبير من توثيق جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية، يجّرم بموجبه قادة إسرائيل في كثير من الدول. ورغم أن كثيراً من الجهات العربية الرسمية والشعبية لديها لجان جرائم حرب، إلا أن إنجازاتها ضعيفة أو معدومة ومتفرقة. وهناك حاجة إلى اختيار الصالح منها وتجميع القوى الأخرى تحت إدارتها. ومن الجدير بالذكر أن اوامر القبض على بعض قادة إسرائيل في بريطانيا قد تمت على يد مكاتب محاماة بريطانية متعاطفة مع فلسطين ومتحالفة مع جمعيات قانونية فلسطينية.
والنجاح في هذه المهمة يكفل ثلاثة أمور هامة: محاكمة مجرمي الحرب والقصاص منهم، ومنعهم من التنقل والسفر، وفضح جرائم إسرائيل أمام العالم.
وفي هذا الميدان تبرز أهمية كسر الحصار عن غزة الذى أصبح يمثل أبشع مثال على الجرائم التى ترتكب في وضح النهار وعلى شاشات التلفزيون، دون أن يتحرك أحد إلا القليل من أصحاب الضمائر.
وفي هذا الميدان، يجب إبراز قضية أكثر من عشرة آلاف فلسطينى أسير لدى إسرائيل، دون مسوغات قانونية، ناهيك عن أخلاقية. وهذه أكبر نسبة في تاريخ أى احتلال لان 40% من الشباب الذكور في الضفة وغزة اعتقلتهم إسرائيل على الاقل مرة واحدة في حياتهم منذ احتلالها عام 1967.
ومع تطور الاتصالات الإلكترونية والفضائيات، فلم تعد المسافات ذات أهمية. ولذلك فإن الفلسطينيين والمتضامنين معهم في العالم يستطيعون شن حملات إعلامية بالرد على مزاعم إسرائيل وكشف جرائم إسرائيل السابقة والحالية. ولقد حدث تطور كبير في هذا الميدان عن طريق نجاح حملة المقاطعة (BDS) التى أنضمت عليها عدة نقابات وجامعات في العالم، وهى لا تزال في نمو كبير.
كل هذه النشاطات، على تواضعها، أزعجت إسرائيل، وجندت لها آلافاً من أنصارها في العالم في حملة تسمى (هزبرا)، وتستثير لها الاعوان تحت شعار الحملة ضد نزع الشرعية عن إسرائيل.
وهناك ايضاً الميدان المفتوح للتواصل مع برلمانات العالم والمحافل الدولية ووكالات الأمم المتحدة بما فيها اليونسكو، وذلك عن طريق زيارات وفود شعبية من المخيمات والجاليات والأسرى المحررين وغيرهم. وهنا يبرز دور الجمعيات الأهلية (NGO) في البلاد المختلفة التى تستطيع ترتيب هذا التواصل وتفعيله.
وهناك أيضاً أهم ميدان يؤثر على إسرائيل وهو الميدان الاقتصادى. وكما سبق ذكره فإن التأثير على اقتصاد إسرائيل أوجع من حرب الدبابات الفاشلة. وعلى الرغم من عفوية حركة مقاطعة إسرائيل الشعبية (BDS) وانتشارها في أوربا وإلى حد ما في أمريكا فإنها تقلق إسرائيل من ناحيتين، الإعلامية والاقتصادية.
لكن الضربة الحقيقية تأتى من مقاطعة العرب الاقتصادية للشركات التى تتعامل مع إسرائيل والتى كانت سارية إلى أن وقعت معاهدات (السلام) مع الأردن ومصر. وبحساب بسيط نجد أن الدول العربية إما شعبياً أو رسمياً تستطيع بمقاطعة البضائع من أمريكا وهولندا وألمانيا وبريطانيا فقط، اعتماداً على أن إسرائيل خارجة عن القانون الدولي الذى يعاقب الاحتلال والفصل العنصرى، واستناداًَ إلى القرار الاستشارى لمحكمة العدل الدولية الصادر في 9 يوليه 2004 والذى أقرته الأمم المتحدة، أن تجبر هذه الدول إلى إعادة حساباتها حول التحيز لإسرائيل. وإذا توقفت مبيعات المرسيدس ومنتجات سيمنز مثلا فإن المانيا تفكر مرتين قبل تصنيع غواصات نووية لإسرائيل والمشاركة في تصنيع أسلحة الدمار الشامل البيولوجية والكيماوية التى تقوم بها الآن، لصالح إسرائيل.
والمقاطعة سلاح معروف ومعترف به. وها نحن نجد أمريكا تطبقه بدون مسوغات قانونية. فكيف لو كانت المقاطعة بناء على القانون الدولي؟ الدول العربية لديها هذا المسوغ القانوني. وليست في حاجة إلى إعلان الحرب على إسرائيل أو إخراج دباباتها وطياراتها من المخازن. ولا تحتاج فقط إلا إلى "الترشيد" في الانفاق الاستهلاكى او الترفيهي في الاستيراد من الدول التى لا تساعد إسرائيل على قتل الفلسطينيين.
ثم هناك ميدان الإعلام الخارجي. وقد توسعت دائرة تأثيره فوق كل وصف باستعمال الانترنت وانتشار الفضائيات. وهو ما أدى مباشرة إلى مظاهرات في عدة دول أوربية استنكاراً لمحرقة غزة، وأدى كذلك إلى المظاهرات الاسبوعية ضد جدار الفصل العنصرى في بلعين. ولدينا ما يقرب من مليون شاب وشابة كلهم يتقنون استعمال الكومبيوتر، ونصفهم يتقن اللغة الانجليزية، ويمكن تجنيدهم للقيام بحملات إعلامية والرد على الصحف والإذاعات المغرضة. وليس في هذا أى جديد. فإسرائيل والصهيونية لديها مئات المجندين لغرض تبيض صفحة إسرائيل.
هناك ميادن أخرى كثيرة يمكن للمجتمع المدني القيام بها دون عائق. أما على أرض الوطن فتبقى المقاومة بكل أشكالها شرطاً أساسياً لاسترجاع الحقوق. ودون ذلك عبث. ولكن من الواجب أن تكون هذه المقاومة مهما كانت صورها، في غاية الكفاءة والتنظيم، وهو أمر وسائله وأنظمته متوفرة لمن يريد تطبيقها.
وفي المجتمع الفلسطينى، لا تزال الكلمة الجامعة هى "حق العودة"، فهى تتعدى حدود الفصائل والاحزاب والمطامع الشخصية. وقد تطورت حركة حق العودة منذ كارثة أوسلو، وأصبح التنوير لها ناجحاً في كل مناطق الشتات، ولكنها لا زالت مبعثرة، لاختلافها في التوجه والأهمية والفعالية. ولذلك لابد من مؤتمر دولي يجمع كل هؤلاء تحت مظلة واحدة إن لم يكن بالدمج فليكن بالتنسيق.
أما ميدان التربية الوطنية للشباب فهو المعركة الحقيقية التى ستؤدى إلى نصر مؤزر. فشبابنا الذى يتجاوز عدده خمسة ملايين لم يعاصر الثورة الفلسطينية ولم ينضم للفدائيين وولد في عصر الاحباط، ولذلك فإن اليأس وعدم المبالاة والرغبة في الهجرة يسيطر على معظم فئاته إلا من اعتصم بالعقيدة والوطنية.
هؤلاء ثروة وطنية حقيقية يمكن استرجاعها وتفعيلها بالدروس المسائية والمؤتمرات والندوات والمعسكرات والجمعيات وما يلزم لذلك من المطبوعات. ويكفى أن نعلم أن حركة حق العودة الناشطة في العالم الغربي يقودها مثل هؤلاء الشباب على قلة عددهم.
المعركة طويلة جداً ولكن لابد من الثبات على المسيرة واستدامة الفعاليات ونقل المسئوليات من جيل إلى جيل. الحرب طويلة. إسرائيل لن تنهزم اليوم أو غداً ولكنها تراهن على أن "الكبار يموتون والصغار ينسون" ويدب الوهن في الشعب ويتنازل عن حقوقه حقاً بعد حق، وتكسب إسرائيل شرعيتها بتوقيع الضحية. وإذا كان التاريخ الفلسطينى من شاهد، فإن هذا لن يحدث أبداً.
وهناك بديهيات يجب أخذها في الحسبان:
والبديهية الاولى: التى لا يمكن إغفالها هى أن إسرائيل ستستمر في عنصريتها وإجرامها، ومن رضى بها لن ترضى به. كما أنها رغم قوتها العسكرية ضد الجيوش النظامية فإنها هشة جداً جغرافياً وسكانياً. ولابد من الاستفادة من هذه الهشاشة.
البديهية الثانية: هى أن العالم الذى دعم إسرائيل قد بدأ بالتحول عنها، وسيأتى وقت يراه عبئاً وليس ميزة. لابد من تسريع هذا الادراك في العالم.
والبديهية الثالثة: هو أن الشعب الفلسطينى يتطلع إلى القيام بواجبه في الدفاع عن حقوقه، تسانده في ذلك الشعوب العربية والإسلامية والقوى الشريفة في العالم. ولكنه يحتاج إلى هيكلية عمل وقيادة كفئة تتولى تفعيل هذه القوى كلها.
والمسعى الأول المطلوب هو إعادة انتخاب مجلس وطنى جديد يمثل 11 مليون فلسطينى نصفهم ولد منذ انتفاضة الحجارة. ولا شك أن المعارضة الحالية لانتخاب مجلس وطنى ستنهار قريباً، لان القائمين على الوضع الحالي لا يملكون ثقة الشعب ولم ينتخبهم 70% منه ولم يقدموا أى إنجاز للشعب الفلسطينى. هذا المجلس الجديد سيتبنى الميثاق الوطنى الفلسطينى وسيتبنى خيار المقاومة بكل أشكالها.
وأول واجباته هو ملء الفراغ الناجم عن غياب أجهزة منظمة التحرير. ومن أهمها الدفاع عن حقوق اللاجئين الذين تبلغ نسبتهم ثلثى الشعب الفلسطينى (أو ثلاثة أرباعه لو حسبنا النازحين عام 1967). وذلك بتفعيل كل مخيمات اللاجئين في الوطن العربي، وبتفعيل قدرات الجاليات في الخارج حول الدفاع عن حق العودة.
إن الفراغ الذى يسببه غياب منظمة التحرير الفلسطينية، أو الضرر الذى يسببه سوء ادائها، أمر في غاية الخطورة. ويجب الا يسكت عليه أحد. فالساكتون شركاء في الضرر. ولا فائدة من الشكوى أو النقد إذا لم يقم كل فلسطينى بدوره.
وكخطوة عملية أولى لتفعيل الشعب الفلسطينى وتمثيله، نقترح أولاً اجتماع نخبة من الفلسطينيين، ذوي المصداقية العالية العارفين بكل هذه الميادين لوضع برنامج سياسي فلسطيني ذى طابع عملي قابل للتطبيق. وهذا أمر سهل التحقيق.
ومنه ينبثق مؤتمر موسع يشمل ممثلى الجاليات والنقابات والفعاليات. وهذا المؤتمر تمثيلى شعبى يعبر عن المجتمع المدني، ويكون رديفاً لمنظمة التحرير الفلسطينية عندما يعاد بناؤها على نسق قديم. وليس في هذا أى غرابة، فالصهيونية لديها مؤسسات كثيرة منها الوكالة اليهودية والصندوق القومي اليهودي والمؤتمر العالمي اليهودي وغيرها كثير بجانب دولة إسرائيل. والهدف الأول هو تجنيد كافة فئات الشعب الفلسطينى والسعى الحثيث نحو انتخاب مجلس وطنى جديد وبناء منظمة التحرير الجديدة، التى تتكون من الفئات الفاعلة على الساحة الفلسطينية على أساس الميثاق الوطنى لعام 1969.
5. خطة أم حلم
قد يقال أنه في الجو العربى البائس، تبدو هذه الاقتراحات ضرباً من الاحلام. هى ليست كذلك. لقد خاض الشعب الفلسطينى أطول معركة في التاريخ ضد شعب أعزل. ولم تعوزه التضحية ولا الصمود ولا الثبات على المبدأ. وإنما افتقد القيادة الحكيمة، وافتقد ايضاً الكفاءة في العمل والتنظيم. لكن هناك جيل جديد يختلف عن سابقه، قادر على العطاء وراغب فيه.
نحن لا نحتاج إلى قيادة كارزمية انفرادية، بل نحتاج إلى مؤسسات تتبدل فيها القيادات حسب الاداء وحسب المتطلبات. فالمؤسسات لا تموت وهى قابلة للإصلاح. والأكيد أن الشباب قادرون على انشاء وتطوير هذه المؤسسات، فقد ولدوا فى المنافي وتسلحوا بالعلم والمعرفة والثقافة التى تخاطب العالم، وهذه كلها صفات أعوزت أبائهم وقادتهم. وفيهم يكمن أمل الشعب الفلسطينى، الذى عانى الكثير، لكنه لم ولن يستسلم أبداً.