حق العودة مقدس وقانوني وممكن (1) سياسة الترحيل والتوطين من أعمدة الفكر الصهيوني الثابتة إلى عمل عربي موحد لمقاومة مشاريع التوطين - السفير، بيروت، عدد 8381، 24 أغسطس 1999، صــ 17
تطلع علينا الصحافة من وقت لآخر، بأخبار مشروع جديد للتوطين يقدمه الاسرائيليون أو اليهود الامريكيون أو المعاهد الموالية لهم، بغرض التخلص من مشكلة اللاجئين لمصلحة اسرائيل وعلى حساب الدول العربية والدول الأخرى وذلك بترحيلهم إلى أي مكان في العالم عدا وطنهم فلسطين.
والمشروع الأخير قدمته المحامية اليهودية دونا آرزت، وتبناه مجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة وطاف به على الدول العربية في المشرق والخليج، ولكنه قوبل بالرفض القاطع.
الترحيل (الترانسفير) عقيدة صهيونية
لم يجتمع الصهاينة على شيء مثل إجماعهم على طرد الفلسطينيين من بلادهم تنفيذاً لمقولة "أرض بلا شعب ". كتب هرتزل في 1895/6/12: " سنحاول طرد المعدمين خارج الحدود بتدبير عمل لهم هناك، وفى نفس الوقت نمنعهم من العمل فى بلدنا ". وفي نيسان 1905 قال اسرائيل زانغويل: " يجب أن نستعد لطرد القبائل العربية بالسيف مثل أجدادنا ". أما جابوتنسكى فكان ينطق بوضوح ما كان يخفيه بن جوريون إذ قال في تشرين الثاني 1939: " ليس هناك خيار. يجب أن يخلي العرب المكان لليهود فى أرض اسرائيل، شكراً لله، فنحن اليهود لا ننتمى إلى الشرق، لذلك يجب أن نكنس الروح الإسلامية من أرض اسرائيل ". أما يوسف وايتـز، مساعد بن جوريون ومؤسس أول لجنة ترانسفير في الاربعينات فقال “ نريد فلسطين خالية من العرب “.
النكبة
ما أن بدأ الغزو الصهيوني عام 1948، حتى سارع الصهاينة بتحقيق ما كانوا يخططون له سنوات طويلة، ونفذوا بالقوة العسكرية عملية طرد الفلسطين من بلادهم تحت ستار الدفاع عن النفس. وأصبح بذلك أهالي 532 مدينة وقرية – وعددهم آنذاك 805,000 – لاجئون في الضفة وغزة والبلاد المجاورة، وأصبحت أراضيهم التى تمثل 92% من مساحة اسرائيل الحالية نهباً لمهاجرين تستقدمهم اسرائيل، ولاتزال، ليحلوا محلهم. ولم يحدث في التاريخ الحديث مثل آخر لهذه النكبة، إذ تمكنت أقلية أجنبية من غزو أكثرية وطنية واحتلت أرضها وطردتها من ديارها، بدعم مالي وسياسي من الخارج.
ولتغطية آثار هذه الجريمة البشعة، اقنعت اسرائيل الغرب بأن هؤلاء اللاجئين مشكلة عربية، لان العرب هم الذين اعتدوا على اسرائيل، ولأن اللاجئين خرجوا طوعاً أو باوامر عربية، وأن مسئولية ايوائهم وتوطينهم تقع على عاتق الدول العربية. وبعد أربعة عقود من الزمن، كشفت الملفات الاسرائيلية التى درسها " المؤرخون الجدد " كذب هذا الادعاء، وأكد هؤلاء المؤرخون ما كان يقوله مئات الالوف من اللاجئين، شهود عيان على مأساتهم.
مشاريع التوطين
بعد النكبة وإفشال اسرائيل لمحادثات لوزان، بدأت المحاولات الغربية لاضفاء العقلانية على هذا الطرد، باعتبار أمراً واقعاً يجب التسليم به ووضع الحلول له. وفى عام 1949، صدرت دراسة عن المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية فى لندن، تقترح توطين اللاجئين فى سوريا والعراق وشرق الاردن، وتستثني لبنان، لانه مكتظ بالسكان وتركيبته معقدة. ثم ظهرت دراسات متعددة، أهمها مشروع جونستون لتوزيع المياه العربية (1954 – 1956) الذى كان يهدف إلى تخصيص جزء من مياه الاردن واليرموك لتوطين الفلسطينيين فى الضفة الشرقية من النهر. وحاولت تلك المشاريع استعمال الاونروا أداة لهذا التوطين، فقاومها اللاجئون بالاضرابات وتحطيم مكاتب الوكالة.
واستمرت اسرائيل فى عمليات الترانسفير. فى 1950/9/2 إقترف مجرم الحرب شارون، قائد الوحدة 101، مذبحة في حق عرب العزازمة جنوب فلسطين وطردهم إلى مصر وفى عام 1951 طرد موشي ديان سكان المجدل، الذين بقوا فى ديارهم، إلى غزة. واعتبرت اسرائيل الفلسطينيين الباقين فيها أسري حرب من 1948 إلى 1966، وصادرت أملاكهم، بغرض ترحيلهم. وكشفت الملفات حديثاً أن غرض مذبحة كفر قاسم في عملية هافار فيريت هو طرد ما تبقي من الفلسطينيين. وفى أعوام 1953- 1958، وضعت اسرائيل خطة لتوطين اللاجئين فى ليبيا بمبادلة بعض أملاكهم بأملاك اليهود فى شمال أفريقيا مقابل هجرة هؤلاء إلى اسرائيل. وفي نفس الفترة، اقترحت اسرائيل ضم قطاع غزة بأهلها مقابل توطين اللاجئين في العريش.
التوطين بعد 1967
بعد حرب 1967، تضاعفت مساحة الارض العربية المحتلة عدة مرات، وزاد عدد اللاجئين، فبعضهم هاجر مرة ثانية، وبعضهم هاجر لأول مرة، وأصبح نازحاً. وإذ زاد شعور اسرائيل بالانتصار، سنت قوانين جديدة تسهل استيلاء الدولة على أراضي اللاجئين، بعد أن كانت تتعامل مع هذه الاراضي بحذر، ترقباً لتسوية، أو صلح أو حرب.
وبينما أصبحت مشكلة اللاجئين مشكلة متفاقمة، ازداد اصرار اسرائيل على إيجاد حل لها على حساب العرب واللاجئين أنفسهم. وفى السنوات التالية لعام 1967 حتى اليوم، صدر ما لا يقل عن 30 دراسة لمؤلفين ومخططين يهود بجنسيات اسرائيلية وامريكية وغيرها (ولم يصدر عن غيرهم)، كلها تعتمد على تأكيد مبدأ الصهيونية فى الترانسفير وترحيل الفلسطينيين من أجل إحضار مهاجرين يهود جدد. وتأخذ هذه الدراسات طابع أبحاث أو ندوات (قد يشترك فيها بعض العرب والاجانب لاضفاء طابع دولي) أو دراسات من معاهد للعلوم السياسية. ثم تأخذ هذه الأفكار تدريجياً صورة ورقة عمل، أو اقتراحات دولية مشتركة، ما تلبث أن تتبناها حكومة الولايات المتحدة، ثم تعتمدها كسياسة تضغط بها على الدول العربية والاوربية. وأخذاً في الاعتبار الوضع المتهالك للسياسة العربية، قد تجد هذه الدراسات اذناً صاغية، لو أمن الحكام العرب غضب شعوبهم. وأوضح مثال على ذلك الأسلوب هو دراسة دونا آرزت الأخيرة.
خطة آرزت: الترحيل المغلف بالإنسانية.
دونا آرزت محامية يهودية أمريكية، أصلها من يهود لاتفيا، وهي أستاذة في كلية الحقوق في جامعة سيراكيوز، وهي عضو في جمعيات إسرائيلية عديدة، وكانت ناشطة في تأمين هجرة اليهود الروس إلى إسرائيل، وتقضي أوقات فراغها في تربية القطط والاستشارات القانونية لجمعية الشاذين من طلبة الحقوق.
عنوان كتابها مشوق ومثير: " من لاجئين إلى مواطنين: الفلسطينيون ونهاية الصراع العربي الاسرائيلي ". وتحزن آرزت على معاناة الفلسطينيين خلال نصف قرن وتقدم الوصفة الناجعة لآلامهم بترحيلهم إلى كل بلاد العالم عدا وطنهم. وهي تحرص على أن يقل عدد اللاجئين في الضفة وغزة حتى لا يسبب ذلك قنبلة ديموغرافية لاسرائيل في المستقبل، ولا تري أن يعود اللاجئون إلى ديارهم في اسرائيل بالطبع. وحتى لا يشعر الفلسطينيون بالغربة في استراليا مثلا، فإنها تمنحهم جوازاً فلسطينياً بجانب أي جنسية أخري يحملونها. وهذه الهدايا كلها مشروطة بشرط أساسي وهو تخلي الفلسطينيين تماماً ونهائياً عن أي مطالبات لهم. وبذلك تبقي الأرض الفلسطينية ملكاً شرعياً خالصاً لاسرائيل تستقبل فيه اليهود الروس والأحباش وغيرهم.
ولا تكتفي المؤلفة بعرض هذا المشروع النازي ببرود أعصاب، بل تلجاً إلى التزوير لتمرير خطتها البشعة. إذ تقتبس المؤلفة (جدول 4/1 صفحة 88) أرقاماً عن عدد الفلسطينيين من مكتب الاحصاءات الامريكي. وبالرجوع إلى الأصل، يتضح أن هذا الرقم يغطي البلاد العربية فقط. وهذا التزوير مفيد لانه يجعل ارقام المرحلين معقولة، فضلاً عن ان تقدير التقرير الامريكي منخفض أصلاً.
ولكي تخفي المؤلفة بشاعة خطة الترانسفير، فهي تقفز قفزتين: الأولي في الزمن من 1995 إلى سنة 2005، والثانية في المكان من مكان اللجوء الحالي إلى مكان الترحيل الجديد، وتدمج القفزتين حتى لا تتضح معالم الجريمة. لقد قمنا بفصل هاتين المرحلتين وقمنا بدراسة كل مرحلة كما هو مبين في الجدول المرفق. العمود الأول يمثل الوضع النهائي، كما تقترحه المؤلفة اليهودية. ولكي تصل إلى هذا الوضع، تقترح ترحيل اللاجئين كما هو في العمود الثاني (الترحيل من البلد بالناقص بين قوسين، والترحيل إلى البلد بالزائد بدون قوسين)، وتقترح توطينهم بالارقام والبلاد المبينة في العمود الثالث. وهذا تفصيل خطة الترحيل:
غزة
تري المؤلفة ان اكتظاظ قطاع غزة مصدر قلق لاسرائيل، ولذلك يجب تخفيف الكثافة السكانية بترحيل 690,000 منها. ولكن إلى أين؟ إلى مواطنهم في المجدل والمسمية واللد والرملة؟ هم يطيرون فوقها فقط ليستقروا في الضفة المقرر لها استيعاب 844,000 لاجيء جديد.
الاردن
تري المؤلفة أنه يكفي أن يتواجد في الاردن عام 2005 ما لا يزيد عن 2 مليون فلسطيني بعد توطينهم توطيناً كاملاً هناك. ويبقي لديها فائض 375,000. ماذا تفعل بهم؟ لا يزال هناك مجال لاستيعاب 140,000 في الضفة، إن لم يكن في ديارهم، فبالقرب منها على الأقل، والباقي إلى بلاد الله الواسعة. ونسأل كيف يعود إلى الضفة 140,000 فقط، مع ان النازحين (بعد 1967) إلى الاردن يصل عددهم الآن إلى مليون؟ السبب واضح.حتى لا يسبب ذلك إزعاجاً لاسرائيل، ولكي تكون المنطقة المحيطة بها مخلخلة السكان وتقوم بدور الحاجز بينها وبين دول الطوق
لبنان
يشغل لبنان المؤلفة كثيراً، لقرب اللاجئين من موطنهم في الجليل، ولوجود المقاومة اللبنانية العنيدة، ولان اللاجئين في لبنان أكثرهم سخطاً على أحوالهم وأقدرهم على التعبير السياسي. لذلك ترى أنه يجب تفريغ لبنان من الفلسطينيين الذين تقدرهم عام 2005 ب 375,000، فهي تقترح ترحيل 300,000 منهم إلى بلاد الله الواسعة، وتوطين 75,000 منهم في لبنان، لماذا هذا الرقم السحري 75,000؟
اسرائيل
تخص المؤلفة اسرائيل، المسئول الأول والمستفيد الأكبر من طرد اللاجئين، بأخف الأعباء وأقل الاعداد وأصعب الشروط. فهي تساوي اسرائيل بلبنان وتطلب منها عودة 75,000 فقط إلى ديارهم في الجليل، وتضع شروطاً تعجيزية لدخولهم: ان يكون لهم أقارب من الدرجة الاولي هناك (!) وأن يثبتوا أنهم لا يكرهون اسرائيل الخ الخ، وإذا رفضت اسرائيل طلباتهم يمكنهم الاستئناف لدي لجنة دولية الخ وعقم هذا الاقتراح لا يخفي على أحد. ولم تعر المؤلفة اهتماماً لاصرار ترومان، حامي اسرائيل، عام 1949 على أن يعود 300,000 لاجيء إلى ديارهم في المنطقة التى احتلتها اسرائيل زيادة عن خط التقسيم (24 % من مساحة فلسطين). ولو تم ذلك، لكان عددهم اليوم 2,400,000. ولما تأكدت اسرائيل أن امريكا ستمنع دخولها إلى الامم المتحدة، وافقت على إدخال 100,000، إنخفض بعدها الرقم إلى 65,000. ووضعت للباقي شروطاً تعجيزية تحت عنوان " لم الشمل ".
فلماذا تغفل المؤلفة ذكر ذلك؟ ولماذا تغفل المؤلفة الاشارة إلى أن عودة 75,000 اليوم تعني عودة 9000 لاجيء فقط عام 1949، وهو عشُر الرقم الذى وافقت عليه اسرائيل آنذاك. ولماذا تعمد المؤلفة إلى تزوير الارقام، فحسب تحليلنا المبين في العمود الثاني من الجدول، الرقم الحقيقي الذى تقترحه المؤلفة للعودة إلى اسرائيل هو 14,087 فقط.
سوريا
تري المؤلفة أن سوريا بلد كبير وأن اللاجئين فيه يعاملون معاملة السوريين. ولذلك هي تقترح توطين اللاجئين عدا عدد رمزي (60,000) تريد ترحيلهم إلى مكان آخر في بلاد الله الواسعة.
وهكذا تسعي هذا الخطة الجهنمية إلى ترحيل 1,544,000 من أماكن في فلسطين وحولها، وتجد مكاناً ل 844,000 في الضفة، والباقي 700,000 تسعي الخطة إلى ترحيل نصفهم إلى الجزيرة العربية والنصف الآخر إلى بلاد أخرى من استراليا حتى آلاسكا. هذا حسب أرقامها المزورة. أما حسب تقديرنا، فإنها تريد ترحيل 2,593,000 لاجيء، منهم 950,000 مناصفة بين الجزيرة العربية والعالم، والباقي (1,643,000) أمرهم مجهول. وهؤلاء المرحلون والموجودون أصلاً في تلك البلاد سيتم توطينهم هناك هذا ما ترمى إليه الخطة. وكم يعود بعد هذا من اللاجئين إلى ديارهم؟ قلة لا تساوي عدد المهاجرين الروس في شهر.
الدور الامريكي
من المعلوم أن الخطط الصهيونية هي مسودة السياسة الامريكية. في آذار 1997زار وفد من مجلس العلاقات الخارجية ومن مجلس النواب الامريكي عدداً من البلاد العربية واقترح الوفد على دول الخليج توطين 35,000 فلسطيني سنوياً في كل دولة لمدة عشر سنوات. وهذا رقم يبدو صغيراً، لكن المجموع يصل إلى مليوني شخص وهو ما يطابق خطة المؤلفة اليهودية.
ورداً على ذلك، أصدر مجلس الجامعة العربية في دورته رقم 107 بتاريخ 1997/12/30 قراراً برفض التوطين، وأصر على تطبيق حق العودة حسب القرار 194، وإحياء لجنة التوفيق المكلفة بتنفيذ حق العودة، والتى لا زالت مكاتبها مفتوحة في الامم المتحدة. كما أصدر مجلس التعاون الخليجي قراراً في 1997/7/6 برفض اقتراح مجلس النواب الامريكي بالتوطين.
واليوم يدور لغط شديد في لبنان حول مشاريع التوطين المشبوهة. ولذلك لابد من إتحاد جهود الشعبين اللبناني والفلسطيني على مقاومة هذه المشاريع بالعمل الجاد الدءوب، شعبياً ودولياً، والاصرار على تطبيق حق العودة، الذى هو مقدس، وقانوني، وممكن. هذا العمل الموحد هو الوسيلة الناجحة لتحقيق الأهداف، وليست هناك فائدة من التناحر وإلقاء اللوم على طرف أو آخر، لان هذا ما تسعي إليه هذه الخطة وأشباهها. والخلاف هو المنفذ الوحيد الذى تتسلل منه امثال هذه الخطط للاضرار بحقوق الشعبين اللبناني والفلسطيني. والطريق الصحيح هو اتحاد الاهداف والوقوف معاً إلى جانب الشرعية الدولية التى أيدت حق العودة في الامم المتحدة 110 مرات، في إجماع لم يشهد له العالم مثيلاً.
وهذا لا يتعارض أبداً مع حرية اللاجئين في العمل والعيش في اماكن اللجوء والتمتع بالحقوق المدنية الذى هو حق من حقوق الانسان. بل على العكس، فإن إنكار تلك الحقوق يدفع اللاجئين إلى خيارات صعبة، وهذا ما تسعي إليه اسرائيل.
حق العودة مقدس وقانوني وممكن (2) سياسة الترحيل والتوطين في الفكر الصهيوني: القرار 194 ملزم والعودة ممكنة عملياً - السفير، بيروت، عدد 8382، 25 أغسطس 1999، صــ 19
النكبة:
في الفترة الواقعة بين 1947/11/29 ( قرار تقسيم فلسطين ) إلى تموز 1949، تاريخ توقيع اخر اتفاقية هدنة مع سوريا، تحقق للصهيونية ما كانت تخطط له منذ سنوات طويلة. لقد نفذت بالقوة العسكرية عملية طرد الفلسطينيين من بلادهم تحت ستار الدفاع عن النفس. واصبح بذلك 805,000 من سكان فلسطين لاجئين، وهم سكان 532 قرية ومدينة، واراضيهم تمثل 92.6% من اسرائيل. هذه الكارثة الكبرى، التي عرفت باسم النكبة " الهولوكوست الفلسطيني"، ليس لها نظير فى التاريخ الحديث، اذ لم يحدث من قبل ان غزت اقلية اجنبية أرض اكثرية وطنية واحتلت ارضها وطردتها من ديارها، بدعم مالي وسياسي وغطاء شرعي دولي من الخارج.
ولتغطية آثار هذه الجريمة، اقنعت اسرائيل الغرب بأن هؤلاء اللاجئين مشكلة عربية، لان العرب هم الذين اعتدوا على اسرائيل، وان اللاجئين خرجوا طوعا او بأوامر عربية، وأن مسئولية ايوائهم وتوطينهم تقع على عاتق الدول العربية. وبعد أربعة عقود من النكبة، كشفت الملفات الاسرائيلية، التي اصبحت متداولة، كذب هذه الادعاءات. وظهر جيل من المؤرخين الاسرائيليين امثال موريس، وبابى، وسيغيف، وفنكلشتين، يؤكد ما كان يقوله مئات الالاف من اللاجئين طوال كل تلك السنوات، وشاء الغرب ان يصم اذنيه عن سماعه.
وبعد حرب 1967، تغير الوضع وحجم المشكلة. فقد زاد عدد اللاجئين، بعضهم كان لاجئا وهاجر للمرة الثانية، وبعضهم طرد من وطنه في الضفة وغزة فأصبح نازحا، وتضاعفت مساحة الارض العربية المحتلة عدة مرات. وازداد شعور الاسرائيليين بالانتصار، وامعنوا في سن القوانين التي تتحايل على استيلاء الدولة على اراضي اللاجئين في اسرائيل، وكانت اسرائيل تتعامل مع هذه الاراضى بحذر، ترقبا لتسوية او صلح او حرب.
وبينما اصبحت مشكلة اللاجئين مشكلة متفاقمة، ازداد اصرار اسرائيل على ايجاد حل لها على حساب العرب واللاجئين انفسهم. وفى العقدين التاليين لعام 1967 صدرت عشرات الدراسات لمؤلفين ومخططين يهود بجنسيات اسرائيلية وامريكية وغيرها، وهى تتراوح بين الجاد والعنصري، لكنها كلها تعتمد على العناصر الاتية زادت او نقصت:
الفلسطينيون ليسوا شعبا، ولكنهم مجموعة من العرب يمكنهم العيش فى بلاد العرب الواسعة. ارض الفلسطينيين ليست فلسطين، فهذه ارض اسرائيل. الفلسطينيون عرب رحل ليس لهم ارتباط، بالارض، مثلنا نحن اليهود. وهم لا يحسنون تطويرها ولا حتى الدفاع عنها، فهم لا يستحقونها. ومن الاجدر ان تبقي في حوزة شعب حضاري مثل اليهود ( لا يذكرون من اي قطر اتي هؤلاء اليهود الحضاريون ). لم نطرد الفلسطينيين من فلسطين، وانما خرجوا بأوامر عربية، ولذلك تقع على العرب مسؤولية ايوائهم. قرارات الامم المتحدة عن حق العودة غير ملزمة وغير ممكنة على اي حال لان البلاد معبأة باليهود، وقد زالت معالم القرى العربية. لن يستطيع احد إجبارنا على تنفيذ هذه القرارات. نحن اليهود كشعب حضاري نؤيد مساعدة اللاجئين انسانيا بتوفير الغطاء والغذاء لهم بدعم اقتصادي من البلاد العربية الغنية واوربا، وتوطينهم في اي مكان من العالم عدا وطنهم. ولا مانع ان يكون لبعضهم داخل حدود اسرائيل الكبرى نوع من الحكم الذاتي لتدبير شئونهم المدنية.
دونا آرزت:
أصبح التوطين هو الحل المختار للصهيونية للقضاء على مشكلتهم، واقترح المتعاطفون مع اسرائيل عدداً كبيراً من مشروعات التوطين. نختزل هذه المشاريع ونركز على الطبعة الاخيرة منها. ذلك هو المشروع الذي قدمته المحامية اليهودية الامريكية دونا آرزت وتبناه مجلس العلاقات الخارجية الاميركي. والاخير مؤسسة اميركية تعنى بالشؤون الخارجية من وجهة نظر اميركية، واعضاؤه شخصيات مهمة في الاقتصاد والسياسة والحرب، وبعضهم كانت لهم مناصب رسمية. ويوجد عدد كبير من اليهود العاملين فى المجلس.
عنوان كتابها مشوق ومثير: " من لاجئين الى مواطنين: الفلسطينيون ونهاية الصراع العربي الاسرائيلي ". تتأسف آرزت على معاناة الفلسطينيين خلال نصف قرن، وتقدم الوصفة الناجعة لانهاء آلام المريض بالقضاء عليه بطريقة انسانية. فهي توزع الفلسطينيين على الدول العربية والعالم، بعد ان تستوعب الضفة أقل قدر ممكن حتى لا يسبب ذلك الازعاج لاسرائيل. وحتى لا يشعر الفلسطينيون بالغربة في آلاسكا مثلا، فانها تقرر انهم جميعا يستحقون جوازا فلسطينيا بجانب اي جنسية اخرى يحملونها، وذلك كله بشرط اساسي هو ان يتخلى الفلسطينيون نهائيا وتماما عن كل حقوقهم ومطالباتهم خلال فترة زمنية قصيرة، مقابل تعويضات يدفعها العرب والعالم لهم، ومقابل تعويضات اكبر منها تدفع لليهود الذين خرجوا من بلاد عربية ليسكنوا في ديار اللاجئين. وبذلك تبقى الارض الفلسطينية ملكا خالصا شرعيا لاسرائيل. وتطير حمائم السلام سعيدة فوق اسرائيل والاسكا. لا تكتفي المؤلفة بعرض هذا المشروع النازي ببرود اعصاب، بل تلجأ إلى التزوير لتمرير خطتها الجهنمية. تقتبس المؤلفة (جدول 4/1 صفحة 88) ارقاما عن عدد الفلسطينيين في العالم من مكتب الاحصاءات الاميركي. وبالرجوع إلى هذا المصدر، يتضح ان العدد المذكور يغطي البلاد العربية فقط ولا يشمل العالم.
وتقترح المؤلفة ترحيل 690,000 من غزة، وترحيل 140,000 من الاردن إلى الضفة، وترحيل 300,000 من لبنان إلى الخارج وتوطين اللاجئين الموجودين في سوريا وتوطين الباقي في البلاد العربية والأجنبية. هذه الخطط وأشباهها ليست إلا صورة كريهة من التنظيف العرقي وقد باءت جميعها بالفشل.
الدور الامريكي
وحيث ان الفارق بين الخطط الصهيونية والسياسة الامريكية معدوم. فقد زار في اذار 1997 وفد من مجلس العلاقات الخارجية ومن مجلس النواب الاميركي عددا من البلاد العربية وخصوصا الخليج، يقترح على كل منها توطين 35,000 فلسطيني سنويا في كل دولة (وهو رقم يبدو صغيرا) لمدة عشر سنوات، لكن حاصل الضرب يصل الى ما مجموعة 2,001,000، اي ما يطابق خطة المؤلفة اليهودية.
وقد اصدر مجلس الجامعة العربية في 1997/12/30 (الدورة 107) قرارا برفض التوطين، واصر على تطبيق حق العودة حسب القرار 194 واحياء لجنة التوفيق في فلسطين التي لا تزال مكاتبها مفتوحة ومهمتها قاصرة عن الانجاز. كما اصدر مجلس التعاون الخليجي في 1997/7/6 قراراً برفض اقتراح مجلس النواب الاميركي بتوطين اللاجئين في بلادهم. ورفض الفلسطينيين للتوطين يطابق رفض الدول العربية له. وهذا من مظاهر الوحدة العربية النادرة.
قرار 194:
يقول المشككون ان قرار 194 القاضي بحق العودة هو قرار غير ملزم وهو توصية لها طابع انسانى فقط. لكن اصرار المجتمع الدولي على تكرار هذا القانون دون توقف خلال خمسين عاما، باستثناء اسرائيل، وانضمت اليها اميركا اخيرا، انما هو شهادة قاطعة بالاجماع الدولي على ذلك. وفى القرار 3236 الصادر فى 1974 اكدت الامم المتحدة ان العودة " حق " من الحقوق "غير القابلة للتصرف"، بل وحثت الدول على تقديم الدعم للشعب الفلسطيني، بما فى ذلك السلاح، للحصول على هذه الحقوق.
قرار حق العودة نابع من صلب القانون الدولي وهو تطبيق له. وحق العودة أيضا مكفول بميثاق حقوق الانسان، الذي تمت المصادقة عليه من قبل العدد الأكبر من الدول. وهو حق لا يسقط بالتقادم ولا يلغيه أي اتفاق أو معاهدة. ولا تجوز فيه النيابة أو التمثيل لانه في الأصل حق فردي، وهو ايضا حق ينبع من الملكية الفردية التي لا تسقط بالتقادم أو إعلان السيادة أو فرض الاحتلال. وهو أيضا حق جماعي نابع من حق تقرير المصير. وهو حق لا يسقط بقبول القرار 242 المختص بإزالة آثار احتلال عام 1967. والدليل على ذلك أن قراراً صدر عن الجمعية العامة رقم 84/50 في 1995/12/15 (أي بعد أوسلو) جري فيه تأكيد القرار رقم 194.
ويقول المشككون ايضا ان معظم اللاجئين لا يرغب فى العودة، وانهم لو اعطوا تعويضا مناسبا، واعترافا بالمعاناة التي مروا بها، وجنسية او جوازا يتنقلون به، لتنازلوا عن حق العودة، واغلق هذا الملف إلى الابد. والذى يقول ذلك ليست لديه اية معرفة بالشعب الفلسطيني وحقيقة مشاعره. لقد حافظ الشعب الفلسطيني على كيانه العضوي عبر بلاد عديدة رغم التمزق الجغرافي. ولا يزال حفيد اللاجيء يقول انه ينتمي إلى القرية التي نزح منها جده. ورغم انه لا توجد دراسات احصائية كثيرة عن نسبة اللاجئين الذين يرغبون في العودة، لانه ليست هناك حاجة اليها، فإن كل الظواهر تدل على رغبة الاغلبية الساحقة فى العودة إلى الوطن. ورغم ان هناك قيودا ومحاذير على التعبير عن الرغبة الحقيقية للاجئين، الا ان كل الدراسات أكدت تمسك اللاجئين بحقهم في العودة. وفي سبتمبر 1999، بينّ مسح أجرته هيئة الاستعلامات في السلطة الفلسطينية أن 91% يرفضون استبدال قيام دولة فلسطينية بإسقاط حقهم في العودة.
والشيء الذي يغيب عن هؤلاء المشككين هو ان العودة " حق "، وليس رخصة او تأشيرة سياحية تفقد مفعولها بعد زمن. ويحق لكل لاجيء ان يمارس هذا الحق متى شاء ولا يسقط بالتقادم. ولا علاقة له برغبته في العودة او ممارستها في وقت ما. ولا نحسب ان الاتراك في المانيا، واللبنانيين فى الاميركيتين، واليونان فى كل بلاد العالم، يفقدون حقهم في العودة إلى بلادهم لو عاشوا في تلك البلاد سنوات طويلة ولو اخذوا جنسيتها. ويكفي مراجعة تقارير المفوض العام لوكالة غوث اللاجئين على مدي خمسة عقود لنرى كيف يبدو اصرار اللاجئين على العودة إلى الوطن، كما شهدته الوكالة عن قرب.
العودة ممكنة عملياً:
ويقول المشككون ايضا ان القرى دمرت والحدود ضاعت والمعالم تغيرت، ولذلك فإنه من الصعب معرفة الحدود والاماكن. وواضح ان القائلين بذلك يجهلون حال فلسطين. لا توجد بلد في المشرق العربي موثق مثل فلسطين. لقد عملت لها خرائط منذ حملة نابليون في 1799، وعلى يد صندوق اكتشاف فلسطين (1871 – 1878) الذي سجل 15,000 اسم قرية ومكان على الخرائط. واثناء الانتداب (1920 – 1948) تم اعداد خرائط مفصلة لكل فلسطين. وقد استعملت اسرائيل هذه الخرائط وطورتها. وعندما استولت اسرائيل على الارض الفلسطينية ووزعتها بالايجار على المستعمرات، احتفظت بسجل كامل لكل قطعة ارض ومصدرها وصاحبها الاصلي ومستأجرها الحالي. كما قامت بريطانيا في الفترة 1945 – 1946 بتصوير جوي كامل لكل فلسطين لا يزال موجودا. كما ان مقارنة صور الاقمار الصناعية بالخرائط الفلسطينية كفيل بتحديد كل قطعة ارض مهما صغرت. وتحتفظ الامم المتحدة في ملفات لجنة التوفيق فى فلسطين بسجلات الاراضي للفلسطينيين الافراد الذين تم تسجيلهم فى عهد الانتداب. واعتقد جازما ان تحديد الارض الفلسطينية والارض الواقعة تحت حيازة اليهود عام 1948 لا يمثل مشكلة فنية يصعب حلها.
وللتخلص من حق العودة والتعويض معا، تطلق اسرائيل بالونات اختبار عن طريق المشككين والاكاديميين اليهود المتعاطفين معها. وذلك باقتراح ان تصدر اسرائيل اعلانا " باسفها" على المعاناة التى تحملها الفلسطينيون، مقابل ان يعترف الفلسطينيون بأن تحقيق العودة "مستحيل"، والتعويض من اسرائيل غير وارد. وحتى لا يعتبر هذا الاعلان بمثابة اعتراف اسرائيل بالمسؤلية، يصدر هذا الاعلان كقرار من الامم المتحدة توافق عليه اسرائيل بين البلاد الأخرى، ويلغي القرار 194 إلى غير رجعة !
والادعاء بأن اسرائيل لا تسع اللاجئين إذا عادوا هو محض خرافة. فقد أثبتت الدراسات التي أجريناها أنه يمكن تقسيم اسرائيل إلي ثلاث مناطق (أنظر الخريطة):
المنطقة (أ) مساحتها 1,683 كم مربع وتساوي تقريباً مساحة الاراضي اليهودية عام 1948 ويسكن بها 68% من اليهود.
المنطقة (ب) مساحتها 1,318 كم مربع ويسكنها 10% من اليهود و20 % من الفلسطينيين في اسرائيل.
المنطقة (ج) ومساحتها 17,325 كم مربع وهي الأرض الفلسطينية، وطن اللاجئون وإرثهم التاريخي ويسكنها 22 % من اليهود. لكن 19 % منهم يسكنون في عدة مدن أصلها فلسطيني. ويبقي 3 % من اليهود، أي حوالي 150,000 يهودي في الريف يسيطرون على أرض حوالي 5 مليون لاجيء، مبعدون عن وطنهم.
وعلى سبيل المثال، لو عاد اللاجئون من غزة ولبنان إلي أوطانهم في الجنوب والجليل، لما تأثر اليهود في الوسط بأكثر من 1 % زيادة سكانية. وعدد هؤلاء اللاجئين حوالي 900,000، وهو نفس عدد المهاجرين الروس الذين أدخلتهم اسرائيل إليها في التسعينات. ولم نسمع عن شكوى من اكتظاظ السكان. لكن الواقع أن طرد اللاجئين هو عملية تنظيف عرقي، واستبدال أصحاب الأرض باجانب يهود.
ان التشكيك في امكانية العودة من ناحية عملية لا اساس له. اذ يمكن عودة اللاجئين إلى ديارهم نفسها دون ادنى تأثير على السكان اليهود في اسرائيل، ودون فقدانهم لجزء هام من اعمالهم او اقتصادهم. بل على العكس، فان عودة اللاجئين ستثري الجانب الزراعي من الاقتصاد، وهو متعثر حاليا. كما ان كمية المياه المطلوب توفيرها لمعيشة كل السكان يمكن الحصول عليها من خلال اتفاقيات عربية اقليمية بعد عودة اللاجئين وليس بدون ذلك. والبديل هو حرب مدمرة ستشنها اسرائيل لاحتلال منابع المياه العربية وتأمين هجرة الروس ومنع اللاجئين من العودة. وهذا الاحتمال وارد. لكنه بالطبع سيخلق مشاكل جديدة تعود على اوروبا واميركا وغيرها خارج المنطقة بالضرر البالغ، وربما الدمار. لذلك فإن عودة اللاجئين هي دعامة للسلام والاستقرار وهو خيار واجب الاخذ به. نقول هذا للرد على من يقولون بعدم إمكان العودة في ظل الظروف الحاضرة. لكنه ليس هناك سبب قانوني أو إخلاقي يقضي بأن يعيش اللاجئون في الشتات لكي يتمتع مهاجرون يهود بالعيش مكانهم.
وادعاء اسرائيل بان عودة اللاجئين ستعكر النقاوة اليهودية لاسرائيل، فهو كلام عنصري لم يعد له مكان في العالم الحديث، الذي يتآلف ويتعاون، ويتبادل الافكار والتجارة، ويحترم حقوق الانسان. هذا الاصرار على نقاء العنصر اليهودي مصيره مثل شبيهه في حال المانيا النازية.
التعويض:
من الأخطاء الشائعة أنه يحق للاجئين العودة أو التعويض وليس العودة والتعويض معا. وربما كان السبب في هذا الخطأ الشائع سلاسة الشعار: " العودة أو التعويض ". والواقع انه يحق لكل اللاجئين العودة سواء مارسوها أم لا، دون اعتبار للتاريخ الذي يقررون فيه ممارسة العودة، وكذلك يحق التعويض لكل اللاجئين ولكن الفرق في قيمته يتوقف على مدي الخسارة والضرر، وهذه بالطبع تكون أكبر إذا تخلي بعضهم عن أملاكهم غير المنقولة، وقرر عدم العودة. وحتى في هذه الحالة فأن تلك الاملاك غير المنقولة لو تخلي عنها صاحبها، يجب ان تعود إلى الشعب الفلسطيني أو أحد افراده. فالاوطان لا تباع والتعويض ليس ثمنا للوطن لكنه تعويض عن الضرر والمعاناة. أما الارض فتبقي ملكا دائما لصاحبها والشعب الفلسطيني.
ومبدأ التعويض يقوم على القانون الدولي الذي يلزم الدولة التي تنتهك حقوق الملكية أو الحقوق الأخرى للأفراد بإرجاع الحال إلى ما كان عليه قبل ارتكاب تلك الاعمال غير الشرعية. وعلى تلك الدولة أن تزيل كل الآثار الناتجة عن ذلك، واعادتها إلى الوضع الذي كانت عليه. وإذا استحال ذلك فإن للمتضرر الحق في التعويض المادي عن ذلك بقيمة تساوي اصلاح الضرر أو ارجاع الحال كما كانت عليه.
ومبدأ اعادة الشيء إلى أصله هو الذي ذكر صراحة في القرار المشهور 194 بعبارة Should be made good وذلك حسب القانون الدولي أو حسب مبادىء العدالة، وهذا هو بعينه المبدأ الذي تسلم بموجبه اليهود وإسرائيل تعويضات لما تعرضوا له على يد ألمانيا النازية تحت نصوص الاتفاقية التي وقعت مع جمهورية المانيا الفدرالية في 1952/9/10 تحت اسم Wiedergutmachung وترجمتها " اعادة الشىء إلى أصله ". وقد دفعت المانيا بموجب هذه الاتفاقية 102 بليون مارك ألماني، وكان لها الاثر الحاسم في انقاذ اسرائيل من الافلاس عندما تدفقت عليها جموع المهاجرين اليهود بعد احتلال اسرائيل للاراضي الفلسطينية عام 1948.
وتقوم الآن حملة يهودية بزعامة البليونير ادجار برونفمان رئيس الشركة العملاقة سيجرام للكحول والترفيه، لاسترجاع الأملاك اليهودية في البلدان الاوروبية الأخرى مثل سويسرا وفرنسا وهولندا والدول الاسكندنافية وسخر برونفمان لهذا الغرض الكونجرس الامريكي والادارة الاميركية وحتى حلف الناتو، وذلك بالضغط على تلك الدول الاوروبية تحت تهديد المقاطعة الاقتصادية الامريكية. ويلاحظ أن الحملة اليهودية لا تسعي إلى التعويض، وإنما إلى استرجاع (Restitution) الأملاك اليهودية بمعنى أن تعود إلى حيازة المالك الاصلي يتصرف بها كما يشاء بالاقامة فيها أو استغلالها أو كلاهما، وهذا بالطبع أعلي قيمة من التعويض مهما كان سخيا. ويلاحظ ان هذه الحملة لا تستند في المطالبة على أي قرار دولي أو اجماع عالمي كما هو حال اللاجئين الفلسطينيين، وإنما على الضغط المباشر على الحكومات الاوروبية من خلال اجهزة الحكم الأمريكية.
كما سبق القول: التعويض يعني إرجاع الشيء إلى أصله. وهو التعويض عن الفرق في الحالة المعنوية والمادية للفرد والجماعة بين معيشتهم على أرض وطنهم، وبين اقتلاعهم منها وتشريدهم.
وهذا يشمل 4 بنود رئيسة:
المنفعة المادية الشخصية، مثل الممتلكات المنقولة وغير المنقولة، ومزاولة الأعمال. المنفعة المادية العامة، مثل المؤسسات والخدمات والأملاك العامة ومصادر الثروة الطبيعية. المنفعة المعنوية الشخصية مثل الشعور بالأمان والعيش بين الأهل والشعور بالسعادة. المنفعة المعنوية العامة، مثل الهوية الوطنية والثقافة والتاريخ والمقدسات. يضاف إلى هذه البنود الأربعة التعويض عن جرائم الحرب والمعاقبة عليها. وقد اكتسب المجتمع الدولي خبرة عملية وقانونية في هذا الأمر منذ الحرب العالمية الثانية وحرب البوسنة والابادة العنصرية في افريقيا. ونتيجة لهذه الخبرة فقد أشار القرار 194 في مذكرته التفسيرية إلى انطباق جرائم الحرب عليه، ولكنه ترك معالجة التعويض عنها والمحاكمات عن جرائمها إلى مؤتمر خاص يعقد لذلك أو إلى الاتفاق عليه في بنود اتفاقية السلام المتوقع حدوثها بعد صدور القرار.
وقد انشأت الأمم المتحدة، بناء على معاهدة روما عام 1998، محكمة دولية لجرائم الحرب لا تستثني احداً من العقاب مهما كان مركزه.
والآن توجد لدي الأمم المتحدة منظومة قوانين متكاملة تعالج المواضيع الآتية
جرائم ضد السلام:
التخطيط والاعداد والتحريض على حرب عدوانية. الاشتراك في مؤامرة للقيام بتلك الحرب.
جرائم الحرب:
القتل والتعذيب وقتل الأسري وسوء المعاملة. نهب الملكية العامة والخاصة. التدمير المتعمد للقرى والمدن والمنشآت.
جرائم ضد الانسانية:
القتل والاستعباد والترحيل. التعذيب والتمييز وسوء المعاملة على أساس ديني وعرقي وسياسي. وقد اقترفت اسرائيل كل هذه الجرائم.
ويمكننا تقدير مجموع التعويض ( للبنود التي يمكن تقديرها مادياً من المذكورة أعلاه ) مبلغ 1,188 مليون جنيه استرليني عام 1948. وباعتبار الجنيه الاسترليني عام 1948 = 4.03 دولار، وباعتبار نمو سنوي 10%، تكون قيمة التعويض عام 1997 مبلغ 511 بليون دولار، باستثناء البنود غير المقدرة.
ومن نافل القول ان الأوطان لا تباع. وان التعويض حق لتعويض الضرر والمعاناة التي عاشها الشعب الفلسطيني. وبينما يستحق كل لاجىء هذا التعويض، إلا انه لا يشمل ثمن الارض، فهذه لا تباع وإنما تسترجع. وإذا رغبت قلة في التخلي عن أرضها في فلسطين، فإنها تشتري، أو تصبح ملكا للشعب الفلسطيني عن طريق مؤسسة سيأتي وصفها. والتعويض في هذه الحالة يكون عن استغلال هذه الأرض طيلة نصف قرن، هذا عدا التعويض عن الاضرار والخسائر التي سبق ذكرها.
خطة العمل:
ليس للفلسطينيين من مستقبل دون العودة إلىالتنظيم وترميم مؤسساتهم، وتسليحها بعناصر كفؤة ومهنية من الطراز الأول. لقد انتهي عصر الثورجي والمنافق السياسي والمنظّر. الآن عصر المخطط والمنفذ والمدير. ودون ذلك عبث. عدد الفلسطينيين اليوم 7.8 مليون نسمة، منهم 13% في اسرائيل، 33 % في الضفة وغزة، أي أن 46% (حوالي النصف) على أرض فلسطين. ويوجد حوالي 41% في دول الطوق والباقي نصفهم في بلاد عربية أخري والنصف الآخر في بلاد أجنبية.
ومن حيث حرية التحرك والتجمع والتعبير، فانهم يعيشون تحت ظل 8 منظومات سياسية على الأقل. ( وفي الواقع فانهم يعيشون في 130 بلدا ويحملون 33 جنسية عدا فلسطين والاردن). ويبلغ عدد اللاجئين المسجلين الذين يحملون جنسيات عربية غير هاتين 50,000، وجنسيات أجنبية 500). وذلك فان قدرتهم على اللقاء وتجميع القوى تظل محدودة. ومن حسن الحظ ان معظم المنظومات السياسية التي يخضعون لها تؤيد حق اللاجئين في العودة، أو على الاقل لا تجهر بالعداء له، وإن كان معظمها لم يقدم سوى الدعم الكلامي له. وكل المنظومات تؤيد التعويض، لأن فيه تخفيفا للاعباء وإنهاء المشكلة (!) وبعضها يرغب في الكسب المادي باستلام التعويض عوضا عن اللاجئين. ومعظم المنظومات (وليس كلها) ترفض توطين اللاجئين، الأمر الذي يرفضه اللاجئون ايضا. وهذا من مظاهر الاتفاق النادرة. والقليل جدا يرغب في توطين اللاجئين لديهم لاسباب استراتيجية.
لذلك يبدو أن من الممكن للاجئين التعبير عن الحد الأدنى (والاساسي) من حقوقهم وهو حق العودة، بحرية نسبية، بشرط ان تأمن المنظومات السياسية عدم تحول ذلك إلى حركة سياسية نشطة تتعارض مع اوضاعها الداخلية.
وفي اعتقادي ان هذا ممكن، لانه لا يوجد خطر حقيقي من عودة اللاجئين على اي بلد عدا اسرائيل، وهذه عدو مزمن. وفي اعتقادي كذلك أن كبح جماح حرية التعبير والتجمع قد أصبح صعبا بسبب القوة المتنامية لجمعيات حقوق الانسان التي تشبه برلمانات غير منتخبة لدول العالم. كما ان الحصار الجغرافي والفكري قد أصبح قليل الجدوى بسبب انتشار الاقنية الفضائية والانترنت. إن الثورة التكنولوجية والتغيير الايجابي في أهمية حقوق الانسان هي اكبر معين، بل حافز، للاجئين المطالبة بحقهم في العودة. وهذا الوضع سيتطور إلى الافضل خلال القرن القادم.
ويكفي ان نعلم انه يوجد حوالي مليون فلسطيني هم نتاج هذه الثورة التكنولوجية، معظمهم في أوروبا وامريكا والخليج. وهم جزء أصيل من تلك الثقافة، وبعضهم مولود في تلك البلاد. إن القوة البشرية المتمثلة في هذا المليون (على الاقل) هي ثروة لا يستهان بها وهي المولّد الحقيقي للطاقة المطلوبة.
هيئة أرض فلسطين:
يجب تكوين " هيئة أرض فلسطين " على النحو الآتي:
- الهيئة تمثل اللاجئين والمطالبين بحقوقهم من الشعب الفلسطيني في كل مكان.
- الهيئة تمثل الحقوق المادية للشعب الفلسطيني في كل مكان.
- مهمة الهيئة هي: توثيق الاملاك الفلسطينية العامة والخاصة، واسترجاعها وحمايتها وصيانتها وحفظها وتطويرها كما يلزم.
- تكون الهيئة هي الحارس على حقوق الشعب الفلسطيني في كل مكان، وتبقي كل الاملاك الفلسطينية تحت حراستها إلى ان تحدد ملكية الافراد وتسلم اليهم.
- وفي المرحلة الوسيطة إلى ان تسلّم املاك الافراد اليهم، تطور الهيئة هذه الاملاك وترعاها. وفي حالة رغبة بعض اللاجئين في التخلي عن أملاكهم، تشتريها الهيئة او تحتفظ بها إلى ان يشتريها فلسطيني آخر، والاولوية للجار والقريب والأنفع. ولا تؤول أية ملكية لغير الفلسطينيين.
- الهيئة مستقلة وغير سياسية، وتتعاون مع منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية والحكومات المختلفة والامم المتحدة على هذا الاساس.
- تبقى الهيئة قائمة الى ان تنتهي كل أغراضها، وتحل بقرار من الأغلبية المطلقة.
تتكون الجمعية العامة للهيئة من 1500 عضو، يمثلون 532 قرية ومدينة طرد منها اللاجئون، بمعدل 3 أعضاء لكل قرية في المتوسط (أي عضو لكل 3000 لاجىء في الوقت الحالي). وهؤلاء الاعضاء ينتخبون من كل مجموعة سكانية ( قرية أو مدينة ). ويضاف إلى هؤلاء خمسون عضوا، يعينون لكفاءتهم في تحقيق اهداف الهيئة.
ويمكن اعتبار القرية وحدة القياس. ذلك لان سكانها يمثلون 4-5 حمايل لا تزال متماسكة ومرتبطة. كما ان اراضي القرى محددة جيدا على الخرائط. ولذلك فان كل قرية تمثل الارث الجماعي لأهلها. والى ان يتم تحديد ملكية كل فرد، تقوم الهيئة بتخصيص عدد من الاسهم لكل قرية حسب حجمها، ثم تحدد قيمتها المادية. وتمثل الهيئة كل الاسهم التي يغيب صاحبها. وهكذا فان ملكية أرض كل قرية تكون صحيحة تماما لكل قرية، وتكون أقل صحة لكل حمولة، وأقل صحة لملكية كل فرد، حيث ان عدد سكان القرى قد زاد منذ عام 48 خمس مرات ونصفا. لكن الخطأ على قلته يبقى محصورا داخل كل قرية.
ومن أجل حصر الملكية الفردية، فانه يمكن الاستعانة بسجلات لجنة التوفيق الدولية ولديها 450,000 سجل لاسماء الاملاك الافراد. هذه السجلات موجودة، ولقد قمت بدراستها. لكنها تمثل 5,194 كم مربع فقط من أصل 17,178 مربع مجموع أملاك اللاجئين باستثناء أملاك الفلسطينيين الموجودين في الداخل والتي صودر نصفها. ورقم 5,194 كم مربع يمثل أملاك الافراد الذين أمكن تسجيلهم في عهد الانتداب البريطاني. وباضافة قضاء بئر السبع (12,577 كم مربع) والاملاك العامة والخاصة غير المسجلة، يكون المجموع هو 18,643 كم مربع مساحة الاراضي الفلسطينية في اسرائيل، او 92% من مساحتها.
برنامج العودة
عندما يأتي الوقت ( وهو لا شك قادم ) لتحقيق حق العودة، فان تنفيذ ذلك لا يشكل مشكلة عملية. لقد أدخلت اسرائيل 650,000 يهودي في الفترة 1949 – 1951 في ظروف حرب وبعد رحلة ألاف الكيلو مترات، وادخلت حوالي 900,000 روسي خلال العقد الحاضر، دون ازدحام مطار اللد.
عندما يعود اللاجئون، لا تحتاج رحلتهم بالباص إلى اكثر من ساعة أو ساعتين. إذ يعود سكان قضاء بئر السبع وغزة والرملة ويافا من قطاع غزة متجهين شمالا، ويعود سكان الوسط من الضفة الغربية متجهين غربا، ويعود سكان الجليل من سوريا ولبنان متجهين جنوبا. وتعود كل قرية إلى مكانها المعروف والمحدد على الخرائط بدقة.
في البداية يذهب شباب القرية وقوة عاملة من الاونروا إلى مكان القرية لبناء مساكن حديثة (56% من مساكن القرى دمر، أما مساكن المدينة فلم تدمر ولكن تحتاج إلى ترميم). وعملية التعمير هذه لا تشكل مشكلة فنية، حيث انه يوجد عدد كبير من المهندسين والعاملين الفلسطينيين الذين بنوا آلاف المساكن في الخليج وغيرها، هذا فضلا عن وجود 21,000 فلسطيني يعملون في الاونروا. كما ان مواقع القرى لا تزال خالية، اذ ان معظم الكيبوتزات انشئت خارج موقع القرية. وتنظيم عملية العودة من حيث المتطلبات اللوجستية والعملياتية هو أمر ممكن، ولن يكون بحال أعقد أو أصعب من عملية " عاصفة الصحراء ".
اما الاوضاع القانونية فلا تمثل اي تعقيد من حيث المبدأ. ذلك لان الاراضي الفلسطينية مسجلة باسم الحارس على املاك الغائبين التي حولها إلى هيئة التطوير. والاملاك التي تستغلها دولة اسرائيل والتي يملكها الصندوق القومي اليهودي، تدار كلها بواسطة مؤسسة واحدة: هي دائرة الاراضي في اسرائيل. ولديها خرائط ووثائق بالملكية الاصلية لكل قطعة أرض. وبموجب ذلك، فهي تؤجر للمستعمرات الارض الفلسطينية بعقود مدتها 49 سنة ينتهي معظمها في 1998. ولذلك فانه لا توجد، الا في اضيق نطاق، حالات نزاع بين افراد يهود وافراد فلسطينيين حول الملكية، لان اليهود مستأجرون وليسوا مالكين. ولذلك فانه من ناحية قانونية، يكفي تحويل الحيازة من حارس أملاك الغائبين إلى " هيئة أرض فلسطين " بتشريع أو اتفاق واحد.
ومن الضروري بالطبع بقاء الاونروا، تقدم خدماتها، وتستفيد من خبرتها الهائلة خلال نصف قرن، إلى ان يستقر اللاجئون في مواطنهم ويبدأون معيشتهم بشكل طبيعي. ثم تتحول الاونروا إلى منظمة تطويرية للمشاريع مثل منظمة الامم المتحدة.
ويحصل كل لاجىء على بطاقة هوية فلسطينية، وذلك بتحويل بطاقات اللاجئين من سجلات الاونروا التي تحتوي على 3,690,000 اسما في الوقت الحالي، بالاضافة إلى 1,240,000 لاجىء خارج السجلات. وتبقى الهوية الفلسطينية ثابتة رغم حصول الفلسطيني على جنسية أخرى بما فيها الفلسطينية (دولة فلسطين المصغرة) او الاسرائيلية. ويحق للعائدين إلى ديارهم في اسرائيل التمتع بجميع الحقوق المدنية والدينية. أما حقوقهم السياسية، فتقرر حسب المباديء الديموقراطية، ولكن لا يجوز التمييز ضدهم على أساس الدين او العرق او الهوية.
وتتم كل عمليات العودة تحت اشراف الامم المتحدة (لجنة التوفيق)، وهي التي تتولى الاشراف على عودة اللاجئين بموجب صلاحيات دولية واسعة، كما تقوم بتأهيلهم اجتماعيا واقتصاديا، وحمايتهم من أي تمييز ضدهم، وتوفير الامن الفردي والجماعي لهم تحت كل الظروف.
هذا هو، في مجمله، المخطط المقترح لعودة اللاجئين وكما هو واضح، فانه لا توجد فيه مشكلة عملية يصعب حلها، عكس ما يدعيه المشككون. وقد سبق أن اوضحنا ان العودة ممكنة من ناحية سكانية وزراعية ومائية دون ترحيل اي من اليهود اذا كان هذا هو الحل. كما سبق أن أوضحنا أن مشاريع التوطين كلها خرافية وغير واقعية وقد رفضت جميعها، وسترفض في المستقبل.
يبقى سؤالان: هل يتخلى اللاجئون عن حقوقهم؟ وهل توافق اسرائيل على عودة اللاجئين؟
السؤال الأول سهل. فلا توجد أية دلالة، رغم أوسلو والمشككين والمتخاذلين، على أن الغالبية الساحقة للشعب الفلسطيني ستنسى وطنها وتتخلى عنه. وقد أثبتت ذلك الاجيال المتعاقبة، وهي الآن مسلحة بالعلم والمعرفة. اما السؤال الثاني: موافقة اسرائيل على عودة اللاجئين، فغير وارد في الوقت الحالي. اسرائيل تريد الاحتفاظ بالمكاسب المادية الهائلة التي سلبتها من الفلسطينيين، وتريد الحفاظ على كيانها العنصري الذي يقوم على مبدأ النقاء اليهودي. وهي بذلك تكون آخر معقل في العالم للمبادىء العنصرية بعد سقوط المانيا النازية وايطاليا الفاشية وجنوب افريقيا العنصرية. ان نظرة جدية لحال العالم اليوم وفي المستقبل القريب، تبين انه ليس هناك مستقبل لاسرائيل العنصرية، فالعالم يصغر كل يوم بالاتصالات، ويتبادل الافكار والتجارة، ويجسد حقوق الانسان ويهتم بكل اغتيال لها في اي مكان. وقد يأتي يوم ليس ببعيد نرى فيه قطاعات متنورة من اليهود في اسرائيل ترفض فيه الافكار العنصرية وتتصارع مع من الفئة الغالبة حاليا والمتمثلة في الصهيونية الدينية والصهيونية العلمانية المتطرفة. ثم ان هناك العنصر الفلسطيني في اسرائيل الذي يتزايد ثقله السياسي. كل هذه العوامل تجعل مقاومة اسرائيل للديمقراطية والمساواة في الحقوق بغض النظر عن العرق والدين مقاومة يائسة مصيرها الانهيار.
لكن أكبر قوة لدي الشعب الفلسطيني لاسترجاع حقوقه هي اصراره على العودة، ذلك الاصرار الذي يتوارثه الابناء عن الأباء، ليس عاطفة فقط بل علما ومعرفة وتنظيما. هذا الاصرار هو الثروة الحقيقية وهو وقود الطاقة التي لا تنضب على طريق العودة.