السلام عليكم ورحمة الله،
ها أنتم هنا في الكويت العزيز تقفون مرة أخرى إلى جانب حق الشعب العربي الفلسطيني في أرضه ووطنه وهو الموقف الذى وقفه الشعب الكويتى الأصيل دون انقطاع منذ ثورة البراق والاعتداء على المسجد الأقصى المبارك عام 1929.
وها هى غزة الباسلة، الصامدة، البطلة تقف في وجه عدو استعمارى نازى صهيونى يريد لها الفناء. ترون على الشاشات أشلاء أطفال متناثرة، وأطفال بهم رمق من حياة يتشبثون بأمهم الشهيدة، جثامين مدفونة تحت الركام، وأخرى ملقاة في الشوارع تعبث بها الكلاب والفئران، وجرحى لا يتمكن أحد من الوصول إليهم الإ بعد أيام، ينزفون حتى الموت.
هذه مشاهد مروعة، لم نراها ولم نسمع عنها منذ أيام هولاكو ومذابح التتار. هذه مشاهد مروعة تقع أمام أعيننا. تحرّك مشاعر العالم الحر الشريف. ولكنها لم تحصل في منابر الدول الاستعمارية ولا في إعلامها، ما حصلت عليه أشفتز وتربلنكا من اهتمام وتكرار متواصل.
أهل غزة الذين وصل عددهم إلى أكثر من مليون ونصف يستغيثون ودماؤهم تسيل. يقول الاعداء أن أصابات المدنيين لابد منها لان غزة مكتظة بالسكان. ولم يكلفوا أنفسهم مشقة الاجابة على السؤال: لماذا هى مكتظة بالسكان؟ والجواب سهل. عندما دخل الجيش المصرى عام 1948 لإنقاذ أهل فلسطين من العصابات الصهيونية سيطر على 14,000 كم2 هى نصف فلسطين الجنوبي، كلها عربية، وتمتد من خط اسدود الخليل شمالاً إلى العقبة جنوباً. ولكنه أنهزم وبذلك تمكن الصهاينة من طرد أهالى نصف فلسطين الجنوبى باقتراف مذابح الدوايمة وإسدود وبيت دراس وبئر السبع وغيرها. طرُد أهالى 247 مدينة وقرية ولجأوا إلى البقعة الوحيدة التى تمكن الجيش المصرى من الاحتفاظ بها وهى قطاع غزة ومساحتها 360 كم2. وهو يساوى 1% (فقط) من مساحة فلسطين. وللمفارقة فإن سكان قطاع غزة اليوم يساوى عدد سكان فلسطين كلها عام 1948.
وهكذا فإن أهل غزة اليوم يمثلون فلسطين كلها. وهذا فعلاً وليس مجازاً. لانها البقعة الوحيدة التى لم تحتلها إسرائيل عام 1948 وبقيت فلسطينية، فقد احتلت إسرائيل 78% من مساحة فلسطين والباقى وهو الضفة (21%) ضمت إلى الأردن. أما 1% في قطاع غزة فقد بقى فلسطينياً تحت الإدارة المصرية حتى عام 1967. وفيه قامت أول محاولة لإقامة دولة فلسطين المستقلة في المؤتمر الوطنى الذى عقد في اكتوبر عام 1948. وفيه نشأت أول مقاومة فدائية في الخمسينات بعد النكبة مباشرة، وفيه نشأت أول حركات وطنية سرية، من بينها بوادر فتح الأولى. وفيه أقيم أول مجلس تشريعى فلسطينى عام 1961. وفيه نشأت شرارة الأنتفاضة الأولى عام 1987.
ومن هنا صبت إسرائيل جام غضبها على قطاع غزة. لماذا؟ لان العقيدة الصهيونية التى لم تتخل عنها منذ 90 عاماً تقول إنهم يريدون أرض فلسطين بدون أهلها. وهو تحقيق لخرافة فلسطين أرض بلا شعب.
الآن وقد استولوا على أرض فلسطين بكاملها بقيت المقاومة لهم شوكة في خاصرة إسرائيل. ولم تتمكن إسرائيل من طرد كل الشعب الفلسطيني من أرض فلسطين. والأمر الواقع الآن أن حوالى نصف الشعب الفلسطينى في العالم لا يزال يعيش على أرض فلسطين التاريخية، منهم 12% داخل دولة إسرائيل تحت المراقبة الشديدة، 18% في الضفة تحت المراقبة المباشرة وغير المباشرة، و12% في غزة وهى التى ترفض الاستسلام وتطالب بحقها في الوطن والعودة إليه.
وغزة ترفض الاستسلام أيضاً لان 80% من سكانها هم لاجئون ضحية التنظيف العرقى الاسرائيلي، ويطالبون ببيوتهم وأرضهم في تلك الأرض، ويا للمفارقة، التى يقصفونها بما تمكنوا من صنعه محلياً، هى أرضهم في بئر السبع والمجدل وأسدود وغيرها. والقضاء على هذه المقاومة هو هدف أساسى لإسرائيل منذ عام 1948. انظروا إلى تاريخ إسرائيل الدموى. شارون اقترف مذبحة مخيم البريج عام 1953، وفي خان يونس عام 1956، وفي عام 1971 دمر معظم مخيمات اللاجئين في جباليا وفي عام 2002 دمر مخيم جنين. وخلال 6 عقود دمرت إسرائيل مخيمات في الضفة ولبنان والأردن. لماذا؟ لانهم هؤلاء هم أصحاب الحق وأصحاب الديار التى يطالبون بالعودة إليها. ولذلك يجب إبادتهم.
ولذلك فإن تدمير غزة ليس عفوياً، وليس بسبب صواريخ يدّعون بها الآن، ولم تكن بسبب الفدائيين عام 1950. ولكن بسبب المقاومة وبسبب الإصرار على الحق في الوطن والديار. هذا الحق الذى أسقطه كل من حولهم بذريعة الواقعية، وإذا كشفنا عن وجه هذه الذريعة نجد أن اسمها الحقيقى هو التخاذل والمهانة. من يهن يسهل الهوان عليه – مالجرح بميت إيلام.
ومن المدهش حقاً أن المصاب بالقتل والدمار هو الذى يصر على المقاومة ويطالب بدعمها، وأن الجالس على الكراسى الوثيرة بعيداً عن الخطر هو الذى يدعو إلى الاستسلام.
وقبل هذه الحرب المدمرة الدائرة الآن بسنتين على شعب أعزل، فرضت إسرائيل حصاراً مشدداً على قطاع غزة. تمنع عنه الغذاء والدواء والماء والكهرباء وتقننه بحيث يكون الموت بطيئاً حتى لا يكشف. والآن لا تستحى إسرائيل فأصبح الموت مناجئاً مدمراً فاجعاً تستعمل فيه أدوات الحرب الشيطانية الممنوعة.
وصباح اليوم تفاجئنا الأخبار أن الارهابية التى اغتالت القادة الفلسطينيين في أوربا في الثمانينات، تسيبى لفنى، ابنة الارهابى في عصابة إرجون الذى اقترف مذبحة دير ياسين، أتفقت مع الراحلة كوندوليزا رايس على بنود من أعجب الاتفاقيات الدولية. فهذه الاتفاقية تسخر قوات الناتو والأساطيل البحرية في خليج عدن ومضيق هرمز والبحر العربي لتمنع وصول إمدادات إلى غزة من أى نوع ومن أى بلد في العالم وتأمر القوى الاقليمية، وتذكر الرئيس مبارك بالاسم وليس مصر، بأن تؤدى دورها في هذا الحصار.
إذن هم أوقفوا النار، لآن الضحية لم يستسلم ولكنهم لم يوقفوا الحصار، بل اشتد وتوسع واشترك فيه فرقاء كثيرون.
لكن الحصار جريمة حرب. تقول المادة 8 من قانون محكمة الجرائم الدولية، "يعتبر الحصار والتجويع وإعاقة وصول مواد الإغاثة من جرائم الحرب ". والحصار أيضاً جريمة إبادة. تقول المادة 6 من نفس القانون. "تعتبر الإبادة تطبيق ظروف معيشية على شعب بغرض تدميره جزئياً أو كلياً". ومن أين لهذا القانون أن يطبق ما دام الجانى هو القاضى.
أما الاسلحة الفتاكة التى استعملت ضد المدنيين مثل القنابل الفوسفورية والدمدمو GBU–39 فهى محرمة دولياً. الفوسفور الأبيض يحرق الجسم ولو بعد ساعات. يقول الاطباء إنهم كلما خيطوا جرحاً طوله 2 سم أنفتح بعد ساعة وأصبح 10 سم. وهذه القنبلة GBU-39 لا يسمع لها صوت إنفجار، ولا يدرى أحد بها عند سقوطها. وفجأة يحس الأهالى بأن الأرض قد زلزلت تحت أقدامهم وأنفتحت هوة كبيرة كانها فوهة بركان.
ومن أين لإسرائيل بهذه الأسلحة الفتاكة؟
قبل عدة شهور من هذه الحرب خططت إسرائيل لها عندما وافقت على التهدئة لمدة 6 شهور. وفي اثناء هذه المدة طلبت إسرائيل 1000 قنبلة من هذا السلاح (GBU-39) من امريكا ووردته امريكا لهم في الاسبوع الأول من ديسمبر الماضى (فقط) أى قبل اسبوعين فقط من بداية الحرب على غزة وأدخلته في أسلحتها واستعملته ضد غزة في 27/12.
أقول هذا كله لأنبه إلى الضرورة القصوى لمطاردة مجرمى الحرب في المحافل الدولية دون هوادة. فإذا كانت مدافع العرب قد سكتت عن الكلام مع أنها تكلفت بلايين الدولارات، فلا عذر لأحد في عدم مطاردة مجرمى الحرب.
والاسباب واضحة:
أولاً: كل المواد والأدلة المطلوبة لجرائم الحرب موجودة.
ثانيا: القوانيين الدولية تطورت بحيث تسمح لاى دولة وقعت على ميثاق روما لعام 1998 بمطاردة المجرمين.
ثالثاً: هذه العملية غير مكلفة، لا تكاد تساوى ثمن دبابة علاها الصدأ أو طيارة رابضة على أرض المطار.
رابعاً: هى السلاح المتوفر والمقبول عالمياً لدى الرأى العام، وغير المدموغ بصفة الارهاب.
لكن هذا عمل الجهات المتخصصة الذين يحتاجون فقط إلى المؤازرة.
اجتماعنا اليوم هو لمؤازرة أهلنا في قطاع غزة وفي كل فلسطين، لكى ندعم صمودهم ونثبتهم على أرضهم.
يجب الأ ننسى أنهم رمز قضية فلسطين كلها، ورمز الشعب الفلسطيني الذى تريد الصهيونية إفناءه. المقاومون اليوم من حماس وكافة الفصائل، ولكنهم أمس في الثمانينات والسبعينات في لبنان كانوا من فتح، وقبلها في الخمسينات والستينات في فلسطين كانوا من الفدائيين. إذن عدو إسرائيل الدائم هو من يدافع عن وطنه وعقيدته وشرفه، وليس المهم ماهى اليافطة التى يرفعها. هذه قاعدة يجب الأ ننساها أبداً. الدفاع عن الوطن هو واجب ودَيْن وفريضة وخُلق إنسانى.
ونحن إنما نساعد أهل غزة إنما نساعد أنفسنا لاننا جزء من هذا الشعب العربي. وجزء من الوطن العربي. ونحن لا نساعد لاننا الصليب الأحمر، نعدّ القتلى ونضمّد الجرحى. وإنما نساعد لكى يتمكن أهلنا من الصمود على أرض الوطن والتمتع بالحرية على أرضه كأى شعب في العالم. ولا نقبل المهانة في وطننا ونحن أمة عربية تجاوز عددها 300 مليون وأمة أسلامية تجاوز عددها المليار.
وإذا كان شعب فلسطين قد صمد 90 عاماً في أطول حرب ضد شعب أعزل في التاريخ، فليكن دورنا أن نمده بوسائل الصمود، ولا أستثنى منها شيئاً.
لقد كان الشعب العربي دائماَ أول المدافعين عن الوطن: في مصر أيام الانجليز في الخمسينات وفي الجزائر في الستينات وفي اليمن في عدن ضد الانجليز في الستينات وفي لبنان ضد الغزو الإسرائيلي في العقدين الأخيرين. وفلسطين قبلهم وبعدهم لا تزال صامدة. وانتم من هذا الشعب مهما أرجف المرجفون. وليكن للأنظمة العربية دورها ولتأخذ وقتها في التفاهم وفي الخلاف. لكن الشعب العربي لن يتوقف ليناقش ويجادل بل خرج كله إلى الشوارع بمئات الآلاف ليؤكد وحدة أقطاره ومشاركته في نصره أهل غزة بالدم والمال والمعنى.
وأنتم هنا في الكويت كنتم دائماً في الطليعة قبل استقلال الكويت بعقود وبعده أيضاً، دون توقف. ولن يكون الدم العربي رخيصاً حتى لو اجتمعت عليه كل قوى الشر. وسينتصر الشعب الفلسطيني وسيستعيد حقوقه مهما طال الزمن.
وأقول في الختام ما ضاع حق وراءه مطالب. والسلام عليكم ورحمة الله.