في شهر كانون الاول/ديسمبر الماضي، إجتمع فرقاء المصالحة لبدء إعادة الحياة إلى مسيرة الشعب الفلسطيني السياسية، التي تعطلت خمس سنوات دون مبرر وطني ودون مسائلة كل طرف عن دوره أمام الشعب الفلسطيني كله.
وفهمنا أنه في هذا الاجتماع سيقرر الامناء العامون للفصائل، وأهمها فتح وحماس، وباقي الفصائل القديمة والجديدة، برنامج انتخاب مجلس وطني جديد يمثل الشعب الفلسطيني كله، الذي من المؤمل أن يتم في النصف الأول من عام 2012.
ولكن تعثرت محاولات المصالحة مرة أخرى، وأصبحت الحياة السياسية للشعب الفلسطيني مشلولة مرة أخرى. وأصبح الشعب الفلسطيني كله في الشتات وعلى أرض الوطن رهينة هذه الاختلافات، مع الاحتفاظ برأينا عن المسؤول عنها.
وفي هذه الاثناء، تؤخذ اجراءات لدى الامم المتحدة والمجتمع الدولي، وتعقد اجتماعات برعاية وكيل إسرائيل تحت مسمى 'اللجنة الرباعية'، كما تعقد اجتماعات مع إسرائيل مباشرة، رغم البيانات الصارمة بأنه لا مفاوضات مع إسرائيل دون إيقاف الاستيطان.
ورغم تقديرنا الكبير للنجاح الكبير في عضوية فلسطين في اليونسكو، إلا أن كل هذه التحركات والاجراءات تمت دون تفويض من الشعب الفلسطيني. وهذا خطأ وخطيئة.
وحتى لا نستمر في هدم أو تجاهل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية منذ إتفاق أوسلو المشؤوم، يجب الأخذ في الاعتبار الحقائق الآتية:
أولاً: إن سبعين في المائة من الشعب الفلسطيني مغيّب عن أخذ زمام أمره، منذ انتخابات السلطة في رام الله، وهي السلطة التي يقتصر دورها على الشؤون المعيشية للفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، منهم 18' في الضفة و13' في غزة. وتضخمت أدوار السلطة تحت الاحتلال بتشجيع من الدول الغربية وإسرائيل، بحيث أصبحت تدعي تمثيل الشعب الفلسطيني كله، مع أن قيادتها لم ينتخبها أحد، خارج مناطق السلطة المحتلة.
وأدى ذلك إلى حالة من الإحباط الشديد لدى باقي الشعب الفلسطيني وإلى عدم الاعتراف بقرارات تلك السلطة من خلال بيانات ومؤتمرات وقرارات تصدر بين الحين والآخر ضد تصرفاتها. وأصبح الحال أن غالبية الشعب الفلسطيني في واد، وأن رموز السلطة في واد آخر مع الدبلوماسية الغربية والعربية. هذا الانفصام القاتل جرد الشعب الفلسطيني من مكاسبه التي وصلت إلى قمتها في الأمم المتحدة عام 1974.
ثانياً: إذا استمر هذا النهج في تجاهل الشعب الفلسطيني، وترك زمام انتخابات المجلس الوطني لفصائل بعضها لا وجود له على أرض الطبيعة وبعضها لا يحظى بدعم شعبي، فمعناه أن المجلس الوطني الجديد سيفصّل على مقاس الحاضرين فيه من الفصائل القديمة والجديدة، إما باستعمال نظام الكوتا المرفوض جملة وتفصيلاً، أو بالمساومات والترضيات، وهذا مرفوض ايضاً.
ثالثاً: إن كافة أعضاء الفصائل المنظمة تنظيماً حزبياً، بمن فيهم الفصائل الفعالة اليوم على المسرح السياسي والآخرى غير الفعالة، لا يتجاوز عددها 100.000 شخص بأي حال، أو 1' من الشعب الفلسطيني. ولو ضاعفنا هذا الرقم خمس مرات، فإنه لا يتجاوز 5' من المجموع. وعليه فإن مسؤولية اختيار قيادة الشعب الفلسطيني، يجب أن تقع على عاتق المكوّن الشعبي الواسع الذي سينتخب هذه القيادة، ولا يعود اختيار القيادة على الراغبين في انتخاب انفسهم. إن تعارض المصالح بين الطرفين خطأ سياسي ومخالفة قانونية. ولذلك فإن من الواجب، أن تساهم هذه الغالبية الشعبية غير الممثلة في إتخاذ القرارات الآن بالدور الأكبر في التحضير للانتخابات، وذلك عن طريق تمثيل كل الجاليات الفلسطينية في هذا العمل.
رابعاً: إن ظروف الانتخابات في بلاد مختلفة لا يدرك أبعادها ولا يقدر على حلّها إلا الفلسطينيون في كل من البلاد المختلفة على حدة. وترك هذه المهمة للجنة أو مجموعة فصائلية بعيدة عن الواقع جغرافياً وفكرياً لن يؤدي إلى أي نتيجة مفيدة.
خامساً: إن تجاهل الشعب الفلسطيني في الداخل (فلسطين 1948) الذي تمسك بأرضه ولم يغادرها عام 1948، أمر لا يغتفر، كأنما اعتبر هؤلاء وافدون أو غرباء. لقد مرت مرحلة في بداية التسعينات كان يبدو فيها أن هذا الرأي صائباً. ولكنه الآن خطيئة. أما المحذورات في هذا الموضوع فهي معروفة وبالإمكان معالجة هذا الأمر بشيء من الحكمة.
سادساً: إن ما أسميه 'اغتيال' دوائر المنظمة بعد أوسلو، وخصوصاً دائرة اللاجئين، هو من أكثر الأعمال تخريباً للمنظمة. فالمنظمة انشأها عام 1964 اللاجئون المطالبون بالعودة إلى ديارهم. وهي بذلك منظمة اللاجئين. وتقلصت المنظمة بعد التشبث بفكرة دولتين إلى حجرها في دائرة 'اللاجئين' مفرغة من محتواها، لا تتولى دوراً لخدمة اللاجئين ولا نفوذ لها عندهم وليس لها أي تواجد ذو شأن في المخيمات، وليس لها أي دور سياسي أو برلماني أو قانوني. وقد قامت بسد هذا الفراغ، حينما تخلت المنظمة عن واجباتها، لجان حق العودة التي انتشرت في جميع انحاء الشتات، وقامت بدور رائع في التعريف بقضية اللاجئين وحق العودة.
ولذلك فإن غياب اللاجئين عن القيام بدورهم في اختيار ممثليهم لا يمكن القبول به تحت أي ظرف. ولقد أحجم اللاجئون عن إتخاذ اجراء انفرادي سابقاً، كيلا يقال أن هذا يشق المنظمة الغائبة، وذلك انتظاراً لليوم التي تتم فيه انتخابات نزيهة للمجلس الوطني.
سابعاً: إن مساهمة الشتات في التحضير للانتخابات وتنفيذ اجراءاتها هو أيضاً تذكير لهؤلاء الذين فقدوا الذاكرة من 'السياسيين المحترفين' الذين خلقوا كارثة أوسلو، بأن فلسطين تمتد من رأس الناقورة إلى ام رشرش ومن رفح إلى البحر الميت، وأن أهلها هم الفلسطينيون الذين يعرفون أين هي ديارهم وقراهم، وانهم لن يقبلوا تحييدهم عن هذا المسار. وأن قضيتهم ليست مقايضة دونم بأرض محتلة عام 1967 بأرض محتلة عام 1948، وليست نزاعاً على حصتهم من المياه، وليست قضية تنظيم المعابر تحت الاحتلال الإسرائيلي. يجب أن تعود فلسطين التي نعرفها إلى الواجهة. وهؤلاء الذين فقدوا الذاكرة يجب أن يذهبوا هم إلى عالم النسيان.
ثامناً: إن من أول واجبات المجلس الوطني الجديد هو العودة إلى الجذور واسترجاع الحقوق، وهذا يستدعي محاسبة كل من أخل بهذا الواجب خلال العشرين سنة الماضية. وإذن فكل من عليه شبهة معروفة يجب الا يكون له أي دور في الانتخابات. وعليه لا يعقل أن يكون بعض المنظمين للانتخابات أو المسيطرين عليها بشكل أو آخر هم من الذين يعلم الجميع أنهم سيخضعون للمحاسبة عن الإخلال بالواجب الوطني.
تاسعاً: يجب أن تكون برامج ولجان انتخابات المجلس الوطني مستقلة استقلالاً تاماً. ولا يكون لدى السلطة أي دور فيها، إلا فيما يتعلق بتنظيم الانتخابات محلياً في اراضي الضفة المحتلة.
عاشراً: باستثناء دوائر التعليم والصحة والبلديات التي كانت تعمل بكفاءة قبل وصول السلطة، حتى تحت الاحتلال الإسرائيلي المباشر، فإن بعض دوائر السلطة الجديدة تحتاج إلى تنظيف بالكامل، وحتى الإلغاء والمحاسبة القانونية، وبها من الفساد الوطني والأخلاقي والمالي ما يجب اجتثاثه من جذوره.
لقد عششت الجرائم الجنائية في بعض مناطق السلطة (أ) وفي بعض مناطق الضفة (ج) التي لا تسيطر عليها السلطة. وأول عمليات التنظيف الوطني هو الكشف الكامل عن دور 'الأمن الوقائي' الذي يعمل في خدمة إسرائيل وضد شعبه، وهو أمر يخجل له كل من كان فخوراً بالتاريخ الفلسطيني. وعلينا أن نتذكر أنه عندما عاقبت أمريكا فلسطين بسبب عضوية اليونسكو، قطعت عن الشعب إعانات المعيشة والخدمات، وأعادت تمويل المقاول الأمني الباطن لخدمات إسرائيل فقط.
إن من المحزن حقاً أن القطاع الشرقي من فلسطين (المعروف باسم الضفة الغربية) الذي أشعل ثورة 1936 وأبقى على أرضه نظيفة من الاستيطان اليهودي، إلى حين ضمه إلى الأردن عام 1950، يصبح الآن بؤرة لكل أنواع الفساد. والمتمسكون بوطنهم فيه ووطنيتهم يعانون أشد المعاناة من العدو الصهيوني ومقاولوه.
إننا نعول كثيراً على وطنية الكثير من ابناء الشعب الفلسطيني وهم كثر والحمد الله. ويجب الأ نجعل من الإحباط الذي يسود بعض الاوساط الفلسطينية اليوم، أو من الاستفراد بالقرار خارج التمثيل الفلسطيني فرصة أو عذراً لاستمرار الأحوال التي أودت بنا إلى الوضع الحالي.
ويجب أن يدرك الجميع فعلاً، وليس قولاً، أن فلسطين أكبر بكثير من أي من مكونات أحزابها السياسية، التي مهما كبرت فهي لا تزال صغيرة جداً، وهذه الأخيرة بالطبع لا تملك حق القرار المنفرد عن شعب فلسطين، ولا تملك الخبرة أو الحكمة الشاملة التي يوفرها لها دور الشعب الفلسطيني كله في تقرير مصيره.
كما أن أفراد الشعب الفلسطيني في كل مكان مطالبون أيضاً بالقيام بدورهم الحقيقي والفعلي، وتسلّم زمام أمورهم عن طريق تكوين لجان ومجموعات في كل أماكن الشتات للمطالبة بتمثيلهم، إذ لا تكفي الأعمال السلبية من انتقاد أو شكوى. ولو قام كل فرد بدوره لما وصلنا إلى هذا الحال. والثقة عظيمة في أن هذا الشعب المناضل منذ مائة عام لن يتخلى عن دوره التاريخي.
' المنسق العام لمؤتمر حق العودة