ترجمة وتقديم: علاء الدين أبو زينة
لسنا نجهل، نحن العرب، حكاية "التغريبة"، أو "التشريقة" أو "التشميلة" الفلسطينية الطويلة (أو سمها ما شئت)، لأنها غيرت أقدارنا جميعاً ودخلت في نسيج معاشنا اليومي، من المحيط البعيد إلى الخليج المشتعل. وهي حكاية بدأت وقصد منها أن تنتهي بعد السطر الأول، لكنها ما تزال قيد النسيج، مثل نسيج "بينلوبي" التي ظلت تغزله وتنقضه لتخدع الزمن والخاطبين في انتظار عودة أوديسيوس من رحلة غيابه الطويلة.. وعلى غير ما صار إليه قدر الهنود الحمر الذين طحنتهم الآلة الاستعمارية الأميركية وأسكتت صوتهم، وعلى الرغم من فظاعة آلة الإبادة والتطهير العرقي الإسرائيلية التي لا تقل بشاعة، تمكن الفلسطينيون من تدبر أمر البقاء.. وتوارثوا انتماءهم وحنينهم إلى فردوسهم المفقود جيلاً وراء جيل. وعندما طوت الأيام الآباء والأمهات والأجداد والجدات الذين هاجروا تحت سياط الرعب، لم تسقط مفاتيح البيوت المسلوبة المصلوبة على جدران الأبناء والأحفاد، متشوفة لأبواب البيوت. ولم تذهب الحكايات والأغنيات والمواويل القديمة وحبال الرقص التي ما تزال تمتد في ساحات أعراس الفلسطينيين، خارجة من شجن الغربة في مخيمات الشتات. لكن العالم لا يريد أن يرى ولا أن يسمع. ومع أن أبناء الشتات الفلسطيني يمتدون ملء العين على مساحة العالم، ويكاد المرء تصادف أحدهم عند أي زاوية من الأرض، وتملأ مخيماتهم ودماؤهم شاشات التلفزة، فإن العالم ما يزال ينكر، بصلف، وجود هؤلاء، أو هو ينكر عليهم فلسطينيتهم وحقهم في امتلاك الحق. لذلك، كان لا بد من تكرار الحكاية، تكراراً غير منقطع لا مندوحة عنه ولا مناص، على مسمع عالم متغافل، عله يسمع أو يعترف بأنه يسمع.
وإذن، أصبحت الحكاية هي أداة البقاء الفلسطيني، وأصبحت المسألة مسألة قوة الحكاية الإسرائيلية، ولو أنها زائفة، في مقابل حكاية الفلسطينية كانت غائبة، ولم يكن يحكيها سوى حضور الفلسطينيين نفسه. كانت الحكاية الصهيونية المشغولة بعناية، هي التي جعلت العالم يفهم المذابح التي ارتكبتها العصابات الإرهابية الصهيونية على أنها عرَض جانبي وخسائر حرب يتعذر تجنبها في سياق حركة تحرر وطني لشعب طريد ومضطهد، بينما صورت النضال الفلسطيني من أجل البقاء في الأرض على أنه الإرهاب الذي يحرم اليهودي-الضحية العائد إلى أرضه من نعمة الدعة والاستقرار في الدار. فمرة، ليس هناك "شيء اسمه الشعب الفلسطيني"، كما قالت غولدا مئير ذات يوم. ومرة، هناك الكثير جداً من الفلسطينيين المتطفلين الذين يهددون وجود إسرائيل نفسه!! وكأنما جاء هؤلاء من أصلاب الأشباح التي كانت تجوس، أطيافاً بلا أجساد، في "الأرض التي بلا شعب!"
أخيراً، ومتأخراً، بدأنا ننتبه إلى سطوة الحكاية، فجاءت دعوة الراحل إدوارد سعيد القوية "على كل فلسطيني أن يروي قصته" لتلخص المطلوب. ومع أن المبدعين العرب حاولوا تسجيل القصة من أولها، إلا أن ذلك التسجيل كان قليل التأثير لسبب بالغ الأهمية، وبسيط جداً: المتلقين. كان المبدعون العرب يقصون الحكاية على أناس يعرفونها. أما العالم المؤثر والرأي المتحمس لما يدعى بالحق الصهيوني، فلم يكن يسمع شيئاً، ولم نكن نعرف كيف نخاطبه وبأي لغة.
اليوم، بدأ المشهد يتغير قليلاً. ثمة أصوات تعرف مزاج الغرب وكيفية مخاطبته بلغته هو، وتنطق بالمسكَت وترفع الصوت نيابة عمن لا صوت له. وهناك وسائل الاتصال التي باتت تنقل الصورة الأخرى، رغماً عن كواتم الصوت وعصابات الأعين، بسبب انهيار الحدود أمام انسيابية الأثير. وعلى الصعيد الفلسطيني، أصبح هناك، كما لاحظ إدوارد سعيد، مشهد ثقافي يحاول أن يتكامل لتكتمل الحكاية. ثمة اليوم، كما لاحظ، مسرح فلسطيني وسينما فلسطينية، وشعر فلسطيني ورواية فلسطينية. وهناك إلى ذلك أشخاص يتسلحون بالوثيقة والمنطق والأطروحات المتماسكة ممن يعتلون المنابر التي كانت حكراً على رواة مخصوصين لحكاية مكرورة، ولو مزاحمين بالأكتاف، ويأخذون على عاتقهم مهمة مخاطبة جمهور مستهجن سلفاً، تربى على سماع القصة الأخرى.
أما وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. "اليونوروا" أو "وكالة الغوث" أو "الوكالة" بكل بساطة كما نعرفها، فكانت ورقة التوت التي حاول بها المجتمع الدولي العارف بجريرته أن يغطي سوءته، فغطى بها سوءاتنا. ولعل أقرب صورة يتذكرها بعضنا عنها، هي تلك الصورة المضحكة المبكية: سراويل إخوتنا الكبار اللواتي كانت الأمهات اللاجئات يحكنها من "خرايط الطحين" المصنوعة من "البفت" الأبيض، وقد انطبعت على مؤخراتها اليدان المتصافحتان الشهيرتان وخطوط العلم الأميركي. ويذكر الكثيرون منا خيام البؤس الغارقة في وحول المخيمات وهي تصارع المطر والليل والريح، والنساء اللواتي يتبادلن الأحاديث المرتجلة في باحات مراكز توزيع "المؤن" التابعة للوكالة، في محاولة لتزجية الوقت بالكلام حتى استلام حصتهن من علب السردين والطحين و"بقج" الملابس المستعملة: "أنا من عقبة جبر"، "أنا من اليامون" و"أنا من الطنطورة...". كان ذلك طقساً يشبه التسوّل، لكنه كان البديل الوحيد أمام الذين خرجوا عراة إلا من قمصانهم على أمل العودة إلى البيت بعد أيام أو أسابيع. وكانت المفارقة أن يكون "كرت المؤن" الذي وسم هؤلاء بوصمة "لاجئ"، هو نفسه الوثيقة التي احتفظت للفلسطيني المطرود بفلسطينيته. وأصبحت "وكالة الغوث" التي قصد منها أن توطن الفلسطينيين المُبعدين في بلدان الشتات إلى غير رجعة هي الجهة التي وثقت لجوءهم وأصولهم وأسلافهم وأخلافهم. ومع كل الأزمات التي مرت بها هذه الوكالة، ظل لزاماً عليها أن تبقى، كما يبدو، حتى تنجز مهمة عودة نفس الناس الذين انخلقت حتى تقطع عليهم سبل العودة.
عن حق العودة، وفلسطينية الفلسطينيين، ودور وكالة الغوث، وتفكيك الأسطورة في الحكاية الإسرائيلية، ونسف المقولات عن استحالة عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، تحدث رئيس هيئة أرض فلسطين، الدكتور سلمان أبو ستة، أمام مؤتمر دولي في لندن في الذكرى الستين لانشاء وكالة الغوث، حضره عدد كبير من السياسين والباحثين والناشطين البريطانيين يوم السادس عشر من شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بتنظيم مركز العودة الفلسطيني. وجاءت محاضرته مؤيدة بالخرائط التوضيحية والصور والحقائق والوثائق، لتضيف فصلاً مهماً إلى الحكاية الفلسطينية التي في طور الكتابة.
وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اليونوروا): الجندي المجهول لندن، 16 كانون الأول (ديسمبر)، 2009 سلمان أبو ستة مؤسس ورئيس هيئة أرض فلسطين، لندن
للقضية الفلسطينية سمة مخصوصة: إنها أشبه بمسرحية دائمة العرض، وأطول بكثير من مسرحية "مصيدة الفأر" المعروفة في لندن، ولو أنها أكثر تراجيدية.. ثمة الممثلون يتغيرون، لكن القصة نفسها تستمر.
إذا كنتم قد فوّتم مشاهدة كافة الأحداث منذ الحرب العالمية الأولى، فلا بد وأنكم شاهدتم المذبحة التي ارتكبت في غزة في شهر كانون الأول (يناير) الماضي. إنها صورة مكرورة لأحداث سابقة، وهي تعيدنا وراءاً إلى البدايات.
في أعقاب الحرب العالمية الأولى، أنعمت عصبة الأمم على الفلسطينيين بـ"أمانة الحضارة المقدسة" المنوطة بها، والتي وضعت فلسطين بموجبها تحت الانتداب من الفئة "أ"؛ أي، أنها ستكون مهيأة للاستقلال بمجرد أن تنجز قوة الانتداب، بريطانيا، مهمتها المتمثلة في مساعدة فلسطين على بناء مؤسساتها. ولم تنته تلك المهمة حتى اليوم، وما تزال فلسطين واقعة تحت وصاية الأمم المتحدة وضمن مسؤولياتها.
لماذا لم تنته المهمة بعد 92 عاماً؟ لأن تلك القوى التي وعدت بحمل وصيانة "أمانة الحضارة المقدسة" هي نفس الجهات التي خانت تلك الأمانة. لقد أصبح الحارس والوصي هو الجاني. ونتيجة لذلك، عانى الشعب الفلسطيني من أطول حرب شنت أبداً ضد شعب، 92 عاماً وما تزال مستمرة، بهدف حرمانه من ميراثه وحقوقه غير القابلة للتفريط أو الإنكار
عملت قوة الاحتلال، بريطانيا، ممثلة بهربرت صامويل الصهيونى Herbert Samuel، أول مندوب سام بريطاني في فلسطين، وخلال فترة انتدابه الأولى، 1920-1925، على تأسيس المؤسسة القانونية ومكونات دولة إسرائيل. وبالإضافة إلى ذلك، وخلال السنوات الثماني والعشرين التالية، سمح الانتداب البريطاني لليهود الأوروبيين بالهجرة إلى فلسطين، ليزيد بذلك نسبة عدد السكان اليهود من 9% إلى 30% من مجموع السكان. وعلى نحو أكثر شؤماً، بنى اليهود الصهاينة جيشاً من 120.000 جندي بحلول نهاية فترة الانتداب، أو 20% من مجموع اليهود، والذي يعادل 15 ضعف المعدل في أي دولة. ويقارن هذا العدد من الجنود بالقوات الأميركية في أفغانستان، وهي الأوسع والأكبر بما لا يقاس. وفي العام 1948، وثب هؤلاء على فلسطين، ونفذوا أضخم وأطول عمليات التطهير العرقي المبيتة، وأكثرها استمرارية في العصر الحديث. تلك كانت "النكبة".
الخريطة 1 (الخريطة 1) تشريح النكبة المنطقة الزرقاء هي الأراضي التي امتلكها المهاجرون اليهود خلال الانتداب والتي تشكل 5% من فلسطين. والمناطق الحمراء هي الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي شهر أيار (مايو) 1948، عندما أعلن قيام دولته، كان بن غوريون يسيطر على 13% من فلسطين فقط. وقد ارتكبت الميليشيات الصهيونية نصف مذابحها في هذه الفترة. استمر الغزو الإسرائيلي. وقامت إسرائيل باحتلال سبعة آلاف كيلو متر في الجنوب بعد أن وقعت اتفاقية الهدنة مع مصر. وفي غضون ستة أشهر، احتلت إسرائيل 78% من مساحة فلسطين، وأقيمت الدولة على أرض كان 93% منها فلسطينياً.
الخريطة 2 هذا هو حال الأرض المحتلة. فماذا عن الناس؟ (الخريطة 2).
كان أول شيء فعله بن غوريون هو طرد المواطنين الفلسطينيين من الدولة التي خطط لإقامتها. وهذا هو "التطهير العرقى". وجرى طرد نصف كافة اللاجئين قبل تأسيس الدولة، بينما كان البريطانيون يراقبون، دون النهوض للوفاء بالتزاماتهم. وقد حدث ذلك قبل أن يدخل أي جندي عربي إلى فلسطين لمنع عمليات الإخلاء والطرد وارتكاب المذابح، وهو ما ينسف الأسطورة القائلة بأن إسرائيل كانت في حالة دفاع عن النفس.
استمرت عمليات الطرد والترحيل. وتم تدمير 675 بلدة. وقد تزامنت كل عملية طرد وترافقت مع عملية عسكرية إسرائيلية أو مع احتلال جديد. وعندما كانت هناك فترة هدوء، لم يكن أحد يغادر، كما ترون. وإذا كان الناس قد غادروا حسب أوامر العرب كما تقول إسرائيل، فإن الهدنة أو توقف القتال كانت ستشكل وقتاً مناسباً لحزم الأمتعة والمغادرة، لكنهم لم يفعلوا، كما ترون من المنحنى المستوي. وهذا ينسف الأسطورة القائلة بأن الخروج الفلسطيني العظيم لم يكن بسبب الإسرائيليين.
ثمة برهان بغيض ودامغ، هو حدوث أكثر من 70 مجزرة. كانت كل عملية إسرائيلية تترافق بمجزرة أو أكثر. وقد ترافقت تلك المجازر، كما ترون، مع الخروج والعملية العسكرية. وفي النهاية، فقد 800.000 لاجئ أراضيهم. وأصبحوا الآن حوالي 7 ملايين لاجئ، منهم 4.7 مليون لاجئ مسجلين مع "اليونوروا" وتحت رعايتها. هذا هو السبب في أن "اليونوروا" توجد وتبقى حتى ينتهي عملها.
كان أحد رجال السلام البارزين، والذي رأى هذه المأساة وأحس بتأثيرها هو الكونت فولك برنادوت Count Folke Bernadotte، وسيط الأمم المتحدة في فلسطين. وقد عمد الإرهابيون اليهود إلى اغتياله يوم إعداد تقريره النهائي، لكنهم كانوا متأخرين جداً، فقد أصبح تقريره وإرثه حجر زاوية في قرار الأمم المتحدة الشهير رقم 194.
هذا القرار، الذي أكد عليه المجتمع الدولي لأكثر من 130 مرة، وأكثر من أي قرار آخر في تاريخ الأمم المتحده كله، يضم ثلاثة مكونات رئيسية:
- إنه يدعو إلى عودة اللاجئين وإلى تعويضهم.
- إنه يدعو إلى إغاثتهم ومساعدتهم حتى تتم إعادتهم إلى وطنهم.
- إنه يخلق الآلية لتطبيق القرار، لجنة الأمم المتحدة للتوفيق في فلسطين، UNCCP.
لم يكن القرار 194 هو العمود المركزي للقانون الدولي فحسب، وإنما ظل يشكل، على مر السنين، المطلب الرئيسي الذي يطالب اللاجئون بتطبيقه.
أود أن أقرأ عليكم فقرة، من رسالة عثرت عليها في أرشيف "فيلادلفيا"، والتي كان ضابط ميدان في غزة من لجنة خدمة الأصدقاء الأمريكيين في غزة "الكويكرز"، وهي واحدة من أولى منظمات الإغاثة التي قدمت لمساعدة اللاجئين الفلسطيين، قد بعث بها إلى رئيسه الأعلى في فيلادلفيا مؤرخة بتاريخ 12 تشرين الأول (أكتوبر) 1949: (لاحظوا التاريخ)
لما كان من الصعب جداً على اللاجئين هنا أن يتواصلوا مع العالم الخارجي، فإننا نشعر بأننا ملزمون بنقل ما نستطيعه من آرائهم وأفكارهم في الوقت الحالي. إنهم يشعرون بقوة بأن الأمم المتحدة مسؤولة عن محنتهم، وأنها لذلك تتحمل كامل المسؤولية عن إطعامهم، وإسكانهم، وتزويدهم بالملبس، وإعادتهم إلى وطنهم. وهم يرغبون، فوق أي شيء آخر، في العودة إلى ديارهم –هناك إلى أراضيهم وقراهم القريبة في الكثير من الحالات... وبغير ذلك، فإنه لن يكون لهم ما يعيشون لأجله.... إنه أقصى ما يمكن أن تكون عليه أصالة وعمق تشوف الإنسان إلى وطنه.
اليوم، ما يزال صدى ذلك القول يتردد على ألسنة أبناء اللاجئين وأحفادهم، يبرهن على ذلك اجتماعنا الذي نظمه مركز العودة الفلسطيني هنا اليوم. بخصوص هؤلاء الابناء والاحفاد.
مباشرة بعد صدور القرار 194، بدأت مفاوضات لجنة التوفيق في فلسطين التابعة للأمم المتحدة UNCCP في لوزان، واستمرت تلك المفاوضات منذ شهر كانون الأول (يناير) وحتى شهر أيار (مايو) 1949. وبتوقيع بروتوكول لوزان في 12 أيار (مايو) 1949، وافقت إسرائيل أخيراً على خطة التقسيم (القرار رقم 181) وعلى عودة اللاجئين (القرار رقم 194). لكن ذلك كان محض خدعة. فتحت التهديد الأميركي، وافقت إسرائيل، فقط من أجل إنجاز قبول عضويتها في الأمم المتحدة. وبعد يومين من قبول عضويتها في الأمم المتحدة، قدمت إسرائيل شروطاً، والتي "]كان[ هدفها الأول إجهاض بروتوكول 12 أيار (مايو)"، وفقاً لما قاله ممثلها.
يظل هذا التاريخ حاسماً. حيث استقال المبعوث الأميركي الرئيس "إيثردج" Ethridge، الذي أصر على عودة اللاجئين، مشمئزاً. لكن الموقف الأميركي تغير، منذئذ، لينحاز إلى الجانب الإسرائيلي، وشرع بالتحدث عن إجراءات "اقتصادية"، وليست سياسية، مثل خطة مارشال القائمة على "مسح كلاپ الاقتصادي" Clapp’s Economic Survey. وكان الهدف هو إسكان اللاجئين في دول عربية أخرى، وليس في فلسطين. وفي شهر كانون الأول (ديسمبر) عام 1949، تمت الموافقة على وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (التي تدعى اختصاراً: اليونوروا) UNRWA، لتكون خليفة لمنظمات الإغاثة السابقة، ولكن مع فارق واحد: تطبيق توطين اللاجئين بعيداً عن ديارهم. وبعبارات أخرى، أسندت إليها مهمة إدامة التطهير العرقي الذي نفذته إسرائيل. ولم تضيع إسرائيل الوقت من جهتها. فقبل أسابيع فقط من بدء "اليونوروا" عملياتها في شهر أيار (مايو) عام 1950، وشاعرة بأنها محصنة من ضغط المجتمع الدولي عليها للسماح بعودة اللاجئين، أعلنت إسرائيل "قانون أملاك الغائبين" الشامل كلية، والزائف قانونياً بالكامل من أجل اغتصاب ومصادرة كافة أملاك اللاجئين.
استمر تغير مسار لجنة التوفيق في فلسطين التابعة للأمم المتحدة UNCCP، بتحريض من الأميركيين لجعل "اليونوروا" أداة للسياسة الإسرائيلية، طوال السنوات الست التالية أو حول ذلك. جاءت البعثات وغادرت، حاملة عروضاً بملايين لا عدّ لها من الدولارات، وقسمة ذكية للمياة العربية، وضغوط مخفية وغير مخفية مورست على الدول المضيفة، كلها بهدف إقصاء اللاجئين بعيداً عن منازلهم وممتلكاتهم وبلدهم. لكن كل هذا أخفق. ففي الخمسينيات قام اللاجئون أنفسهم بتدمير مخازن "اليونوروا"، وتظاهروا في مراكز التوزيع وهم يهتفون: "لا نريد طعامكم ولا نقودكم، إننا نريد استعادة بيوتنا".
وشرعت جماعات الفدائيين بالعمل في المناطق التي احتلتها إسرائيل من فلسطين وتم تشكيل الجمعيات الوطنية السرية، التي أفضت بعد عشر سنوات إلى قيام منظمة التحرير الفلسطينية.
كيف أصبحت "اليونوروا" إذن ذلك "البطل المجهول الذي لا يحتفي به أحد؟" كان ذلك بسبب مهمتها التي انتدبت لها، بكادرها المخلص الدولي والمحلي، وبإصرار الشعب الفلسطيني.
أولاً، وقبل كل شيء، احتفظت "اليونوروا" بسجل ثمين لكل لاجئ: اسمه، وقريته الأصلية، أفراد عائلته، ومكان نفيه. وتنص المادة 20 من القرار 302 لتأسيس ولاية "يونوروا" على ما يلي:
"تحث الأمم المتحدة ‘اليونوروا’ على التشاور مع لجنة التوفيق في فلسطين، التابعة للأمم المتحدة UNCCP من أجل تحقيق أفضل مصلحة لإنجاز مهمتها، مع إحالة مخصوصة إلى المادة 11 من القرار 194". أي، الحفاظ على هوية الفلسطينيين وحماية حقوق اللاجئين في العودة إلى بيوتهم الأصلية.
يشكل هذا أحد الأسباب التي تجعل الأعضاء اليهود في كونغرس الولايات المتحدة يستمرون بثبات في مهاجمة "اليونوروا"، بسبب مهتمها الخاصة بمراعاة تطبيق قرارات الأمم المتحدة. وفي حين يدير أعضاء الكونغرس هؤلاء أنظارهم بعيداً عندما يجري تعليم الأولاد الإسرائيليين أن يكرهوا العرب، وحين يصدر حاخاماتهم فتاوى لقتل الأطفال والنساء غير اليهود، فإنهم يهاجمون "اليونوروا" ويعاقبونها لأنها تتيح للاجئين تذكر قراهم في فلسطين. وما وصفه ضابط الميدان من "الكويكرز" بأنه "تشوق المرء العميق والأصيل للوطن" يصفه المدافعون عن إسرائيل بأن "باعث على كراهية إسرائيل".
خدم موظفو "اليونوروا" اللاجئين خلال تفجر الجحيم والكوارث، خلال حروب الأعوام 1956، 1967، 1982؛ خلال مذابح خان يونس ومخيمات رفح في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1956، خلال مذابح شارون في مخيم البريج في العام 1953، وفي مخيمات صبرا وشاتيلا في العام 1982، خلال الهجمات الوحشية في مخيم جنين في العام 2002، خلال الصعوبات التي رافقت الانتفاضة، وحظر التجول والإغلاقات. وقد قتل الكثير من كوادرها، وجرحوا وسجنوا أو تعرضوا لإساءة المعاملة على أيدي الإسرائيليين.
لم تفتر همة كوادر اليونوروا، ولا لمرة واحدة، خلال أيام عملياتها البالغة 21.779 حتى اليوم في أدائهم لواجباتهم المتمثلة في تقديم الطعام، والمأوى، والدواء والتعليم، حتى بينما كانت الطائرات والدبابات الإسرائيلية تسقط حقدها على الفلسطينيين. وكان كبار موظفيهم، مثل بيتر هانسن Peter Hansen، كارين أبو زيد Karen Abu Zayd، وجون جينغز John Gings، يقفون مع ضحايا القصف، على ركام منازلهم، بعد دقائق فحسب من الدمار الإسرائيلي.
عملت اليونوروا بموازنة ضئيلة. وقد دفعت القوى الغربية في البدء بكرم، من أجل إزالة ضغط القانون الدولي على إسرائيل حتى تسمح بعودة اللاجئين عن طريق إيجاد مساكن للاجئين في أي مكان في العام إلا في ديارهم. وقد نظروا إلى اللاجئين باعتبارهم "مصدراً لعدم الاستقرار" والذي ينبغي إخماده.
لكن اهتمام القوى الغربية بدعم "اليونوروا" خفت مؤخراً، حتى مع ضآلته. ومن دون تجاهل عرض سامي مشعشع Sami Meshasha، الناطق باسم اليونوروا، هذا المساء، والذي سيتحدث فيه من دون شك عن موازنة اليونوروا، فإن بوسعي أن أقول بضع كلمات حول ذلك الموضوع، ربما بشكل أكثر وضوحاً وأقل دبلوماسية مما سيسمح له موقعه بأن يفعل.
وفقاً لموازنة اليونوروا لعام 2008، فإن اليونوروا تنفق، من أموال متلقاة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، مبلغ 76 دولاراً عن كل لاجئ في العام، وهو ما يعني 20 سنتاً في اليوم، لموازنتها العادية. لكنها تنفق أيضاً 40 دولاراً أخرى لموازنتها غير العادية. ولكن، ما هي هذه الموازنة غير العادية؟ هذه الموازنة غير العادية خلقت للوفاء بحاجات الكوارث الجديدة، مثل التدمير الإسرائيلي للمنازل وقتل المدنيين ومزيد من التشريد للفلسطينيين، مثل الاعتداء الأخير على غزة.
تدفع الولايات المتحدة 27% من الموازنة العادية، أي ما يعادل 6 سنتات في اليوم للاجئ، لكنها تدفع تقريباً 50% من الموازنة غير العادية، أي ما يعادل 5 سنتات في اليوم للاجئ من أجل إعادة بناء مدارس الأمم المتحدة المدمرة ومخازن الأمم المتحدة المحروقة، وهو عمل أنجزته القوة الجوية والدبابات الإسرائيلية، مدعومة بمساعدة طائرات ف-16 وقنابل الفسفور الأبيض.
ليست الولايات المتحدة بالغة الكرم في مساعدة إسرائيل فيما يتعلق بالتسليح فقط. إن الولايات المتحدة تدفع ما يقارب 1000 دولار لكل إسرائيلي في العام (مقابل 40 دولاراً للفلسطيني)، والتي تقسم بالتساوي بين المساعدة الاقتصادية والمساعدات العسكرية.
تقوم الولايات المتحدة بزيادة المشكلة تفاقماً عن طريق مساعدة الروس على الهجرة والعيش في المنازل الفلسطينية. وكانت حصيلة هذه السياسة هي أن إسرائيل أصبحت تمتلك اليوم حارس ناد ليلي، ليكون وزير خارجيتها. ومنذ التسعينيات، دفعت الولايات المتحدة لإسرائيل 50-80 مليون دولار في السنة لمهاجريها الروس، أو ما مجموعه 1.0 بليون دولار. وهي تدفع للمهاجر الروسي 30 ضعف ما تدفعه للاجىء الفلسطيني.
وماذا عن المملكة المتحدة، بلد بلفور؟ تدفع حكومة المملكة المتحدة 10% من الموازنة العادية (37 مليون دولار) ومبلغ 20.000 دولار للموازنة غير العادية. وعلى المستوى الأخلاقي، يتقزم هذا إلى حد كبير بالدعم الدافئ والثابت الذي يقدمه الشعب البريطاني للقضية الفلسطينية.
تدفع المفوضية الأوروبية قدراً يعتد به لليونوروا ومبالغ إضافية للإبقاء على مؤسسات السلطة الفلسطينية قائمة في وجه الاحتلال الوحشي في الضفة الغربية والحصار المميت لقطاع غزة.
وسواء كان ذلك عن معرفة أو غير ذلك، فإن الأوروبيين إنما يمولون الاحتلال الإسرائيلي، عن طريق حمل هذه المسؤولية على كواهلهم، وهي التي ينبغي أن تكون واجب القوة المحتلة، وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة. وأتمنى لو يقف الأوروبيين أمام إسرائيل وجهاً لوجه، وأن يقولوا لها ما يعتقدون به فعلاً وراء الأبواب المغلقة: "إنكم تنتهكون القانون الدولي. فأحسنوا التصرف، وإلا سوف تواجهون العقوبات، والمقاطعة، بل وحتى الحصار". لسوء الحظ، يبقى لاجئو غزة هم الذين تحت الحصار. يا للخسارة، إن الأوروبيين لا يمتلكون حتى الشجاعة ليتقاضوا من إسرائيل كلفة المشافي والمؤسسات التي بنوها ودمرتها إسرائيل.
نيابة عن الرباعية، يعرض بلير رشاوى مالية وسياسية، والحافز المضاف لرفع الحصار عن غزة والحواجز في الضفة الغربية، مشروطة بشرط واحد: أن ينسى الفلسطينيون فلسطين وأن يقبلوا بالشروط الإسرائيلية.
لقد كانت النفعية السياسية فقط هي التي حررت هذه العروض باسم الرباعية. لأن الرباعية ليست لها سلطة قانونية، خلافاً للقانون الدولي. وقد صرح ألفارو دي سوتو Alvaro de Soto، وسيط الأمم المتحدة في الشأن الفلسطيني، وخليفة الكونت فولك برنادوت بعد 60 عاماً، صرح في تقرير "نهاية المهمة" الأخير، الفقرة 79:
"ثمة سوء فهم عام آخر هو أن تشخيص المبادئ التي وضعتها الرباعية باعتبارها "شروطاً"، ودون الوفاء بها، فإنها تقف في طريق إجراء الاتصالات وتقديم المساعدة للسلطة الفلسطينية... إن الرباعية لم تشر مطلقاً ولو مرة واحدة إلى المبادئ –اللاعنف، الاعتراف بإسرائيل، القبول بالاتفاقيات السابقة- باعتبارها "شروطاً". وبينما تبدو وأنها شروط بالنسبة لاثنين من أعضاء الرباعية –الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي- فإن ذلك يعود إلى تشريعاتهما الخاصة أكثر من كونه قراراً للرباعية".
يبدو أن بيلير لا يواجهة اتهامات إزاء التخطيط لحرب العراق فقط، ولكنه ربما يتهم أيضاً باستخدام الرباعية كأداة لخدمة السياسة الإسرائيلية. ويقول دي سوتو شيئاً كهذا في نفس الفقرة: "يجري استغلال روسيا والأمم المتحدة كدرع لإخفاء ما تفعله الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي".
السؤال الذي يطرح إذن: إلى متى يجب على الفلسطينيين أن يتحملوا هذا الوضع؟ إنهم يعانون سلفاً من أطول حرب شنت ضد شعب في التاريخ. وقد جاء العديد من "البلفورات" وذهبوا، لكن إرثه ظل باقياً. ويمكن رؤية أشرس تجلياته في بن غوريون، شارون ونتنياهو، من بين الكثيرين. لا ندم، ولا رحمة، وإنما سعي لا يلين لتحقيق الهدف نفسه: القضاء على الفلسطينيين سياسياً، وجغرافياً وتاريخياً.
خلال كل تلك السنوات، كان لدينا مبعوثو سلام، ومفوضون ومهمات: جونستون، يارنغ، روجرز وبعد العام 1967، تشكيلة متنوعة من الإسرائيليين. ثم جاءت أكبر الخدع جميعاً: أوسلو. وإذا ما قمتم بعدّها، فستجدون 50 أو 60 عرضاً أو خطة قدمها الساسة الغربيون والإسرائيليون منذ العام 1948. ولم تكن أي منها، ولا حتى واحدة، تتوافق مع القانون الدولي أو قرارات الأمم المتحدة. ولكها قبلت بالموقف الإسرائيلي من حيث التطهير العرقي، والفصل العنصري والاحتلال، لكنها تحاول العثور على طرق لتجعل هذه الفاتورة مستساغة للفلسطينيين.
مثل بلير بوعدة الجاهز دائماً بالدفع نقداً، مغلفاً في رسالة سياسية منتهية الصلاحية، فشل الساسة الأوروبيون، بعد كل هذه السنوات، في إدراك حقيقة بسيطة وهى إنه أرخص بكثير، وأدوم بكثير، وأكثر شرفاً إذا كان هذا معياراً، أن يعاداللاجئون إلى ديارهم، من تسليم منح للفلسطينيين ومواد الحرب للإسرائيليين.
لكنه ليس لدينا كثير أمل هناك. إن الأمل يكمن، ويبقى، في الفلسطينيين وفي أولئك الناس الطيبون حول العالم ممن يساندونهم.
إن مثابرة الفلسطينيين على مطالبتهم بالعودة إلى ديارهم تتعزز بالدعم العالمي المتنامي، وكذلك بعمل اليونوروا وسجلاتها. إن هذه السجلات هي حجارة بناء "خطة العودة. إن بطاقة التموين التى تصدرها اليونوروا هي الحامل الجيني لتاريخ اللجوء. إنها تحدد اسم اللاجئ، وعائلته، والعائلات الجديدة من نسله، وبيته في قريته الأصلية ومخيمه في المنفى. إن كامل مسيرة الغياب عن الوطن مطبوعة في التاريخ.
إنها تبدأ من حيث عاش الفلسطينيون قبل النكبة. ثم جاءت النكبة، وحي حدث غير مسبوق في تاريخ فلسطين البالغ طوله 5000 سنة، وتم محو الحياة من المشهد الفلسطيني. وهنا تم نفيهم. ويشير هذا فقط إلى "اللاجئين المسجلين تحت رعاية اليونوروا (4.6 مليون في وسط العام 2008). وهناك (2 مليون) لاجئ غير مسجلين. والمجموع هو: 6.8 مليون لاجئ، أو ثلثا كل الفلسطينيين. وإذا ما شملنا أولئك الذين شردوا بعد العام 1967، فسنجد أن ثلاثة أرباع الفلسطينيين قد أجبروا على العيش بعيداً عن ديارهم.
الخريطة 3 الخريطة 5 الخريطة 4 هذا هو مسار تطهيرهم العرقي. إن الفلسطينيين اليوم يقاربون 11 مليون نسمة (الخريطة 3) نصفهم تقريباً في "فلسطين الانتداب"، والذي يقارب تقريباً عدد اليهود الإسرائيليين. والباقون يقيمون خارج فلسطين. لكن 88% من الفلسطينيين يعيشون في فلسطين أو في دائرة حولها، في مساحة عرضها 150 ميلاً.
محصنين ومتسلحين بالقرار رقم 194، الذي أكدته الأمم المتحدة كثيراً، وبفلسطين الموثقة بالكامل: أرضاً وشعباً، يمكن لنا أن نخطط لعودة اللاجئين.
في البداية، نعرف أين تم نفي سكان كل قرية. ولدينا مثال: بيت محسير، القدس الغربية – لاجئون في الضفة الغربية والأردن (الخريطة 4).
والأهم من ذلك، أننا نعرف كيف نعيدهم إلى منازلهم. كل مخيم في أي منفى، نعرف من أين جاء لاجئوه. خذوا حالة مخيم جباليا، (الخريطة 5) الذي كانت قد سحقته الطائرات والدبابات الإسرائيلية. كان من هنا حيث جاءوا. والمخيم التالي هو الدهيشة. إنهم ينتمون إلى هذه القرى غرب القدس. والتالي هو مخيم في لبنان: حين الحلوة. وهو مصدر مستمر للأخبار. لقد جاء سكانه من الجليل.
الخريطة 6 الخريطة 7 يمكننا أن نذهب إلى أكثر بكثير من التفاصيل. خذوا المنطقة الشمالية من الجليل. لقد أجرينا دراسة على البلدات الإسرائيلية، من يعيش هناك اليوم. وقد صنفناها إلى خمس فئات (الخريطة 6). ثم سمحنا للناس المشردين بالعودة إلى بيوتهم. وكما ترون، ليست هناك مشكلة في اللوجستيات ولا تعارض.
أما الجزء الجنوبي، فهو أبسط بكثير. فبعيداً عن البلدات الثلاث الفلسطينية أصلاً، فإنه ما يزال خالياً إلى حد كبير (الخريطة 7). ويمكن للاجئين ف قطاع غزة أن يسيروا على أقدامهم، حرفياً، إلى بيوتهم.
الخريطة 8 يجلبنا هذا إلى غزة، فلسطين المختزلة. وتبلغ مساحتها 1% من فلسطين. ويزيد عدد سكانها عن 1.5 مليون، وهو نفس عدد كل الفلسطينيين في العام 1948. لماذا هي مكتظة؟ (الخريطة 8). لأن الإسرائيليين طهروا عرقياً 247 قرية وقادوا سكانها إلى القطاع الصغير، وقد حاولوا الإجهاز عليهم في شهر كانون الأول (ديسمبر) 1948 في معركة التل 86، لكنهم فشلوا عسكرياً. وهم ما يزالون يحاولون ذلك منذئذ. وينسجم هذا مع ممارسة ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. إن تجويع غزة هو جريمة حرب. وينص ميثاق روما لمحكمة الجرائم الدولية، المادة 8 (6) على ما يلي: "تعني جرائم الحرب... التجويع أو إعاقة إمدادات الإغاثة". وحصار غزة، والتجويع، وقطع الإمدادات هو عملية إبادة جماعية. والمادة 6، الفقرة ج من نفس الميثاق تقول: "الإبادة الجماعية هي.... إدامة إيقاع ظروف معيشة بالجماعة، والتي تكون محسوبة ومصممة بحيث تجلب عليها الدمار الجسدي الكلي أو الجزئي".
هل ينبغي لنا أن نسمح لهذا بأن يستمر؟ الإجابة هي: "كلا" مؤكدة. إن علينا، وعلينا جميعاً، أن نعمل بلا كلل على إعادة اللاجئين. وفقط عندما يعودون، عندما يعاد إسكانهم في بيوتهم الخاصة، ويضمن لهم العيش الكريم والأمن من التمميز العرقي والفصل العنصري، يمكن لنا القول بأن مهمة "اليونوروا" قد أنجزت وانتهت.
ليست العودة حقاً لا يقبل المساومة والإنكار فحسب، ولكنها كما رأيتم، ممكنة لوجستياً أيضاً.
وحتى المليون ونصف المليون وحدة سكنية التي ستبنى مكان القرى المدمرة، وفقاً لدراستنا، يمكن بنائها كليّة بأيد فلسطينية.
لكن هناك المزيد من المهمات التي ينبغي إنجازها: لإعادة تأهيل البلد نفسه وإعادة الممتلكات المسروقة، وتأهيل البيئة التى أفسدت، وترميم الاماكن المقدسة التى دمرت.
ما هو الهيكل القانوني لتفعيل مسألة العودة؟
إن كل ما نحتاجه هو إعادة تفعيل لجنة التوفيق من أجل فلسطين التابعة للأمم المتحدة، حتى تستأنف واجباتها في إعادة اللاجئين. وينبغي القيام بذلك بناء على قرار ملزم من مجلس الأمن وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. ولما كنا نعرف المشاكل القائمة هناك، في مواجهة "فيتو" أميركي، فإننا ربما نحتاج إلى قرار من الجمعية العامة تحت صيغة "متحدون من أجل السلام". وبغير ذلك، فإن عضوية إسرائيل المشروطة في الأمم المتحدة يمكن أن تسحب بسبب إخفاقها في الوفاء بشروط عضويتها.
سوف تكون اليونوروا بطبيعة الحال هي الأداة الرئيسية لإعادة اللاجئين. فهي لها تاريخ ثري وكادر مخلص ومؤهل، ومثالي لأداء المهمة.
ما هي المشكلة إذن؟ إنكم، بالطبع، تعرفون ما هي. إنها الصهيونية. وإذا ما بقي أولئك الذين يفضلون الكولونيالية، والعنصرية، والفصل العرقي، وانتهاك القانون الدولي، إلى جانب إسرائيل، فإن المزيد من الحروب سوف تقع، والمزيد من مجرمي الحرب سيظهرون في قاعة المحكمة في لاهاي في نهاية المطاف.
لكن أولئك الذين بيدهم القوة والنفوذ إذا ما تعلموا من التاريخ الحديث، فإنهم يجيب أن يعرفوا أن أقصر الطرق إلى السلام هو تحقيق العدالة. فدعونا نتبع هذا الطريق. إننا، نحن الفلسطينيين، لن نتخلى أبداً عن هذا الطريق. وسوف نستمر في المطالبة بالعدالة. وستبقى "اليونوروا" بطلاً، يطالب بالعدالة.
شكراً لكم.