طلعت الصحف في كانون الثاني (يناير) بنبأ "اكتشاف" باحث إسرائيلي وقوع مذبحة في أيار (مايو) 1948 قتل فيها 200 من أهالي قرية الطنطورة جنوب حيفا، وهذا "الاكتشاف" الإسرائيلي يعكس أمرين، أولهما شعور إسرائيل بالقوة بحيث تسمح بفضح فظائعها من دون خوف من عقاب، وثانيهما نفاق الرأي العام الغربي الذي يقدر شجاعة باحث إسرائيلي بينما يصم أذنيه عن مئات الروايات التي رواها شهود عيان من الناجين من مذابح النكبة خلال خمسين عاماً مضت، ولم يحرك ساكناً لاستنكار هذه الجرائم.
ومصادر البحث في هذا التاريخ الدامي ثلاثة، الأول روايات آلاف من اللاجئين التي سجلت في أزمان مختلفة بصيغ متباينة تناسب زمن الفجيعة أو عصر الثورة أو موضوعية الباحثين والمؤرخين. ومن الأعمال البارزة في هذه الفئة الأخيرة ما كتبه وليد الخالدي وإلياس شوفاني ونافذ نزال وشريف كناعنة وصالح عبد الجواد وروز ماري صايغ وحليم بركات وغيرهم.
والمصدر الثاني هو أبحاث المؤرخين الإسرائيلين واليهود الجدد مثل إيلان بابي وبيني موريس وتوم سيغف وسمحة فلابان ونورمان فنكلشتين. بإستثناء الأول والأخير، تنطلق معظم كتابات الآخرين من فهم صهيوني للأحداث، وتستحي من إلقاء اللوم على إسرائيل وتلقيه على أهوال الحرب ومآسيها ذلك لأن عواقب تحميل إسرائيل المسؤولية كبيرة، منها سقوط المبدأ الأخلاقي لقيام إسرائيل، والتزام إسرائيل بالعواقب المادية والمعنوية لتدمير شعب أمام المجتمع الدولي وأمام الدول المجاورة التي تحملت عبء استقبال اللاجئين.
هناك مصدر ثالث لتسجيل أحداث النكبة، ذلك هو تقارير مراقبي الهدنة الذين شاهدوا بعض هذه الفظائع وحققوا فيها واستدعوا الشهود، وزاروا مواقع المذابح، وطالبوا إسرائيل بمعاقبة المسؤولين لكنهم لم يظفروا بالجواب.
وحسب علمي لم يأت على ذكر تقارير الأمم المتحدة غير ميشيل بالومبو في كتابه "نكبة فلسطين" وتوفر لنا الآن ملف "الفظائع" من أرشيف الأمم المتحدة تحت اسم UNA 13/3.3.1 Atrocities، ونعرض هنا بعض فصوله.
بعد أن استتب الأمر لإسرائيل في الهدنة الثانية باحتلال كل الأراضي الفلسطينية الواقعة في نطاق الدولة اليهودية حسب مشروع التقسيم وتم طرد أهلها، وجهت قواتها نحو الجنوب في 15 تشرين الأول (أكتوبر) 1949 خارقة بذلك شروط الهدنة الثانية، ثم اتجهت إلى الشمال الذي لم تكن تحميه إلا قوات متفرقة من جيش القاوقجي، بينما توجد القوات السورية واللبنانية على أطراف فلسطين الشمالية وحول الحولة وطبرية.
كان غرض إسرائيل الواضح احتلال الجليل الأوسط الذي كان مخصصاً للدولة العربية في مشروع تقسيم فلسطين، وكان هو الجزء الباقي عربياً من الشمال بعد احتلال إسرائيل للشريط الساحلي وشريط نهر الأردن. لكنه كان مكتظاً بالسكان العرب وكان جبلياً تستطيع قوة مدافعة ذات عزم أن توقف جيشاً جراراً. لكن هذه القوة لم توجد، إذ سرعان ما انسحبت قوات القاوقجي من دون مقاومة تذكر في معظم المواقع أمام الجيش الإسرائيلي المهاجم تحت اسم عملية "حيرام" التي بدأت آخر أكتوبر 1948، وهدفها التنظيف العرقي للعرب من الجليل الأوسط. لا عجب إذن أن إسرائيل اقترفت في هذا المكان وفي هذه الفترة لا أقل من 25 مذبحة من أصل 35 مذبحة سجلت في حرب فلسطين، وعدد لا يحصى من الفظائع الصغيرة والكبيرة.
سجلت تقارير مراقبي الهدنة صورة واضحة للأسلوب الإسرائيلي الدموي في ذبح الأهالي وطردهم من ديارهم بعد احتلال القرية عسكرياً، أو بعد تسليم الأهالي لهم براية بيضاء، أو بموجب عريضة مكتوبة.
كانت القوات الإسرائيلية تطوق القرية من ثلاث جهات وتترك الرابعة مفتوحة، وتجمع النساء والأطفال في مكان، والرجال في مكان آخر، خارج القرية أو في مكان منعزل، ثم تطرد النساء والأطفال في اتجاه الشمال (لبنان)، بعد أن يسرق الجنود المصاغ والنقود، أما الرجال فينتقى منهم عدد يرمى بالرصاص في دفعة واحدة، أو عدة دفعات، ويؤمر بعضهم بحفر القبور لدفن الجثث، ويؤخذ الأقوياء منهم إلى معسكرات سخرة ليقوموا بنقل أحجار المنازل العربية المهدمة، حيث يبقون هناك لعدة شهور، ويطرد الآخرون مشياً على الأقدام نحو حدود لبنان، أو ينقلون بالسيارات إلى اللجون ثم يطردون بإطلاق الرصاص فوق رؤوسهم إلى خطوط القوات العراقية بعد نهب ما يحملونه من نقود وساعات. هذا هو الأسلوب الثابت لا يختلف إلا قليلاً هنا أو هناك، ما يجعل الادعاء الإسرائيلي بأن هذه الفظائع فردية أو عارضة أو طارئة لظروف الحرب محض هراء وكذب معتمد.
هذا ما تؤكده تقارير مراقبي الأمم المتحدة.هناك بالطبع فوارق في درجة الفظائع، إذ تزداد البشاعة إذا قاومت القرية أو كان لديها تاريخ في المقاومة، وهناك فوارق في معاملة الأهالي حسب الديانة لإشاعة التفرقة وإذكاء نار الخلاف بين أفراد الشعب. القرى المسلمة دائماً عوملت معاملة سيئة، والقرى المسيحية عوملت معاملة سيئة في معظم الأحيان، أما القرى الدرزية فلم تتعرض غالباً لأعمال عدائية ولم يطرد أهلها.
القرى التي احتلت في عملية حيرام (29 تشرين الأول - 3 تشرين الثاني) التي ذكرت في تقارير مراقبي الهدنة هي: قرى استسلمت: البعنة (مسلمة)، كوكب (مسلمة)، كفر ماندا (مسلمة)، سخنين (مسلمة)، عرابة البطوف (مسلمة)، دير حنا مسلمة)، المغار (دروز)، الجش (مسلمة - مسيحية)، الريحانية (شركس مسلمون) / علما (مسلمة).
قرى قاومت: عيلبون (غالبية مسيحية)، الفراضية (مسلمة)، ميرون (مسلمة)، سموعي (مسلمة)، المالكية (مسلمة)، مجد الكروم، معليا، ترشيحا.
وكل هذه القرى المذكورة تقع في الدولة العربية داخل خط التقسيم عدا عيلبون والمغار والسموعي والفراضية، التي تقع قريباً من هذا الخط، ولذلك فإن الهدف من ذبح أهلها وطردهم واضح (انظر الخريطة شكل 1).
وهذه هي مقتطفات من التقارير التي كتبها مراقبو الهدنة، ومحتواها لا يحتاج إلى شرح.
التقرير الأول كاتب التقرير: الكوماندانت بيروسييه في 5 تشرين الأول 1948
- شهادة راعي الكنيسة الكاثوليكية - الرامة: عندما وصل اليهود، تصرفوا حسب الأصول، ثم جاء ضابط جديد مع فرقته وحل محلهم، وأمر جميع المسيحيين العرب بالخروج، وسمح للدروز بالبقاء. الأهالي المطرودون عادوا بعد يومين ووجدوا أن الجنود اليهود نهبوا منازلهم. كما خطف اليهود 40 شخصاً، بعضهم لم يعد.
- شهادة الدكتور عبد الله شربان من الرامة (قابله الكابتن زوتي على الطريق بين الرامة والبقيعة): لقد طردت من بلدتي مع كل الأهالي المسيحيين. أطلب من الأمم المتحدة وقف هذا العار.
- شهادة اللفتنانت اليهودي بن توفي (أمريكي) الكتيبة 92 مشاة: كتيبتي وصلت الآن. هناك سوء تفاهم سأعمل على إيقافه (الطرد).
- شهادة طبيب من حرفيش: رأيت الأهالي مطرودين من الرامة. اعتقد أنهم وصلوا إلى لبنان.
- ملاحظات مراقب الأمم المتحدة: هذه ليست حادثة فردية، يبدو أن اليهود يريدون "تطفيش" المسيحيين ليجبروهم على الرحيل إلى لبنان لكي يستولي اليهود على أراضيهم، المنطقة حول الرامة تمتاز بأراض خصبة بها أشجار زيتون، عملية نهب المنازل مشابهة لما حدث في القرى الأخرى عند إجلاء سكانها عنها.
- إجراءات مراقب الأمم المتحدة: القيام بدوريات متكررة حول القرية للتدخل الفوري إذا دعت الحاجة. توقيع 1948/11/5
التقرير الثاني عيلبون - تقرير اللفتنانت كولونيل سورا في 13 تشرين الثاني 1948
في يوم الجمعة 29 تشرين الأول 1948، هاجمت القوات اليهودية محور لوبية، عيلبون، المغار في الجليل، وبدأ الهجوم من المرتفعات الواقعة جنوب عيلبون التي كانت تتمركز فيها قوات القاوقجي خلال شهر تشرين الأول، وبين الساعة الخامسة والسادسة صباحاً من يوم السبت 30 تشرين الأول دخلت القوات اليهودية القرية، وقد سلّم سكانها المسيحيون العرب. وجمع اليهود الأهالي واختاروا 13 من الشباب وقتلوهم بإطلاق الرصاص عليهم، وأخذوا عدداً منهم أسرى، وأمروا الآخرين بإخلاء القرية فوراً والاتجاه نحو المغار (شمالاً). (أنظر خريطة مراقب الهدنة للمذبحة شكل رقم 2) ولجأ الأهالي إلى لبنان عدا عدد قليل تمكنوا من العودة إلى القرية، أما الأسرى فقد أطلق سراحهم وطردوا في اتجاه نابلس حيث قدم القائد العراقي شكوى حول معاملة الأهالي، وقام مراقبو الأمم المتحدة بالتحقيق في ميرون والمغار وعيلبون، وقد وجدت القيادة هذه التقارير ناقصة من حيث (المعلومات عن) عدد القتلى، طرد الأهالي، نهب ممتلكاتهم. وقام اللفتانت كولونيل سورا والكابتن راتارد (الجيش الفرنسي) من مكتب المراقبين في طبرية بحضور الضابط الإسرائيلي سبيكتور (الذي يتحدث العربية) بالتحقيق. وهذه هي النتائج:
تتكون عيلبون من حيين ينتشران حول كنيستين: أرثوذكس وكاثوليك وتوجد مرتفعات في الجنوب تمتد شرقاً وغرباً، وعيلبون مركز زراعي، وتنتج القمح والشعير والعدس والزيتون وعدد السكان 750 (600 كاثوليك، 150 أرثوذكس) ولديهم 400 رأس غنم وماعز، 200 بقرةو 5 خيول،و 50 حماراًو 100 من الدواجن. ولم يتمكن من العودة إلى القرية إلا 60 شخصاً من النساء والأطفال والعجائز، ولم تدمر البيوت، ولكن نهبت كل المنازل، وحطم الأثاث والأيقونات والصور الدينية.
تم استجواب الشهود: الأب حنا داود 85 سنة، (رئيس الطائفة الكاثوليكية)، الأب إلياس 55 سنة (رئيس الطائفة الأرثوذكسية)، الأب مرقص 59 سنة (قسيس الكاثوليك في دير حنا، ابن الأب حنا داود).
بطرس شكري متى، 31 سنة، جرح في كعبه بطلقة ستن.
عائلة داود تعيش في عيلبون لقرنين من الزمان وترأس الطائفة.
تحدث الشهود بالعربية التي يفهمها اللفتنانت كولونيل سورا والماجور سبيكتور. أفادوا بالآتي:
- احتلت القرية والمرتفعات الجنوبية قوات القاوقجي وهم علويون وبدو وبشناق.
- عند الاحتلال الإسرائيلي، دخل كل الأهالي إلى الكنائس.
- رفع علم أصفر على برج الكنيسة الأرثوذكسية وعلم أبيض على الكنيسة الكاثوليكية، ورغم أن الأب مرقص قابل القائد اليهودي بصحبة 4 جنود وسلم له البلدة قائلاً: أنا أسلم بلدنا إلى شرف دولة "إسرائيل" إلا أنه أمر بجمع أهالي البلدة كلهم.
- قتل 31 شاباً في سن العسكرية قبل الساعة السادسة صباحاً كالآتي:
- أمام منزل الأب مرقص: بادية زريق 24 سنة (أرثوذكس)، فؤاد نوفل 22 سنة (أرثوذكس)، جيري شبلي حايك 32 سنة (كاثوليك)، عزار 30 سنة (مسلم من الحمران في شرق الأردن).
- في حقل عند المدخل الشمالي للقرية: فاضل عيلبوني 17 سنة (كاثوليك)، ميلاد فياض 22 سنة (كاثوليك)، زكي موسى 22 سنة (كاثوليك).
- في حارة عرض 20 متراً جنوب شرق الحقل: حنا إبراهيم الخوري 35 سنة (كاثوليك)، نعيم زريق 36 سنة (أرثوذكس)، محمد خالد 30 سنة (مسلم من حطين).
- قرب خمسة قبور، شمال شرق البلدة: رجا ميخائيل خليل 27 سنة (كاثوليك)، ميخائيل متري شامي 35 سنة (كاثوليك من دمشق)، عبد الله سمعان شوفاني 18 سنة (كاثوليك).
- شاهدنا أثار طلقات ستين جن على باب منزل الأب مرقص، وبقع دم في الحارة وقد دفنت الجثث في القبور المبنية (انظر الرسم الذي أعده مراقب الهدنة شكل 9) وقبل إطلاق الرصاص على الضحايا، صاح القائد الإسرائيلي بدكم حرب، خذوا، ها هي.
- باستثناء 50و 60 من النساء والأطفال الذين غادروا القرية قبل دخول اليهود، والأسرى الذين أخذهم اليهود، طرد باقي السكان كلهم في اتجاه قرية المغار الدرزية،و العدد القليل الذي تمكن من العودة لا يعرف أين باقي أفراد أسرهم.
- أثناء احتلال اليهود للقرية الذي دام خمسة أيام، نهبت المنازل بالكامل، وكسرت الأبواب، وحطم الأثاث أو نهب، وألقيت القاذورات على الصور والتماثيل الدينية.
- قتل وجرح آخرون أثناء طردهم في اتجاه المغار.
- سلم الأب مرقص 7 مسدسات إلى اليهود بناء على مبادرة منه واستلم وصلاً بذلك.
- طلب القساوسة السماح للأهالي بالعودة حيث أنهم لم يشتركوا في القتال وقد اقترب وقت حراثة الحقول.
- قال الأب مرقص أن قوات القاوقجي قتلت جنديين يهوديين قبل شهر من الاحتلال، وقطعت رؤوسهم، وقد سلمت الرؤوس إلى اليهود لدفنها.
لتقرير الثالث
مجد الكروم - تقرير الماجور ستيورات لوس في 1948/11/13
- يوم 11/11 رافقت فريق التحقيق من مكتب نهاريا وذهبنا إلى مجد الكروم، وبقينا في القرية ساعتين نستجوب الأهالي بحضور ضابط الارتباط اليهودي الماجور شنورمان والماجور لنز والكابتن فوكس. وحصلنا على المعلومات الآتية من الأهالي:
- احتلت القوات اليهودية القرية في 30 تشرين الأول 1948 وبقيت حتى 5 تشرين الثاني 1948.
- يوم 5 تشرين الثاني جمع اليهود كل أهل القرية في قهوة القرية وطلبوا تسليم الأسلحة والذخيرة خلال 25 دقيقة، وأحتج المختار الحاج عبد سليم أن هذا الفترة قصيرة ولكن جمع السلاح بدأ، وبعد مرور 25 دقيقة أخذ اليهود خمسة من العرب، اختاروهم عشوائياً، وأطلقوا عليهم الرصاص (وشاهدنا أثار الرصاص على الحائط) ثم بدأ اليهود بتفتيش القرية وقتلوا 4 آخرين بينهم امرأتان، ثم نسفوا بيت المختار وبيوت أخرى.
- غادرت القوات اليهودية القرية في 5 تشرين الثاني بعد أن نهبت القرية. قال شخص أنهم سرقوا منه 57 رأس غنم، وقالت امرأة إنهم سرقوا منها 200 عنزة. وأمر اليهود الأهالي بالبقاء في بيوتهم ومنعوهم من العمل في الحقول.
- شاهدت ركام منزل المختار الذي نسف. رفض الكابتن فوكس السماح لي بالتصوير.
- حفر العرب قبر أحمد عروقي وشاهدت الجثة ولم أعرف سبب الوفاة وشاهدت قبوراً أخرى.
- الساعة 30ر7 مساء يوم 1948/11/11 استُدعي رئيس التحقيق إلى التلفون حيث أخبره ضابط الارتباط اليهودي فوكس أنه لن يسمح لفريق التحقيق بإكمال التحقيق أو العودة إلى مجد الكروم مجدداً. اتصلنا برئيس مكتب الأمم المتحدة في حيفا الكولونيل ميليت واتفق معنا على اللقاء في نقطة معينة صباح اليوم التالي الساعة 9 صباحاً.
- في الوقت المحدد قابلنا الكولونيل ميليت وانتظرنا حتى الساعة 9.40 عندما حضر ماجور شنورمان الذي قال إنه (تأخر لأنه كان يجري مكالمة مهمة).
- أعطيت تعليمات إلى الضابط اليهودي أن يرتب زيادة إلى دير الأسد والبعنة فوعد بذلك ولكنه لم يحضر في الوقت المحدد فتأجلت الزيارة إلى 13/11 وكتبنا تقريراً عن ذلك.
*ملاحظة (1): حضر مختار قرية الشعب محمد علي الخطيب وقال أن اليهود أطلقوا الرصاص على الأهالي وهم يعملون بين أشجار الزيتون.
*ملاحظة (2): كتب الماستر سرجنت باليمان (بلجيكا) تقريراً يقول فيه: إن المترجم اليهودي كذب أثناء الترجمة، حيث أنني أعرف العربية فقد نقل عن الأهالي أنهم بخير وأن لديهم ما يكفي من الطعام والمؤن. ولكن الحقيقة أنهم قالوا إنهم ليس لديهم طعام وأنهم منعوا من العمل في حقولهم.
شهداء مجد الكروم: محمد أحمد الحاج كريم، أحمد عرفات (من عرب مجاورين)، أحمد محمود طه كيال، إبراهيم أحمد لحام (من البورة)، محمد أحمد علي طه (من الشعب)، علي أسعد عبد أسد (من الشعب)، محمود محمد طه لحدى (من الشعب)، علي محمد أسعد (من الشعب)، لطيفة روزن محمد شحاده، حفيظه يوسف لحن.
(بسبب الترجمة من الانجليزية قد يكون هناك تحريف في الاسماء).
التقرير الرابع تقرير اللفتنانت كولونيل سورا في 1948/11/16
البعنة ودير الأسد: مخالفات هدنة، اعتقال الشباب في سن العسكرية (وإعدامهم فيما بعد)، طرد (مؤقت) للأهالي بالقوة العسكرية، نهب المباني والبيوت وتدميرها غير المبرر، سرقة المواشي.
هذه المعلومات من مراقبي الهدنة في نابلس (الذين قابلوا الفلسطينيين المطرودين) وحيفا (فريق نهاريا)، بعد زيارة المواقع وتحقيق المراقبين: سورا، همبهل، بيرين، بوازية، لوس، بنسون، بحضور الضابط اليهودي فوكس الذي يتحدث الإنكليزية والفرنسية والعربية.
الشهود: أحمد الحاج قاسم دربان مختار دير الأسد/47 سنة/ ملاك، إبراهيم بشاره الخوري مختار البعنة/31 سنة/ ملاك.
أخذ هذه الأقوال الكولونيل سورا وترجمت إلى الإنكليزية بواسطة الشيخ ن (نجيب) الخازن، صاحب مدرسة في حيفا ومن أهل البعنة، حيث أنه لجأ من حيفا إلى منزل والده منذ 13 أيار 1948.
- دير الأسد: 1200 كلهم مسلمون ولديهم 500 بقرة، 1600 عنز، وبعض الخيول والبغال، الآن بقي 900 شخص ومعهم 50 بقرة.
- البعنة: 900 الثلثان مسلمون، والثلث أورثوذكس وكاثوليك، ولديهم 300 بقرة، 30 حصاناً وبغلاً، 700 عنز، 200 غنم، عاد للقرية 700 ولديهم 100 بقرة، 10 خيول وبغال، 200 عنز، 100 غنم.
وبجانب تربية المواشي يزرع الفلاحون أشجار الزيتون، ومن حسن الحظ أن المحصول جمع لهذه السنة قبل العملية العسكرية في 29/10.
نتائج التحقيق:
- قبل العملية العسكرية الإسرائيلية في 29/10 كانت ترابط قوة من جيش الإنقاذ (القاوقجي)، قوامها 500 جندي بقيادة الكابتن صلاح أفندي، قريباً من القريتين ولم تحتلاها. انسحبت هذه القوة من المنطقة بين ظهر وليل يوم 29/10، أي قبل العملية.
- ذهب وفد من القريتين برئاسة مختاريّ القريتينو 50 من الأهالي يوم السبت 30/10 إلى القيادة العسكرية اليهودية في البروة لتسليم القريتين.
- دخلت القوات الإسرائيلية إلى القريتين الأحد 31/10 الساعة 10 صباحاً وجمعت الأهالي في أحراش الزيتون بين القريتين، وسلم الأهالي 97 قطعة سلاح متفرقة، وبعد ذلك اختار ضابط يهودي 4 شباب عشوائياً لإحضار ماء من البير الموجود على بعد 15 متراً شمال قرية البعنة وقتلوهم وهم: صبحي محمود دباح/23 سنة/ ملاك وابن أخ مختار دير الأسد، أحمد عبد الله علي العيسي/27 سنة/ ملاك من دير الأسد، علي محمد العبد/7 سنوات/ من البعنة، وحنا إلياس فرهود، 25 سنة، من البعنة.
- شاهد القتل امرأتان، وشاهدنا اليوم 16 تشرين الثاني بقع الدم وغلاف الرصاص من رشاش ستين جن (انظر المخطط الذي أعده مراقب الهدنة شكل 3).
- طُرد الأهالي في إتجاه الرامة والمغار وأخذ الرجال والأولاد (سن 14-50) في طابور يهرول تحت الحراسة، وعددهم حوالي 500 من عدة قرى إلى مستعمرة ناحلال، حيث بقوا يومين دون طعام وشراب، وتعرضوا لإهانات وضرب، وسلبت أموالهم وساعاتهم. ومن هناك عاد بعضهم إلى قراهم والباقي طردهم اليهود إلى اللجون تجاه نابلس والقوات العراقية بإطلاق الرصاص فوق رؤوسهم، وبقي 131 شخصاً من دير الأسدو 140 من البعنة في معسكر اعتقال ومن بينهم مختار دير الأسد.
- نسفت عدة بيوت ثلاثة منها في دير الأسد بعد 6 أيام من الاحتلال، وفي البعنة نسف بيت ثم أشعلت فيه النيران وتضررت 6 بيوت مجاورة.
- القوات الإسرائيلية التي أعدمت الشباب تركت المنطقة نفس اليوم الساعة 30ر6 مساءً.
- أثناء جمع الأهالي نهبت القوات الإسرائيلية الماشية والساعات والجواهر والنقود وكل ما غلا ثمنه، ويوم الأحد 7 تشرين الثاني شاهد مختار دير الأسد جنديين إسرائيليين يتجولان فأمراه بالعودة إلى بيته، بعد ذلك نهبوا من ثلاث نساء الآتي: نظلة عبد الله إسماعيل 130 قرشاً وعقداً ذهبياً، فاطمة دباح 20 قرشاً، زهرة أحمد حلقاً ذهبياًو 3 خواتم ذهب.
- في يوم 6/11 منع أهالي القريتين من الخروج لفلاحة حقولهم.
- في ختام التحقيق أكد المختار أن قراهم لم تشترك في القتال، ولذلك فإنهم يطلبون إطلاق سراح المعتقلين، والسماح لهم بفلاحة أراضيهم وتدبير المؤن الضرورية للمعيشة.
- طلب أهالي البعنة السماح لدكتور القرية بالعودة وفتح عيادة القرية وتزويدها بالمواد الطبية.
في 13/10/48 فحص الكابتن بيرين (من القوات الأمريكية الطبية) جثة أحمد عبد الله علي العيسى حيث كانت مدفونة مؤقتاً في مغارة قريبة (مرفق التقرير الطبي وبه أن الوفاة كانت بسبب إطلاق عدة رصاصات على العين اليمنى وعلى الصدر عن قرب).
شهود آخرون من البعنة تم استجوابهم في نابلس بحضور ضابط مترجم من القوات العراقية:
- مطلق بدراني: شاهد قتل الشباب عند البير ومن بينهم قريبه علي محمد عبد وقد طرد إلى الناصرة ثم اللجون في اتجاه نابلس، وقد ترك زوجته المريضة في البعنة واخذوا ولديه الشباب محي الدين ورستم إلى الاعتقال في نحالال.
- حسن محي الدين أشقر: شاهد قتل الشباب، أخذه اليهود إلى نحالال وبقي يومين دون طعام ثم طردوه إلى اللجون
تقرير موقع من بيني: Penny
لا شك في أن هذه الأعمال (الوحشية) تطابق السياسة التي تتبعها بعض فصائل الجيش الإسرائيلي في اقتلاع العرب من قراهم في فلسطين بالقوة أو بالتهديد، وإجبارهم على طلب السلامة في مراكز اللجوء في فلسطين والدول المجاورة.
تعرف عدد من الشهود على شخصية الضابط الإسرائيلي المسؤول عن هذه الأعمال لأنه كان معروفاً لبعضهم قبل وقوع هذه الحوادث، وكان حارساً في قرية حاييم واسمه غزال، وقد تعرف عليه شرطيان فلسطينيان كانا يعرفانه قبل الحرب، ويلزم الحصول على معلومات إضافية ودلائل مساندة لإثبات حالة قتل الأربعة أمام محكمة قانونية.
التقرير الخامس
تقرير عن التحقيقات التي أجراها مراقبو الأمم المتحدة مع 11 عربياً طردتهم القوات اليهودية من قراهم في منطقة طبرية إلى نابلس.
المراقبون: اللفتنانت كولونيل روبرت بالدوين (أمريكي) سلاح الطيران، المايجور هاري دنيس (أمريكي) سلاح الطيران، الكوماندانت ستانسلاوس بورديل (فرنسي)، الكابتن روبرت سترايبي (أمريكي). قام بالترجمة: الكابتن محمد إسماعيل (الجيش العراقي)، وشخص من مكتب حاكم اللواء، نابلس.
ملخص التحقيقات:
صباح السبت 30/10/1948 احتل اليهود القرى العربية الآتية في الجليل: البعنة، دير الأسد، ناحية البطوف، عيلبون، كفر عنان، هذه القرى لم تكن محمية بالقوات العربية وقت الهجوم اليهودي. بعد الاحتلال اليهودي أخرج الأهالي من بيوتهم وكنائسهم وأمروهم بالتجمع في مكان، خارج القرية عادة. ثم قسم العرب إلى قسمين: الرجال في جهة، والنساء والأطفال في جهة أخرى، ثم أمر الرجال بالمشي السريع أو نقلوا في حافلة إلى معسكر اعتقال في مستعمرة ناحلال، وكان عددهم حوالي 500، ثم قسموا إلى مجموعات حسب قراهم، وبقوا هناك يومين من دون طعام أو غطاء وأساء الحراس معاملتهم.
وصباح يوم 3 تشرين الثاني انتقى اليهود 33 رجلاً ونقلوهم بالسيارة إلى الناصرة ثم اللجون، وهناك أمروا بالتوجه نحو الخطوط العراقية، وأطلق الرصاص فوق رؤوسهم لإجبارهم على الرحيل، ونقلهم الجيش العراقي من هناك إلى نابلس حيث تم استجوابهم.
خلال الاحتلال وبعده، قتل اليهود عدداً من المدنيين، وهذا ملخص للقتلى حسب القرية. البعنة: صباح الأحد 1948/10/31 انتقى اليهود 4 شباب لإحضار ماء من البير وهناك قتلوهم بالرشاشات وصباح السبت 30/10 انتقى اليهود عشوائياً 7 رجال من الأهالي الذين أمرهم اليهود بالتجمع خارج القرية، وأعدموهم بالرشاشات.
- عيلبون: صباح الأحد 31/10 أعدم اليهود 17 رجلاً وامرأة من الأهالي الذين جمعوهم قائمة الضحايا مرفقة.
- كفر عنان: نسف اليهود عدة بيوت في القرية، وطرد الأهالي في اتجاه لبنان بإطلاق الرصاص فوق رؤوسهم.
- نحالال: سلبت النقود والأشياء الثمينة من المعتقلين هناك.
- شهادات من الشهود: سبقت الإشارة إلى شهادة مطلق بدراني وحسن محي الدين أشقر من البعنة.
شهادة عاطف حامد محمد (من كفر عنان): هجم اليهود علينا السبت الماضي، ولأن قريتنا صغيرة استمر اليهود في التقدم وتعدوا القرية، ثم عاد جنديان في سيارة لجمع السلاح فأخذوا 11 قطعة ونسفوا 8 بيوت، وكانوا قبل ذلك احتلوا جميع القرى المجاورة. جمع اليهود الرجال في قسم والنساء وكبار السن في قسم آخر، وطردوا النساء في اتجاه لبنان بإطلاق الرصاص فوق رؤوسهن. أخذوا 38 شاباً إلى عكا ثم المغار ثم نحالال حيث بقوا يومين دون طعام أو غطاء. الشاهد كان بين الذين أطلق سراحهم. أخذ اليهود جميع الماشية والأغنام من القرية. اليهودي الذي أخذ البنادق وأعطانا قسيمة استلام المصادرات قال إن اسمه (إسرائيل).
شهادة سعيد صالح أحمد (من عرابة البطوف): هاجمنا اليهود من جهة قرية سخنين مساء الجمعة 29/10 بعد انسحاب قوات القاوقجي من القرية، جاء اليهود في مدرعات وجيب وسيارات نقل. جمعوا الأهالي وطلبوا جمع البنادق وإلا سينسفون جميع منازل القرية سلمنا لهم 50 بندقيةو 2 رشاش. اختار اليهود 150 شاب وأخذوهم إلى نحالال وبقوا هناك يومين. وبعدها أعطوا رغيف واحد لكل 10 أشخاص يوم الاثنين 1/11 أطلقوا سراح 23 شخصاً وأخذوهم إلى الناصرة ثم اللجون وهناك أمروهم بالتوجه نحو القوات العراقية بإطلاق الرصاص فوق رؤوسهم. لا يزال أخوه معتقلاً في نحالال.
خلاصة:
وتختتم تقارير مراقبي الهدنة برسالة من الضابط هندرسون (أميركي) إلى رئيس هيئة المراقبين الجنرال رايلي مؤرخة في 1948/11/19 يقول فيها إنه لا شك لدى المراقبين في اقتراف اليهود لمذابح المدنيين، ولكنهم لم يستجوبوا بعد الضباط اليهود المسؤولين لأن ضابط الارتباط اليهودي لا يزال يبحث عنهم، ويقترح إقفال الملف لأن هذه الأعمال كثيرة وليس لديهم وقت لذلك!
وبعد، فليس هناك مجال للشك في أن اقتراف المذابح وطرد الأهالي عملية منظمة طبقت في كل القرى بالأسلوب نفسه، وذلك بشهادة مراقبي الهدنة الذين حققوا في هذه الحوادث على الطبيعة. وهذا ما يؤيد الروايات المتواترة عن اللاجئين الناجين من المذابح، التي رفض الغرب قبولها بل حتى سماعها.
وهذا يترك المؤرخين الإسرائيليين الجدد في موقع محرج، إذا لا يستقيم اعترافهم بهذه الوثائق مع الزعم بأنها فردية أو طارئة بسبب ظروف الحرب. والحق أن الكاتب اليهودي الأمريكي نورمان فنكلشتاين فنّد بشدة محاولة هؤلاء المؤرخين في إزاحة اللوم عن إسرائيل، أما إيلان بابي فكان من البداية من المقتنعين أن مسؤولية إسرائيل في المذابح والطرد ثابتة.
هذا يتركنا مع بني موريس الذي أحدثت كتبه ضجة كبرى في إسرائيل لأنه تجرأ على تسجيل هذه الوقائع، على رغم أنه لم يلق اللوم على إسرائيل. لكنه عاد إلى جادة الحق عندما كتب عام 1999 أنه (أحياناً، يجب على المؤرخ أن يصحح خطأه)، وكيف أنه عثر على وثيقة تشير إلى أن كرمل، قائد القوات التي نفذت عملية حيرام، أرسل إشارة لا سلكية إلى كل قواته صباح يوم 31 تشرين الأول 1948 قائلاً: (اعملوا كل ما في طاقتكم لتطهير المناطق التي تحتلونها من جميع العناصر المعادية بسرعة وفوراً، ويجب حث الأهالي على إخلاء هذه المناطق ). ويقول أيضاً إن مرتكبي المجازر هي كتائب اللواء جولاني وكارميلي واللواء السابع ومن لحقهم بعد الاحتلال من قوات الحراسة، وإنه لم يعاقب أي جندي أو ضابط على اقتراف هذه الجرائم.
وهنا يأتي دور القانون الدولي فقد صنف هذه الجرائم إلى ثلاثة:
- جرائم الحرب ومنها القتل وسوء المعاملة وإعدام الرهائن ونهب الملكية العامة والخاصة والتدمير غير المبرر عسكرياً للقرى والمدن.
- جرائم ضد الإنسانية ومنها القتل والاحتجاز وأعمال السخرة والنفي والاضطهاد والتعذيب على أساس عرقي أو ديني أو سياسي.
- جرائم ضد السلام ومنها التخطيط للعدوان والتآمر لتنفيذه والبدء به. وهذه الجرائم، وكلها اقترفتها إسرائيل، لا تسقط بالتقادم. وأنشأت الأمم المتحدة، في مؤتمر روما عام 1998، محكمة الجرائم الدولية المختصة بكل هذه الأعمال الوحشية والمستندة على رصيد قانوني كبير منذ الحرب العامية الثانية حتى كوسوفا، وبقي أن تقدم إسرائيل ومجرموها إلى المحاكمة