حدثان مهمان وقعا عام 1998: الأول مرور 50 عاماً على نكبة فلسطين، وما تبعه من إحياء العرب لذكرى تلك النكبة التي حدثت عام 1948 وما زالت مستمرة حتى اليوم، ولا نملك إلا أن نلاحظ المفارقة الواضحة بين هذه الذكرى الحزينة للعرب واحتفال إسرائيل ببقاء دولتهم حية وقوية ومسيطرة حتى اليوم. والثاني هو وصول المجتمع الدولي إلى إجماع على ضرورة تأييد حقوق الإنسان ومعاقبة كل الأفراد والمجموعات، مهما كانت صفتها القانونية، التي تقترف جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، مهما تقادم عليها العهد، وذلك عن طريق إنشاء محكمة جرائم الحرب الدولية التي تم الاتفاق عليها في معاهدة روما في تموز (يوليو) 1998.
إن جرائم الحرب التي اقترفتها إسرائيل عام 1948 عديدة، ومن بينها المذابح التي وصل عدد الموثق منها إلى 35 (والرقم الحقيقي يزيد عن 100) ولكن لم ينتشر خبرها كثيراً خارج نطاق القرية أو المجتمع الفلسطيني والعربي. والاستثناء المعروف هو مذبحة دير ياسين. والسبب في هذا التعتيم هو ضعف القدرة العربية على التوثيق والإعلام.
لكن الاهتمام بدأ يتزايد بسبب فتح الملفات الإسرائيلية وملفات الصليب الأحمر للباحثين، وظهرت كتب لمؤرخين إسرائيليين وغيرهم تكشف زيف الرواية الصهيونية لحرب فلسطين، ومن العجيب أن تصبح لهذه الأبحاث ضجة كبرى في الغرب، على رغم أنها لا تزال بعيدة عن الوصف الحقيقي لأحداث 1948، في الوقت الذي تجاهل فيه الغرب تماماً سماع القصة الحقيقية من أفواه الناجين من النكبة الذين عاشوا جرائم الحرب. ويوجد اليوم ما لا يقل عن 400 ألف لاجئ في المخيمات عايشوا النكبة ويحكون القصص التي تذكرها كتب المؤرخين الجدد كأنها اكتشاف خطير، بل ويحكون قصصاً وحوادث أكثر هولاً من تلك التي لم تسجل بعد.
ولم يلتفت أحد من هؤلاء المؤرخين الجدد إلى شهود عيان مِنِ نوع آخر هم مراقبو الهدنة الذين أرسلوا تقاريرهم الميدانية إلى الكونت برنادوت وخلفه الدكتور بنش، وحسب علمي، لم يكتب عن هذه التقارير غير ميشيل بالمبو في كتابه (نكبة فلسطين) ووجد صعوبة كبيرة في نشره. واليوم أجد بين يدي ملفاً من أرشيف الأمم المتحدة رقمه (DAG - 13/3.3.1:10) وفيه تحقيق عن واحدة من أفظع جرائم الحرب الإسرائيلية، وهي حرق جماعة من أهل الطيرة (حيفا) أحياء.
تقع قرية الطيرة على بعد 7 كم جنوب حيفا، وهي ثاني أكبر قرية في المنطقة (6000 نسمة عام 1948) بعد إجزم، ويزرع أهلها الحبوب والفواكه، وكانت مشهورة باسم طيرة اللوز لكثرة أشجار اللوز فيها. تعرضت القرية لعدة غارات يهودية منذ إعلان مشروع التقسيم، وبعد سقوط حيفا. وساعدت القوات البريطانية على إخلاء بعض السكان على دفعات وصمدت القرية للحصار لمدة شهرين مثلها مثل عين غزال، وبقيت جزيرة عربية بعد احتلال كل ما حولها إلى أن سقطت في 1948/7/16، بعد هجوم من البر والبحر عليها. ودخلتها قوات اللواء الكسندروني وذلك قبل يومين من إعلان الهدنة الثانية في 18 تموز.
من واقع شهادة الشهود الناجين، والمسجلة في ملف الأمم المتحدة، يمكن إعادة ترتيب حادث حرق الأهالي أحياء على الشكل الآتي: في يوم 61 تموز، دخل اليهود القرية بعد أن سقط 13 شهيداً منها. انسحب المقاتلون الشباب إلى خارج القرية، وبقي كبار السن الذي استسلموا للجيش الغازي، ثم نقل اليهود حوالي 30 شخصاً من متوسطي العمر إلى عكا، ولم يعرف عنهم شيء (اتضح فيما بعد أنهم أرسلوا إلى المعتقل)، وبعد فترة نقل اليهود حوالي 300 شخص في 20 باصاً إلى منطقة اللجّون، وكانت ترافق كل باص مجموعة من الحراس اليهود يحملون مدافع رشاشة، وقرب خطوط القوات العراقية، طردوهم في اتجاه المنطقة العربية بعد أن أطلقوا خلفهم زخات من الرصاص.
وفي يوم 25/7 (19 رمضان) عاد اليهود إلى القرية التي لم يبق فيها إلا العجزة وكبار السن، وبعضهم ضرير، ونقلوا ما تبقى من الأهالي (حوالي 60-80 شخصاً) في باصات تحت حراسة يهودية قوامها 10 - 15 شخصاً، ووصلوا إلى منطقة شرق اللجّون حوالي الساعة الثامنة مساءً. وقفت الباصات على طريق العفولة، قرب بعض البيوت الجديدة التي هدم بعضها حديثاً، وأمر اليهود الركاب أن ينزلوا ويحمل كل منهم صرته، ويجلسوا في دائرة تبعد حوالي 200 متر عن الطريق العام في حقل قمح محصود، وأخبروهم أنهم قريبون من الخطوط العربية. سلم الحراس هذه المجموعة إلى حراس يهود من مستعمرة قريبة (اتضح أنها مركز شرطة احتله اليهود، وكانت قبعاتهم تماثل قبعات الشرطة). اشتد العطش بالأهالي بعد يوم طويل من السفر في رمضان، فطلبوا ماء ليشربوا فطلبوا منهم الانتظار، بعد قليل عادوا بغالونات من البنزين وصبوه على الأهالي الجالسين على صررهم وعلى الحصاد الجاف حولهم، أشعلوا فيهم النيران، وتركوهم يحترقون، وأطلقوا النار عندما حاول بعضهم الهرب. أصاب الأهالي الذعر والنار تأكلهم، ولم يعرفوا أين يتجهون في الظلام، ومعظمهم عاجز عن الحركة لكبر السن، ومنهم عاجز عن الرؤية، فصاروا يصرخون ويستغيثون، واليهود يراقبونهم، وكان الحراس يتكلمون العربية، ويقولون لهم (ما في الله).
هرب بعضهم وأخبروا بما جرى. ليس من المعلوم تماماً كم نجا من المحرقة لأنهم تفرقوا بعد ذلك، ولجؤا إلى مخيمات نابلس وأربد ودمشق وصيدا، وتمكن مراقبو الأمم المتحدة من تسجيل شهادة عشرة أشخاص من أصل 15 يعتقد أنهم نجوا.
أما الأحياء الذين أحرقوا فيصل عددهم إلى 55 كحد أقصى. وأستقر رأي المراقبين على قائمة معتمدة فيها 28 اسماً، تكرر ذكرهم على لسان الشهود، لذلك عرف الملف بعنوان: (Alleged burning of 28 Arabs alive) ولكن لدينا أسماء 40 شخصاً عدا الشهود (أنظر لأئحة الشهود والضحايا ص 135).
وعندما وصل الناجون من المحرقة إلى نابلس، أبلغوا المسؤولين بالحادث المروع الذي تم أثناء سريان الهدنة الثانية، فكتب أمير اللواء إسماعيل رجب قائد القوات العراقية بتاريخ 1948/7/27 إلى هيئة الأركان العراقية وعن طريقهم إلى الجامعة العربية والكونت برنادوت ولجنة الصليب الأحمر الدولية، كما أرسل عبد الرحمن عزام باشا رسالة شديدة إلى الكونت برنادوت يطالبه فيها بالتحقيق في الحادث. ولا يبدو أن مراقبي الأمم المتحدة قاموا بأي إجراء لفترة طويلة، على رغم وجود عدد من الناجين في نابلس، وأول تقرير نجده بعد 3 أسابيع من الحادث، أي في 18/8 حين تم التحقيق في صيدا بحضور الأمير عبد العزيز شهاب، محافظ جنوب لبنان، مع شاهدين فقط (من أصل 9 حددت أسماؤهم)، واستجوبهم مراقبون من هيئة الهدنة غير مختصين بالتحقيقات. قال الشاهد يوسف عبد الفتاح سلوم أنه هرب من النار، وأطلق عليه اليهود الرصاص فأصيب في فخذه، وظل يمشي لمدة ساعة ونصف ساعة في الظلام إلى أن نام تحت شجرة زيتون شمال قرية رمانة.
وذكر الشاهد الحاج حسن سلوم الوقائع نفسها وقال انه هرب في اتجاه قرية زلفة وأمضى الليلة هناك.
ومرت فترة 3 أسابيع أخرى أثناء الهدنة الثانية من دون أي إجراء أو زيارة للموقع، ولم يستأنف التحقيق إلا في 1948/9/11 بواسطة لجنة التحقيق الخاصة أي بعد شهر ونصف على الحادث.
وحين استدعيت الشاهدة رحمة إبراهيم الحاج إلى نابلس، أفادت مراقبي الهدنة بالآتي: (عندماوصلنا شرقي اللجّون قال اليهود انزلوا من الباصات وكل واحد يجلس على صرة ملابسه على شكل دائرة، كنا في غاية العطش وطلبنا الماء، قال اليهود بالعربية انتظروا وذهبوا في اتجاه الباصات وعاد كل واحد منهم يحمل تنكة وبدؤوا يصبون محتوياتها على الصرر وعلى العجزة، ثم أشعلوا النار فيهم وذهبوا. كنت أصغر وأقوى من البقية، فلما شممت أن السائل بنزين وليس ماء، هربت من الجهة البعيدة عن النار وجريت واختبأت تحت صخرة إلى الصباح، وكنت أرى النار مشتعلة والناس يصرخون ويستغيثون، وفي الصباح ذهبت إلى مكان المحرقة، وعندما وقع بصري على عدة جثث متفحمة، استبد بي الرعب، فلم أبق لحظة واحدة لأعدهم. وجريت إلى أن وصلت إلى قرية زلفة حيث وقعت على الأرض من الرعب والإعياء واعتنى بي أهالي القرية ثم أخذوني إلى جنين).
وتوالت شهادات الشهود تروي القصة، وتكرر سرد أسماء الضحايا على رغم اختلاف الشهود والمحققين ومكان التحقيق، ووصلت لجنة التحقيق في تقريرها الأول المؤرخ في 1948/9/12 إلى قناعة بأن الشهود أدلوا بالحقيقة، وأن هذا العمل (حرق الأهالي) عمل شبه حربي، مخالف للهدنة.
إلا أنه حتى هذه الإدانة الخفيفة لم تستمر طويلاً، إذ بعد أسبوع، اغتال الإرهابيون اليهود الكونت برنادوت، وانشغل رئيس المحققين باصطحاب جثمان برنادوت والتحقيق في مقتله. وفي 23/9، كتب المستشار القانوني تقريراً، قرر فيه أنه، بعد الإطلاع على شهادة الشهود، لا يوجد دليل قاطع على جريمة المحرقة(!) إذ ان أقوال الشهود متناقضة، معتبراً أن قول القرويين البسطاء أن عدد اليهود المرافقين يتراوح بين 10 أو 15، أو أن عدد الباصات 2 أو 3 هو تناقض يخل بالحقيقة، ولا يعتمد عليه، وأوصى أن يزور فريق التحقيق مكان الحادث وأن يؤخذ بعض الشهود إليه لمطابقة أقوالهم بطبيعة المكان.
والغريب أن فريق التحقيق لم يزر مكان الحادث على الإطلاق، وكان من الواجب أن يقوم بذلك فور الإبلاغ عنه أي بعد يومين من المحرقة، ولو فعل ذلك لوجد آثارها على الأقل إن لم يجد بعض الجثث الموجودة قبل نقلها. قمنا بعد 50 سنة بتركيب خريطة من الخرائط البريطانية لتلك الفترة قبل نهاية الانتداب (انظر الخريطة) لنرى إمكان تطابق الأماكن مع شهادة الشهود، وهو أمر كان من السهل على مراقبي الهدنة أنفسهم عمله، لو تمكنوا من زيارة الموقع أو أخذ الشهود إليه، ولقد وجدنا أن جميع أقوالهم مطابقة للأماكن.
قال الشهود: إن وقوف الباصات كان على طريق العفولة (مطابق) شرقي اللجّون (مطابق)، قريب من موقع ماء أو سبخة (مطابق)، قريب من مستعمرة اليهود الذين كانوا يرتدون قبعات مختلفة مثل الشرطة (مطابق لمركز الشرطة الذي تحول إلى مستعمرة غرب مكان المحرقة). قال أحدهم: (مشيت ساعة ونصف ساعة إلى أن وصلت إلى شجر زيتون شمال الرمانة)، (المسافة مطابقة - الرمانة جنوب حدود الخريطة، يوجد زيتون شمال الرمانة) قالت إحداهن أن أحد الرعاة أخذها إلى القرية (مطابق - توجد مراعي إلى الشرق من المكان)، وأنها مشت ساعة إلى أن وصلت زلفة (المسافة مطابقة)، نزلنا من الباص قرب منازل جديدة هدم بعضها (مطابق - يوجد منزل إلى الشرق من المحرقة)، كان وقت الحصاد (مطابق).
والغريب أن أحد المراقبين كتب تقريراً يقول فيه ان مثل هذه الحوادث كثيرة وأنه ليس لديهم الوقت للتحقيق في مثل هذه الحوادث، ويجب أن يتفرغوا لمراقبة وقف إطلاق النار والتحركات العسكرية.
وهنا يبدأ التواطؤ، أو الإهمال على أحسن تقدير. إذ عندما أصر فريق التحقيق المختص على الطلب من إسرائيل السماح للشهود بزيارة موقع المحرقة في صحبة الفريق، كتب الدكتور مون المستشار السياسي لخليفة الكونت برنادوت في 18/10 (أي بعد 3 شهور على الحادث) أنه لا يرى حاجة إلى ذلك لكنه سيحاول الحصول على هذا الإذن. ولم يصدر هذا الإذن على الإطلاق على رغم استمرار المراسلات الصورية بينه وبين حكومة إسرائيل المؤقتة. واعتبر فريق التحقيق أن زيارة الموقع مع الشهود ضرورية وأشار بطريقة ديبلوماسية أن السلطات الإسرائيلية لا تتعاون لتحقيق مجرى العدالة.
ورفعاً للعتب، قام فريق التحقيق بالاجتماع مع العسكريين اليهود في حيفا في فندق صهيون غرفة 19، يوم 1948/10/12 وهم: الرائد شنورمان (ضابط الارتباط والمترجم)، النقيب هاشمشوني (مساعده)، الملازم امتاي تراومان (المسؤول عن ترحيل أهالي الطيرة)، الرقيب يوناس هانز.
قال تراومان أن الشباب القادرين على حمل السلاح غادروا القرية في الليل، واعترف بأن اليهود رحّلوا أهالي الطيرة الباقين كلهم قسراً (وهذا اعتراف يجب أن يتذكره هؤلاء الذي يلتمسون العذر لإسرائيل)، وقال أنه نقل النساء والشيوخ في حافلات إلى منطقة اللجّون، وأرشدهم إلى الطرق الخالية من الألغام المتجهة إلى الخطوط العربية حرصاً على سلامتهم، وان المرافقين اليهود ساعدوا العجزة على حمل متاعهم، وأنه لكثرة الأهالي، اضطروا إلى ترحيلهم على دفعتين، وأن الدفعة الثانية وصلت قبل الظهر (خلافاً لشهادة الشهود بأنها وصلت الثامنة مساء). وأن المرحلين أخذوا معهم ماء قبل السفر ولم يطلبوا ماء عند الوصول، وان اليهود أحضروا لهم أطباء وممرضات لمساعدة المرضى منهم وقال إن الحراس اليهود أحرقوا المتاع الذي تركه الأهالي خلفهم، وأنه لم يحضر هذه العملية، لكنه زار المكان بعد يوم من القافلة الثانية فوجد آثار الحريق، ولما سئل الضابط عن اتهام العرب لهم بإحراق الأهالي أحياء، ابتسم وقال هذا هراء، وانتهى هذا الإجماع المهم بعد ساعة واحدة فقط.
أما رد الخارجية الإسرائيلية عن الاتهام في هذه الجريمة الشنيعة، فهو مثل حي على النمط الذي استعملته إسرائيل لاحقاً مع كل مراقبي الهدنة عند استقصاء جرائم الحرب وحوادث الحدود. في أول رد على اتهام عبد الرحمن عزام لاسرائيل باقتراف الجريمة، كتب والتر ايتان (إيلات لاحقاً) مدير الخارجية الإسرائيلية إلى الدكتور مون في 1948/9/8 (أي قبل أسبوع من اغتيال برنادوت) أن هذا الاتهام (مقزز ولا يمكن تصديقه وليس له أساس من الصحة، واختراع من وحي الخيال الشرقي) الخ وقال إن إسرائيل قامت بتحقيق مفصل في الموضوع، وأنه لكي تثبت صحة هذا الإدعاء الخرافي، فإنه يجب إعادة المحروقين أحياء(!) وأنهم حققوا مع الأسرى الذين أخذوا من الطيرة وأودعوا في معتقل رقم 1 في قرية إجليل، وأكد أنه لم يتعرف أحد منهم على أسماءالضحايا، وأن الشاهد المدعو يوسف عبد الفتاح كان يعمل في بلدية حيفا وأرفق شهادة من مهندس البلدية أنه ضعيف النظر ومعروف بالخرف (أكد فريق التحقيق لاحقاً رداً على ذلك أن الشاهد في صحة جيدة وليس ضعيف النظر)، وأنه عند نزول الأهالي من الباصات، وعرفوا أن عليهم المشي مسافات بعيدة، تركوا صررهم، لذلك أحرق ما تبقى منها لأسباب صحية منعاً للوباء، وكتب أيتان أن الأهالي ربما خلطوا بين الجثث المتفحمة شرق اللجّون، وأخرى في عين غزال، إذ قال أن القوات الإسرائيلية قامت في 1948/7/25 بعملية تمشيط أمنية، (فوجدت) قرب عين غزال 30 جثة متعفنة، وقرر القائد إحراقها خشية على قواته من الوباء، ولأنه لا يوجد خشب كاف، كان الحرق غير كامل، لذلك أمر القائد بعض الأسرى في اليوم التالي بدفن الجثث، وأدى انتشار هذا الخبر إلى الانطباع الخاطئ بأننا حرقنا الأهالي أحياء إشارة ايتان إلى جريمة ثانية قرب عين غزال ذات مغزى، لأن برنادوت أبلغ مجلس الأمن عن هذه الجريمة الأخيرة في 1948/7/30، ولهذا أراد ايتان أن يخفي جريمتين في جريمة واحدة.
وعندما عرضت هذه الأقوال على قائد القوات العراقية في نابلس، أجاب بأن المسافة بين اللجّون وعين غزال كبيرة، وأن الضحايا والناجين من أهل الطيرة يعرفون الأماكن جيداً، ولا يعقل أن يخلطوا بين المكانين، وقال أيضاً أنه لا يعقل أن يخلط الناس بين الجثة المحترقة، والصرة التي اشتعلت فيها النار. وأن أي قائد عسكري شريف عليه أولاً إذا وجد جثثاً محترقة في الميدان أن يرسل طبيبه ليفحصها ولا يجوز حرقها إلا بعد إصدار شهادة طبية، وأن العرف في الحرب هو دفن الجثث، وليس حرقها.
وعلى رغم أن شهادة الشهود متطابقة مع بعضها ومع المكان، وعلى رغم الأدلة الدامغة، فلم يصدر مراقبو الأمم المتحدة أي حكم قاطع في هذه الجريمة الشنيعة ولم يصر فريق التحقيق على استخراج إذن من إسرائيل لأخذ الشهود إلى مكان المحرقة، لكن ظهور هذا الملف والإطلاع عليه بعد 50 سنة، وإقامة محكمة جرائم الحرب الدولية التي لا تسقط المسؤولية عن مرتكبيها بالتقادم، يفتح المجال لإعادة التحقيق في هذه الجريمة ومعاقبة مرتكبها. وأدركت إسرائيل ذلك، فبعد أن فتحت الملفات كلها للمؤرخين، عادت فأغلقت الملفات المتعلقة بالمذابح وطرد الأهالي وجرائم الحرب الأخرى.
ولا شك في أن أحد الشهود أو عائلاتهم لا يزال موجوداً في المخيمات، خصوصاً في لبنان، لذلك أرجو ممن لديه معلومات عن هذه الجريمة من أهل الطيرة أو غيرهم أن يكتبوا إلى (الحياة) بما لديهم، لأن التوثيق هو تسجيل للتاريخ وحفظ للحقوق وإدانة للمجرمين مهما طال الزمن، لذلك فإن تسجيل شهادة الشهود، وهم الآن كبار في السن، هو ضرورة ملحة، فليس لدينا وثائق غير ذلك.
لائحة الشهود والشهداء
شهود تم استجوابهم في نابلس:
- غزالة يوسف محمد
- صفا محمود درباس
- الحاج موسى العبد درباس
- فاطمة أحمد خليل عمورة
- عاقلة محمد العباس
- رحمة إبراهيم الحاج
- أحمد نمر درباس
- أحمد يوسف الجبالي
شهود تم استجوابهم في صيدا:
- يوسف عبدالفتاح سلوم
- الحاج حسن سلوم
شهود لم يتم استجوابهم:
- ظريفة محمد على المشبحة – دمشق
- فياض أبوراشد (ضرير) – إربد
- زوجته فاطمة أبوراشد – إربد
- محمد المنصور عبدالقادر – نابلس
- ظريفة الحاج عبدالرحمن سلوم
مفقودون وشهداء:
- عبدالسلام عبدالقادر وزوجته
- عبدالسلام عبدالقادر وزوجته
- الحاج أحمد البلعاوي
- رحمة الشربيني
- - أبوالعبد وزوجته (بائع متجول، ليس من الطيرة)
- - أبوالعبد وزوجته (بائع متجول، ليس من الطيرة)
- عايشة أم أبوالعلا
- حمدة موسى العلي
- حمدة بدر(من عائلة أبوراشد)
- ليلى خليل غنام
- سعدة العروق
- حسن دعاس
- بنت عبد الناجي
- رحمة حسن حدق
- عايشة محجوب
- عايشة بهلول
- حمدى علَوط
- حمدي موسى
- أم ديب العمشة
- زوجة الحاج أحمد البلعاوي
- أيوب الهندي
- محمود سلوم وزوجت
- زوجة أبوعمشة
- حسن الهندي
- زوجة عبدالقادر علَوط
- راتب الحسن الشبلي
- أبوالسعيد فضل الله
- حلوة العبيط
- لطيفة البهلول
- هاجر السلمان
- فاطمة أبومحجوب
- محمد كيال
- فاطمة عبدالحي
- زينب الشباب
- حسن الحمدة
- رفعت الشيخة المدردس
- ظريفة النجمة
- حلجة العلي
- فاطمة علي الصالح