الآن وقد أعلن بدء المفاوضات السورية الإسرائيلية فإنه من الضروري التنسيق بين الموقف السوري والفلسطيني للمحافظة على الحقوق العربية على جانبي الحدود السورية الفلسطينية. ويجب أن يعلم القادة أنهم زائلون ولكن الشعوب باقية، ولذلك فإن المحافظة على الحقوق العربية يجب الاّ يكون رهناً لاختلاف القادة، رغم إدراكنا لخلفية هذا الخلاف وأسبابه، وربما تعاطفنا مع هذا الموقف أو ذاك. لكن غياب التنسيق والاتفاق سيؤدي حتماً إلى إضعاف موقف المفاوض العربي، ويعود بالضرر الدائم على حقوق الشعب العربي الأصلية.
تبرز أهمية هذا التنسيق بمناسبة المفاوضات حول الحدود بين سوريا وإسرائيل، أو بالأحرى عن المناطق المنـزوعة السلاح داخل فلسطين التى سيطرت عليها القوات السورية المدافعة عن فلسطين عام 1948، وتطالب إسرائيل بالسيادة عليها بعد احتلال جزء منها في الخمسينات واحتلالها كلها عام 1967.
عندما تقدمت القوات السورية للدفاع عن فلسطين في مايو 1948، دخلت فلسطين في اتجاه سمخ جنوب بحيرة طبريا واحتلت مستعمرة دجانيا في 15/5 لفترة وجيزة وانسحبت منها إلى المنطقة الشرقية من بحيرة طبريا في 23/5 واحتفظت بالأراضي الفلسطينية شرق البحيرة عدا مستعمرة عين غيف التى لم تستطع إكمال احتلالها بسبب إعلان الهدنة الأولي في 11/6 وهي الهدنة التى أنقذت الإسرائيليين ومكنتهم بعد ذلك من الأخذ بزمام المبادرة في المعارك اللاحقة. هذا في القطاع الجنوبي من الجبهة السورية. أما في القطاع الأوسط من الجبهة، فقد دخلت القوات السورية فلسطين جنوب بحيرة الحولة، واحتلت مستعمرة مشمار هايردن عند جسر بنات يعقوب في 6/6 في عملية " فاتح الله " وهي المستعمرة الوحيدة في منطقة عربية بحتة وسكانها من عصابة الارجون وسيطرت على الأراضي الفلسطينية حولها وعلى امتداد شريط يمتد جنوباً حتى شمال بحيرة طبريا. وفي الشمال سيطرت سوريا على منطقة صغيرة حول تل القاضي. ويبلغ مجموع تلك الأراضي الفلسطينية حوالي 70 كيلو متر مربع. وقد تحولت كل هذه الأراضي إلى مناطق منزوعة السلاح حسب اتفاقية الهدنة مع سوريا في 1949/7/20. وقد جاء وصف ظروف هذه الاتفاقية وخريطة مفصلة لهذه المناطق في مقالنا في "الحياة"، في 1999/8/20 ص14.
واليوم يزداد الحديث عن هذه المناطق، وكثيراً ما يشار إلى خط 4 حزيران 1967 الذي يعتبر الخط الذى تقبل به سوريا كأساس وحيد للمفاوضات مع إسرائيل. وفي سبتمبر 1999 نشر المعلق فريدريك هوف في مجلة Middle East Insight ذات الصلة بالدوائر الأمريكية تعليقاً مرفق به خريطة لتصوره عن موضع خط 4 حزيران. والجدير بالذكر أن هوف مسئول سابق في وزارة الدفاع الأمريكية ويعمل الآن مستشاراً في مؤسسة أرميتاج اسوشيتس، وصاحبها ريتشارد أرميتاج كان مسئولاً امريكياً كبيراً في وزارة الخارجية الأمريكية، وقد أصبح الآن مستشاراً في السياسة الخارجية لجورج بوش الابن المرشح لرئاسة الجمهورية.
وكتب باتريك سيل في الحياة (أعداد 21، 22، 23 تشرين الثاني / نوفمبر 1999) مقالات مفصلة يوثق فيها "وديعة رابين " التى نقلها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق وارن كريستوفر إلى سوريا، مبيناً فيها استعداد إسرائيل إلى الانسحاب من الجولان حتى خط 4 حزيران. ومن الجدير بالذكر أن مقالات سيل الهامة عن وديعة رابين لم تواجه من إسرائيل أو أمريكا بالإنكار أو النفي، لا علناً في الصحافة، ولا بالاتصال الشخصي، كما أكد لي سيل نفسه.
يبقي السؤال المهم: ما هي أهمية هذا الخط ووضعه القانوني؟ وكيف يمكن الوصول إليه أو تخطيه؟
من المعلوم أن هناك 3 خطوط جديرة بالاعتبار. الأول هو خط الحدود الدولية لعام 1923 الذى تم الاتفاق عليه بين سلطتي الانتداب الفرنسية في سوريا والبريطانية في فلسطين. هذا الخط فرضته الأطماع الصهيونية على حكومة الانتداب البريطانية لضم نهر الأردن ومصب نهر اليرموك وبحيرة طبريا وبحيرة الحولة إلى فلسطين. فجاء الخط متعرجاً بشكل غير طبيعي لكي تقع مجاري المياه إلى غربه، أي في فلسطين، التي يستعد الصهاينة لتسلمها من بريطانيا على يد أول مندوب سام بريطاني هو الصهيوني اليهودي هربرت صمويل. وقد نشأ عن ذلك أزمات وقلاقل كثيرة بين أهالي المنطقة بسبب تمزيق أراضي 22 قرية من قضاء صفد بحيث أنفصل الأهالي عن ذويهم وعن أراضيهم ومياههم. وجاءت اتفاقية “حسن الجوار “ عام 1926 لتعديل هذا الوضع إذ أكدت هذه الاتفاقية على أن سوريا دولة مشاطئة على نهر الأردن ولها حرية الوصول إلى المياه للري والملاحة وصيد السمك، ولسوريا الحق في الوصول بالسكة الحديد إلى سمخ جنوب بحيرة طبرية وإقامة رصيف خاص بها في سمخ، وأن أهالي المنطقة على جانبي الخط سواء أصبحوا فيما بعد سوريين أو فلسطينيين (وكانوا رعايا عثمانيين) لهم حق عبور الخط بمواشيهم وبضائعهم دون قيود أو جمارك. والأهم من ذلك أن الاتفاقية جعلت المرجعية في حال الخلاف هي محكمة العدل الدولية. وهذا يعطي بعداً قضائياً دولياً بالغ الأهمية لانه لا يعكس ميزان القوي السياسي أو العسكري وإنما يعتمد على القانون الدولي ومبادئ العدالة.
والخط الثاني هو خط اتفاقية الهدنة الموقعة في 1949/7/20. وهو يضم بينه وبين حدود 1923 أراض فلسطينية تبلغ مساحتها نحو 70 كيلو متر مربع كلها غربي الخط الدولي ما عدا مساحة صغيرة شرقيه عند إحداثيات (21252905). هذا الخط مثبت في الخرائط وفي نص الاتفاقية وله معني قانوني واضح. وقد أصبحت هذه المناطق الفلسطينية منـزوعة السلاح حسب الاتفاقية ولا يجوز أن تتواجد فيها قوات عدا قوات للشرطة، عربية وإسرائيلية، من أهالي المنطقة. ويمنع تواجد أسلحة ثقيلة لمسافة 5-10 كم من خط الهدنة. ولا يجوز تغيير الوضع السياسي أو العسكري لهذه المنطقة إلى أن يتم الاتفاق النهائي في معاهدة سلام. ويشرف مراقبو الهدنة على تطبيق شروط الهدنة في هذه المناطق ولهم مطلق الصلاحية. وتوجد في هذه المناطق 10 قري فلسطينية هي خان الدوير في القطاع الشمالي، وكراد البقارة وكراد الغنامة ومنصورة الخيط ويردا في القطاع الأوسط، والنقيب القديم والجديد والسمرة وخربة التوافيق والحمة في القطاع الجنوبي، وعدد سكانها آنذاك 3,770 شخص (عددهم الآن 23,100) طرد معظمهم إلى سوريا، ونقل حوالي 600 إلي شعْب قرب عكا، حيث لا يزالون إلى الآن.
أما الخط الثالث، الذي يدور حوله كثير من الجدل، فهو خط 4 حزيران 1967. بعد الهدنة، بدأت إسرائيل في محاولة فرض سيطرتها على المنطقة المنـزوعة السلاح وذلك بإدخال قوات عسكرية للمنطقة، وتجفيف بحيرة الحولة وتحويل مجري نهر الأردن وأعلنت سيادتها على المنطقة، وكل ذلك مخالفة صريحة لشروط الهدنة. وقامت إسرائيل بافتعال مناوشات وتعديات على السكان وعلى القوات السورية ابتداء من عام 1951، واعترف موشي ديان بعد ذلك أن 80 % منها كان مدبراً لاستفزاز السوريين وجرهّم إلى معركة واحتلال المنطقة المنزوعة من السلاح وضمها إلى إسرائيل. وقامت إسرائيل بطرد الأهالي العرب إلى سوريا، وأجبرت الذين رفضوا الخروج على إجلائهم إلى قرية شعب قرب عكا بعد تهديدهم بالذبح. قال أحدهم، أبوسالم الخوالد، في شهادته الرسمية: “جاءنا الجنود الإسرائيليون في الليل وأمرونا بالخروج والإ فإنهم سيفعلون بنا ما فعلوه في الحسينية، القرية المجاورة. وكنا نعرف أنهم ذبحوا أهلها مثل الغنم “. وكانت نتيجة هذه الأعمال الإجرامية كلها أن اجتازت القوات الإسرائيلية خط الهدنة وطردت كل سكانها العرب. وما أن بدأ العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر 1956 حتى تمكنت من السيطرة على مثلث كراد البقارة والغنامة في القطاع الأوسط ومعظم القطاع الجنوبي باستثناء الحمة، وجزء من القطاع الشمالي، وبقي في يد القوات السورية حوالي مساحة 40 % من مجموع المناطق المنـزوعة السلاح، وأصبح الخط الفاصل بين القوات الإسرائيلية والسورية هو خط يمر غرب الحدود الدولية غرب تل العزيزات، ثم يطابق الحدود الدولية حتى بحيرة الحولة ثم يتجه غرباً في الأراضي الفلسطينية جنوبي الحولة ليشكل مثلثاً كبيراً ثم يسير محاذياً لمجري نهر الأردن ولكن إلى غربه في فلسطين حتى بحيرة طبرية ثم يجاور حدود البحيرة حتى قرية النقيب الأعلى ثم يقسم القطاع الجنوبي إلى قسمين تاركاً التوافيق والحمة في أيد سورية. هذا هو خط 4 حزيران 1967 وهو في الواقع خط 20 أكتوبر 1956، أي قبيل العدوان الثلاثي على مصر، لأنه لم يحدث أي تغيير في هذا الخط ولا عمليات عسكرية خلال 11 سنة فاصلة.
الأرض والسيادة:
في 1951/4/15 أعلن وزير خارجية إسرائيل موشى شاريت بسط سيادة إسرائيل على المناطق المنـزوعة السلاح، على أساس أنها “ جزء لا يتجزأ من المناطق الخاضعة للانتداب البريطاني “. وسارعت بريطانيا إلى شجب هذا البيان بأنه ليس له أساس، وتشير البيانات والمراسلات الدبلوماسية البريطانية في تلك الفترة (1949 – 1951) أن إسرائيل أكدت مرات عديدة أنها لا تعتبر نفسها خليفة للانتداب البريطاني. (والسبب في ذلك أنها في هذه الحالة تعتبر مسئولة عن الشعب الفلسطيني بمنحه الجنسية وإبقائه على أرضه في فلسطين). وقد جاء في مذكرة لوزارة الخارجية البريطانية بتاريخ 1951/4/24 رفض الوزارة لادعاء إسرائيل بالسيادة على المناطق المنـزوعة السلاح وموجزها كما يلي: (1) لا يمكن اعتبار إسرائيل خليفة لحكومة الانتداب ولم يكن هذا الأمر في حسبان أحد، (2) ليس لإسرائيل حقوق مستمدة من الأمر الواقع، فلم تحتلها إسرائيل يوماً ولا توجد لها فيها قوات عسكرية، والعكس هو الصحيح، فان القوات السورية هي التى تسيطر على المنطقة، والأمم المتحدة هي التى أقنعتها بالانسحاب بناء على تعهدات معنية، (3) إن تسلل إسرائيل للمنطقة خلافاً لشروط الهدنة التى تقضي بعدم وجود قوات عسكرية لأي طرف، لا يمكن اعتباره مبرراً لأي مطالبات إسرائيلية، (4) هذه المناطق لم تُسلّم إطلاقاً إلى إسرائيل في أي وقت. وقد أيدت أمريكا حليفتها بريطانيا في ذلك.
والواقع أن سوريا لم تكن توقع اتفاقية الهدنة إلا اعتماداً على " البيان الرسمي " الذى أصدره رالف بانش الوسيط الدولي بناء على مفاوضاته مع الطرفين، وأصبح هذا البيان من الوثائق الرسمية لاتفاقية الهدنة. صدر هذا البيان في 1949/6/26 قبل 3 أسابيع من التوقيع، وجاء فيه: " إن قضايا الحدود الدائمة، والسيادة على المناطق، والجمارك والعلاقات التجارية وغير ذلك يتم التعامل معها في اتفاق السلام النهائي وليس في اتفاقية الهدنة ". وخاطب موشي شاريت قائلاً: " من بداية المفاوضات كانت أكبر عقبة في طريقنا هي طلب إسرائيل غير المؤهل انسحاب القوات السورية من فلسطين. وقد تمكنا بعد مجهود شديد من إقناع السوريين بذلك. وأملي أن هذا الإنجاز لا ينقض الآن بمماحكات قانونية حول مبادئ السيادة والإدارة (للمنطقة) ". ومن هذا يتضح أنه لا الوسيط الدولي ولا اتفاقية الهدنة ولا دولة الانتداب ولا حليفتها أمريكا وافقت على سيادة إسرائيل للمنطقة.
وبالإضافة إلى بريطانيا وأمريكا واتفاقية الهدنة، أكد مجلس الأمن هذا الموقف بقراره الهام في 1951/5/18 الذي أعاد فيه تأكيد " البيان الرسمي " بان اتفاقية الهدنة لا تمنح إسرائيل السيادة على هذه المنطقة. وطالب القرار بعودة اللاجئين المطرودين إلى ديارهم وشجب مشاريع تحويل النهر وتجفيف الحولة.
إذا كانت إسرائيل ليس لها حق السيادة على هذه المناطق بموجب الإجماع الدولي، وإذا كانت إسرائيل أعلنت مراراً انها ليست خليفة الانتداب البريطاني، فعلام تعتمد إذن على المطالبة بهذه المناطق؟
تقول إسرائيل أن هذه المناطق تقع في المناطق المخصصة للدولة اليهودية حسب قرار التقسيم 181 الصادر في 1947/11/29، وهو القرار الذي أشارت إليه إسرائيل في بيان استقلالها. فإذا كان هذا هو المبدأ، فإن على إسرائيل أن تعيد إلى الفلسطينيين 6,320 كم مربع (أو حوالي 100 ضعف المناطق المنـزوعة السلاح) – أو 24 % من مساحة فلسطين، التى احتلتها إسرائيل زيادة عن مشروع التقسيم في الجليل الأوسط ومناطق اللد والرملة وبئر السبع، وطردت منها حوالي ثلث اللاجئين البالغ عددهم اليوم حوالي خمسة ملايين لاجيء.
لكن إسرائيل عادت بعد أوسلو إلى الإعلان بأنها لا تعترف بمشروع التقسيم. إذن لم يبق لديها إلا الاعتماد على اتفاقية الهدنة مع سوريا وتحويلها إلى اتفاقية سلام كما حدث مع مصر والأردن. أما خط حزيران 1967 (أو بالأصح خط أكتوبر 1956) فليس له أي معني قانوني وليس مثبتاً على أي خرائط أو معتمدا في أي اتفاقية. فما هو إلا عبارة عن خط التعدي الإسرائيلي على خط الهدنة خلال الفترة من 1951 إلى 1956، والاعتماد عليه يوقعنا في فخ الاعتماد على حسن أخلاق إسرائيل والرضوخ إلى قوتها العسكرية، الأمر الذى نعلم عواقبه بشكل مؤلم في مفاوضات أوسلو وما حدث للضفة الغربية وغزة من اقتطاع واستيطان.
لقد نقل عن السفير السوري وليد المعلم أنه لا يعتمد الحدود الدولية عام 1923 لأنها حدود " استعمارية "، لا تعكس حقوق الشعب السوري. وهذا مفهوم ولكن بشرط أن تكون الحدود الجديدة خارج الأراضي السورية. وليس لدينا خط نعتمد عليه في ذلك غير خط الهدنة. وقد أسقطنا خط 4 حزيران، لأنه يمثل العدوان الإسرائيلي، ولو كان هذا العدوان مقبولاً، فإن احتلال الجولان مقبول بنفس المنطق. وهذا غير معقول أو مقبول.
وما هو وضع الأراضي الفلسطينية في المناطق المنـزوعة السلاح؟ هنا نتعلم شيئاً مفيداً ولكنه غير كامل من معاهدتي السلام مع مصر والأردن. لقد نصت المعاهدة مع مصر على أن إسرائيل تعترف بالأراضي المصرية خارج الحدود الدولية، ولكن العكس غير صحيح، أي أن مصر لا تعترف بسيادة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية الواقعة بين خط الهدنة والحدود الدولية (أي قطاع غزة)، وأخضعت الاتفاقية مصير السيادة على هذه الأراضي على المعاهدة التى ستوقع مع فلسطين. جاء في المادة الثانية من معاهدة السلام مع مصر: “ ان الحدود الدائمة بين مصر وإسرائيل هي الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب دون المساس بما يتعلق بوضع قطاع غزة “ أي الأرض الواقعة بين خط الهدنة والحدود الدولية، وقد أشير إلى هذا الخط في الخرائط بأن خط “ الهدنة “، وليس حداً. وجاء في الاتفاق التكميلي السابق للمعاهدة مذكرة مصرية بتاريخ 1978/10/13، تشير إلي التوقيع على وثيقة إطار السلام للشرق الأوسط، وتذكر رسالة أنور السادات إلى كارتر “ من أجل الحفاظ على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني “، وتقترح إجراءات لبناء الثقة وإزالة آثار الاحتلال الإسرائيلي للضفة والقطاع. وقد تمت موافقة مصر على معاهدة السلام والاتفاق التكميلي معاً. وجاء في المذكرة التفسيرية رقم 153 لعام 1979، التأكيد على ميثاق الأمم المتحدة ومبادى القانون الدولي، “والموقف المبدئي لمصر أن جوهر النـزاع ولبه وسببه هو المشكلة الفلسطينية “ والربط بينها وبين هذه المعاهدة "ليس ربطاً شكلياً بل هو ربط عضوي ".
ونصت معاهدة السلام مع الأردن على مواد مشابهة بالنسبة للضفة الغربية والبحر الميت، ولكنها لم تكن بنفس الوضوح والقوة كما هو في المعاهدة المصرية. ونعلم جيداً الظروف التى وقع فيها الرئيس السادات والملك حسين هذه المعاهدات والتى لا تعتبر مثالية بحال من الأحوال والتى يعّبر عنها الرفض الشعبي في مصر والأردن لعواقب وتطبيقات معاهدتي السلام، ولا نستبعد أن يؤدي هذا الرفض إلى تداعيات مستقبلية. ولا نتوقع أن الرئيس الأسد سيقبل بنفس الأسلوب بأي حال. ولذلك فإنه من الضروري أن تبقي هذه المناطق عربية في جميع الأحوال بغض النظر عن صبغتها العربية. وهذا لا يتأتي إلا بتنسيق واع وناضج بين الطرفين السوري والفلسطيني يؤدي إلى توحيد المواقف. وإلا فإن موقف الطرفين سيكون ضعيفاً. وقد نقل عن مسئول أمريكي أن الإسرائيليين واجهوا السوريين بالقول ان هذه الأراضي ليست من شأنكم، وليس لكم التحدث عنها.
وإذا أسقطنا التعاون العربي، فان إسرائيل ستلجأ بكل وقاحة، كما ذكر المعلق العسكري في هآرتس زئيف شيف، إلى القول بأن هذه الأراضي لنا بحق الاحتلال، فنحن قد احتللناها مدة " أطول" من السوريين. هذا ما تقوله إسرائيل عندما تعجز عن إثبات حقها بالشرعية الدولية. وإذا توحّد الموقف العربي، فعليه أن يواجه إسرائيل بالموقف التالي:.
هذه أرضنا عربية، وأنتم دخلاء عليها. فعليكم أنتم وليس علينا عبء إثبات أن لكم حقوق فيها. هل هو خلافتكم لدولة الانتداب بريطانيا، أم هو تطبيق لمشروع التقسيم؟ أما حق احتلال إسرائيل لهذه الأراضي بما فيها الجولان فهو ساقط بموجب القانون الدولي. وبمعني آخر، يجب الرجوع إلى المرجعية الدولية، حتى لو احتاج الأمر إلى حكم محكمة العدل الدولية في لاهاي أو التحكيم كما حدث فى طابا، وعدم الاعتماد على موازين القوي الحالية لتحديد مصير الأرض.
المياه:
كل توجهات إسرائيل ومواقفها من الجولان تخفي مبدأ أساسياً، هو منع سوريا من حقها كدولة مشاطئة على نهر الأردن وبحيرة طبرية. فإسرائيل لا تحتاج إلى أرض إضافية، ولا تخشى تهديداً عسكرياً، رغم كل الادعاءات. إسرائيل تريد الانفراد بمصادر المياه في المنطقة وهي تسرق الآن كحد أدني 50 مليون متر مكعب سنوياً من منابع الجولان، و100 مليون من اليرموك بدلاً من حصتها البالغة 25 مليون حسب مشروع جونستون، و550 مليون من نهر الأردن الأعلى بدلاً من حصتها البالغة 375 مليون. أي أن إسرائيل تسرق سنوياً 300 إلى 500 مليون متر مكعب سنوياً (بالإضافة إلى 400 من الضفة الغربية). وهذا يعني أن إسرائيل سرقت من الجولان خلال 32 سنة من الاحتلال حوالي 10,000 إلى 15,000 مليون مكعب من المياه، أو ما يغطي استهلاكها بأكمله دون اللجوء إلى مصدر آخر لمدة خمسة إلى ثمانية سنوات كاملة. ولذلك فإن الخط الأقصى للانسحاب الذى اقترحه مركز جافي للدراسات الاستراتيجية والمبيّن على الخريطة في مقالنا في الحياة في 1999/8/20 يعطي الانطباع بأن "معظم " الجولان قد عاد إلى سوريا، والواقع أن " معظم " الجولان هذا جاف، ولا يحتوي على مصادر مياه، بل إن هذا الخط يبعد حوالي 5-10 كم عن نهر الأردن ويمنع سوريا من حقها في كونها دولة مشاطئه على النهر والبحيرة. ومن هنا فإنه يجدر بسورية التمسك بشدة بحقوقها التاريخية في المشاطئة التى ضمنتها اتفاقية 1926 ورغم كونها اتفاقية استعمارية الإ أنها ضمنت الحقوق المائية لسوريا.
وهذا سبب آخر لضرورة التنسيق العربي بين سوريا وفلسطين والأردن في موضوع المياه إذ لا يمكن مواجهة إسرائيل بالحقوق العربية في المياه دون إتخاذ موقف موحد حولها، وهو الموقف الذى كان سائداً في عهد جمال عبد الناصر حتى عام 1964. وتكرر لفترة قصيرة عام 1973 بنتائج جيدة.
توحيد المواقف أو على الأقل التنسيق بينها من بديهيات العمل المثمر. وإن كنا في حاجة إلى تذكير، فلنقرأ مرة أخري الحلقات الثلاث التى نشرها باتريك سيك في "الحياة " حول وديعة رابين. لقد أثبت سيل وجودها بشكل قاطع، ولكنه فسرها تفسيراً له مغزى خاص، إذ قال إن رابين قصد بهذه الوديعة خداع سوريا، حتى يتفرغ للمسار الفلسطيني الذي انطلق في سرية بالغة نحو أوسلو، دون استشارة العرب، وبذلك يضمن طمأنة سوريا وشلها عن الحركة في تلك الفترة.
وها نحن نعرف النتيجة اليوم: كارثة أوسلو وعدم استعادة الجولان. فهل نحتاج إلى كارثة جديدة لكى نؤمن بضرورة توحيد الموقف العربي؟ وهل نترك الأراضي العربية الفلسطينية تذهب لإسرائيل؟ لقد دافعت سوريا دائماً عن الحق العربي بإصرار وشجاعة، رغم تهاوي الآخرين وشعورها بالانعزال. ولا نعتقد أنها، بعد أن وافقت إسرائيل على العودة إلى المفاوضات من نقطة النهاية عام 1996، ستسمح لإسرائيل بأن تفرغ هذا النصر الدبلوماسي من محتواه الفعلي، وهو المحافظة على الحقوق العربية، بحيل وتعبيرات وشكليات تعطي إسرائيل في الواقع شرعية احتلال الأرض العربية، وتبقي للعرب مظاهر نصر لم يتحقق.