الدكتور سلمان أبو ستة من مواليد مدينة بئر السبع عام 1937. حصل على بكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة القاهرة عام 1959 وعلى الدكتوراه من جامعة لندن في نفس الميدان عام 1964.
عضو المجلس الوطني الفلسطيني بين عامي 1974 و1993. انتخب رئيسا للهيئة التحضيرية لمؤتر فلسطينيي الشتات عام 2017 في اسطنبول الذي جمع أكثر من ستة آلاف عضو.
تخصص الدكتور أبو ستة في توثيق النكبة وموضوع اللاجئين الفلسطينيين وقد وضع أكثر من 300 بحث وستة كتب تتعلق باللاجئين وحق العودة.
ومن أهم إنجازاته “أطلس فلسطين” الذي جمع العديد من الوثائق النادرة والمتخصصة في القضية الفلسطينية المسندة بالحجج والدلائل القانونية والبراهين على فلسطينية فلسطين وحق العودة الذي لا يموت بالتقادم. وقد استغرق تجميع وتبويب وترتيب الأطلس أكثر من عشرين سنة ويحتوي على معلومات مفصلة عن نحو 1600 مدينة وقرية فلسطينية.
التقت “القدس العربي” الدكتور سلمان أبو ستة وأجرت حوارا وهنا نصه:
* في وقت تواجه القضية الفلسطينية خطرا وجوديا خاصة وأن حكومة الطوارئ الإسرائيلية ستقوم بتنفيذ الاتفاق بضم 30 في المئة من أراضي الضفة الغربية، هل تعتقد أن رد قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، كونها في حل من الاتفاقيات المعقودة بين الطرفين يمثل الرد الكافي، وما العمل لمواجهة الضم وصفقة القرن؟
** هناك مشكلة تاريخية في معالجة جرائم إسرائيل ومخالفتها المستمرة للقانون الدولي. منذ عام 1948 وإسرائيل تنقل موضع النزاع من محطة إلى أخرى. بدأت بنفي مسؤوليتها عن عودة اللاجئين واعتبارها مشكلة عربية، ثم دار النقاش حول مشكلة العائدين الذين تسميهم إسرائيل (المتسللين) ثم موضوع الفدائيين، ثم حرب العدوان الثلاثي عام 1956 ثم تحويل مياه نهر الأردن، ثم حرب 1967 ثم مشاريع الحكم الذاتي، ثم أوسلو، ثم خدعة الملفات الستة المؤجلة لمفاوضات الوضع النهائي مثل اللاجئين والقدس والمستوطنات والمياه والحدود الخ. في الواقع لا يوجد إلا ملف واحد، وهو إزالة الاحتلال من جذوره. جاءت الانتفاضات الفلسطينية ردا على تلك السياسات لكننا الآن أمام وضع مختلف في ظل اعتراف أمريكا بالقدس عاصمة لإسرائيل والجولان أرض إسرائيلية والآن ضم أجزاء جديدة من الضفة الغربية. وفي كل هذه الأحوال، تشغل إسرائيل العالم بآخر قضية، وبذلك يقبل العالم ضمنا بمن فيهم العرب بمخالفات إسرائيل السابقة.
هذا خطأ شنيع. يجب العودة دائماً إلى جذور المشكلة وهو احتلال إسرائيل لفلسطين وتشريد أهلها. قد يقول قائل: هذا صعب جداً. ولكن الأصعب منه هو قبول سلسلة لا تنتهي من مخالفات إسرائيل، وهو لن يؤدي إلى حل، بل استمرار جرائم إسرائيل.
قول القيادة الفلسطينية إنها في حل من اتفاقيات أوسلو غير كاف وليس سليماً سياسياً أو قانونياً.
إن اتفاق أوسلو بحصر القضية في دولة على حدود 1967. وهذا أمر معيب من عدة جوانب. فلا يجوز لأي قيادة التخلي عن أي جزء من تراب الوطن، في غياب استفتاء شعبي كامل على ذلك، وأن شروط الاتفاقية مخلة في كثير من النواحي الإجرائية (حتى لو قبلت كمبدأ) لان الفريق الفلسطيني لم يحمل خرائط ولم يدرس القانون الدولي، وأن تعبير حدود 1967 خطأ، لأن المفروض هو خط الهدنة لعام 1949 لأن إسرائيل تخطته باحتلال مساحات أخرى.
ونقض الاتفاقية من أصلها ممكن، لأن إسرائيل لم تطبق نصوصها، ومدتها الافتراضية انتهت، وأن تطبيقها أصبح ضرراً على الفلسطينيين بحيث انتفى الغرض الأصلي منها، وأن توقيعها عمل سياسي، وليس معتمداً على قواعد القانون وبذلك يمكن الغاؤها. فلا توجد اتفاقية سياسية دائمة، بل حقوق دائمة.
والجواب الشافي على هذا السؤال هو العلاج الجذري أي انتخاب مجلس وطني جديد، وحل السلطة، وتقييم أعمالها السابقة بالشجب أو القبول بواسطة محكمة قانونية في المجلس الجديد.
* وجهت رسالة مؤخرا لرئيس المجلس الوطني الفلسطيني الذي تعتبره فاقدا للشرعية وطالبته بالاستقالة. هل لك أن توضح أسباب هذه المطالبة وأين وصلت الدعوة؟ هل تلقيتم أي رد من سليم الزعنون؟
** لم يرد سليم الزعنون الآن أو سابقاً، رغم الرسائل والمقابلات معه خلال العقدين السابقين. وهذا كله يؤيد محتوى الرسالة التي لاقت قبولاً كبيراً لدى قطاعات كبيرة من الشعب الفلسطيني تأييداً لمحتوى الرسالة وهو حل المجلس وانتخاب مجلس جديد، وقد نشرت الرسالة تطوعاً بالإنكليزية والإيطالية والاسبانية. كما عقدت عدة اجتماعات بواسطة دوائر الفيديو الحديثة (زوم) لمناقشة الخطوات المطلوبة لتنفيذ محتواها. ونأمل أن يتم التشاور بين الأطراف المهتمة لاختيار تجمع الثلاثمئة التي تنحصر مهمته في إزالة العوائق الحالية، والتشاور مع الجاليات الفلسطينية في الشتات، وعمل برنامج عملي لانتخاب مجلس وطنى جديد.
وهنا آمل من الجميع، الذين يؤمنون بهذه الخطة، أن يضعوا مصلحة فلسطين أولاً في المقدمة، وكل ما عداها في المقام الثاني أو الأخير، وعلى الأخص المصالح الفئوية والشخصية والغرور الشخصى والتمسك بما يسمى بالدكاكين الصغيرة. هذه آفة العمل الوطني منذ سنين.
نرجو أن يتعدى الوعي الوطني هذه الآفات، والأمل كبير في هذا عندما يملك الشباب زمام الأمور بما لهم من نقاء السريرة والكفاءة في شتى المجالات.
*الوضع الفلسطيني مأساوي، انقسام وسلطة مشلولة وفصائل لم يعد لها وزن في الساحة الفلسطينية، وحكومتان في غزة والضفة واحدة محاصرة والأخرى تحت الاحتلال، من أين نبدأ الإصلاح؟ كيف يمكن لملمة الساحة الفلسطينية والعودة إلى برنامج واحد لشعب واحد له الحق في كل وطنه؟
** هذا الوضع الفلسطيني هو نتيجة الأخطاء المتراكمة والابتعاد عن جذور المشكلة. السؤال البسيط الذي يسأله كل فلسطيني هو: ما هو سبب الانقسام؟ هل هو برنامج حماس في مقاومة العدو وعدم تعاون فتح معه؟ إذا كان هذا صحيحاً فالجواب واضح: كل الشعب الفلسطيني مع المقاومة. أم السبب برنامج فتح في الاستمرار في المفاوضات وخروج حماس عن هذا المسار؟
وإذا كان سبب الانقسام هو “استيلاء” حماس على السلطة، فهل نفهم أن فتح ترغب في إعادة دحلان لحكم غزة؟ وإذا كان سبب الانقسام هو من يحكم غزة، فالجواب لنحتكم للشعب الفلسطيني ولا يكون الحل إلا بانتخاب مجلس وطني يمثل كل الفلسطينيين في الداخل والخارج.
* نلاحظ أن هناك مناطق شاسعة غير مسكونة داخل الأرض الفلسطينية التي احتلت عام 1948 ومع هذا تترك إسرائيل تلك المناطق وتتوجه للضفة الغربية بما فيها القدس لبناء المستوطنات بحجة النمو الديموغرافي فما ردك على هذه الإدعاءات؟
** نعم ولدينا دراسات موثقة منشورة وموجودة في موقعنا (هيئة أرض فلسطين) وهي تكشف خداع إسرائيل أن الأرض المحتلة ملآنة باليهود المستوطنين. لقد كشفت دراساتنا أن 78 في المئة من اليهود الإسرائيليين يعيشون في 15في المئة من مساحة إسرائيل، وأن أراضي الغالبية الساحقة من قرى اللاجئين (وليس مدنهم) لا تزال خالية إلا من سكان الكيبوتز الذين لا يتجاوز عددهم 1-2 في المئة من اليهود، وأن الجيش الإسرائيلي يسيطر على 88 في المئة من الأراضي المحتلة.
إسرائيل تتوجه للضفة الغربية تنفيذا لمشروع إسرائيل الكبرى وتحويل كل فلسطين والجولان ومناطق أخرى من البلاد العربية إلى الوطن القومي لكل يهود العالم.
أما مسألة النمو الديموغرافي لليهود في الضفة الغربية حصرا واعتبار النمو الديموغرافي للفلسطينيين في قضاء بئر السبع فهو قنبلة ديموغرافية. هذه جريمة عنصرية واضحة، تدعو إلى إبادة الفلسطينيين، تستحق محكمة الجنايات الدولية حسب نصوص ميثاق روما لعام 1998.
*هل ما زلت على نفس القناعة أن حق العودة للاجئين ممكن وقانوني وقابل للتطبيق؟
** نعم القناعة بأن عودة اللاجئين حق مقدس وقانوني وممكن وتزداد كل يوم. والسبب أن دراساتنا الآن تعمقت لوضع خطة عودة اللاجئين. لدينا قاعدة معلومات، نعرف من هم اللاجئون ومن أي قرية أتوا ونعرف ملكية أرض تلك القرية ومكان لجوئهم اليوم وعددهم، ومسار الطريق من المخيم إلى الوطن في القرية، ومراحل العودة وإعادة إعمار القرى المدمرة التي يمكن أن تتم على أيدي فلسطينيين، مهندسين وعمال وتحتاج إلى بناء 1.5 مليون وحدة سكنية على 4-6 مراحل في نفس العدد من السنين، وشبابنا المعماريون يدخلون كل سنة في مسابقة ننظمها وتعلن في لندن في أيلول/سبتمبر من كل عام لمنح جوائز ثلاث لأحسن تصميمات للاعمار.
والخلاصة أنه لا يوجد سبب لعدم عودة اللاجئين لا قانونياً ولا جغرافياً ولا تاريخياً ولا اقتصادياً ولا لوجستياً إلا فقط: الصهيونية ومبادؤها العنصرية.
والخلاصة الواضحة أيضا أنه لابد من تنظيف فلسطين كاملة من الصهيونية. وهذه الخلاصة لا يدركها من يدعون تمثيل الشعب الفلسطيني.
* هناك دعوات بعقد انتخابات لمجلس وطني جديد، هل ذلك ممكن في ظل الوضعين العربي والدولي الراهنين؟
** هذه الدعوات مستمرة وفي تصاعد. نعم هناك عقبات وصعوبات، بل وعداوات مستميتة في الوضعين العربي والدولي. ونتساءل: متى لم يكن لدينا أعداء أقوياء؟ هذا هو تاريخنا كله، ولكن لنستعيد منه العبر. خلال 72 عاما شنت علينا عدة حروب ومئات الغارات، وأسقط الأعداء جدوى قرارات الأمم المتحدة. ولكن هل استسلم فلسطيني واحد وقدم لإسرائيل كوشان أرضه ممهوراً باهدائها للصهاينة؟ لا.
ما زالت الشرعية معنا، ولن نفرط فيها. ولذلك لابد من مواجهة الصعوبات. لا يمكن أن تقدم لنا فلسطين على صحن من الفضة. لابد من مواصلة الكفاح على جميع الأصعدة. نحن الآن 13 مليونا، وبدل الشكوى من الصعاب، نطلب من كل واحد من هؤلاء الثلاثة عشر مليونا أن يقوم بدوره.
تخيل أنك ثيودور هرتسل، يقول لليهود وهو يشرب فنجان قهوة على مقهى في فيينا “سأخلق لليهود دولة خلال خمسين عاماً” ستقول إنه مجنون.
هل يمكن أن تقول لفلسطيني أنت مجنون لانك تريد استعادة أرض جدك (الذي يمكن أن يكون على قيد الحياة، أو توفى قريباً) التي تبعد 30 كم عن مخيمك أو تسعى إليها مشياً كما في قطاع غزة، ويحكمها عدو أجنبي مغتصب ليس من أهل البلاد ولكن يعيش معه خمس سكان البلاد وهم أهلك وبنو وطنك؟
* الوضع العربي أصبح الآن عقبة في طريق تحقيق الأهداف المرحلية للشعب الفلسطيني في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. هناك دول بدأت تطبع بدون الإلتفات لحقوق الشعب الفلسطيني أو حتى لمبادرة السلام العربية أو الحد الأدنى من التضامن مع الشعب الضحية للكيان الصهيوني. ما العمل وكيف يمكن إعادة الزخم للقضية الفلسطينية عربيا؟
** نعم الوضع العربي صعب، خصوصاً الرسمي منه. والتغير الرسمي لم يبدأ من النوايا، فهي كانت موجودة وإن مختفية، إما عن عجز أو عن تعاون مع العدو على اقتسام فلسطين. الآن وجد هؤلاء شجاعة في إعلان مواقفهم. وهذا خلاف الموقف الشعبي الذي لا يزال متمسكا بفلسطين كقضية العرب الأولى. الملاحظ أنه إذا كانت الدولة العربية تتمتع بقدر من الديمقراطية فإن الرأي الرسمي والشعبي متقاربان يسند فيها كل طرف الطرف الآخر. وإذا كانت دولة دكتاتورية وقمعية، اختلف الطرفان وهذا عواقبه على هذه الدول أكثر من عواقبه على فلسطين.
وكما أن الوضع العربي متخلف، فإن الوضع في الدول الغربية متقدم شعبياً (وليس رسمياً) لصالح فلسطين. الوعي بين الشباب ذخيرة هائلة يجب استغلالها.
وما دامت الأوضاع في العالم متغيرة إيجابياً وسلبياً فلماذا لا نستغل ذلك، ونجند جالياتنا في الخارج مع أصدقائنا لخلق جبهة قوية لصالحنا؟ في هذا المجال لا نحتاج إلى طائرات ودبابات، بل نحتاج إلى عزيمة وكفاءة والتزام. ولدينا من هذا كثير، أما المحبطون فليخلدوا إلى أعشاشهم ولا يحكمونا.
*ما موازين القوى التي يملكها الفلسطينيون الآن في معركتهم المصيرية وكيف يمكن إعادة الاعتبار للمقاومة بمعناها الواسع؟
** لدينا الكثير. لدينا 70 في المئة من الشعب الفلسطيني لديه طاقات هائلة. لدينا شباب وشابات في معظم جامعات العالم، في معظم بنوك العالم، وفي وسائل الاتصال العالمية، وفي المحافل القانونية والدولية، ولدينا تواجد اجتماعي في كثير من دول العالم، ولدينا شعب في غزة، وفي فلسطين التاريخية (48) وفي الضفة (رفع الله الغمة عنهم جميعا) ولدينا عدة ملايين في الأردن، وأعداد كبيرة في لبنان وسوريا.
كل هؤلاء لهم أصدقاء ومناصرون في العالم. هذا العالم أصبح مربوطا الكترونيا، من السهل عبور الحدود من دون الحاجة إلى جواز سفر أو تأشيرة أو مال، ولن يتعرض للاعتقال. هذه فرصة فريدة لا تعوض فالعالم أصبح قرية مفتوحة أمام الشعب الفلسطيني والعربي وأنصار الحرية والعدالة.
ولكن كل هذا يحتاج إلى مجهود مخلص من كل فرد فينا. هذا واجبنا وقدرنا، هذا تاريخنا. نستحق هذا الوطن فقط إذا جاهدنا من أجله. وما ضاع حق وراءه مطالب.
للتوضيح من الدكتور ابوستة :
لا يمكن الاستفتاء علي التراب الوطني ولا الحقوق الثابتة ومنها حق العودة، ولا بمليون استفتاء. هذا ما اكدناه عام 2002 ردا علي المبادرة السعودية التي يروجها محمود عباس. الاستفتاء يكون فقط علي امور اجرائية وادارية.